> 1- هيهات منا العزة بغير رب العزة!
والكاميرا السورية تستعرض وجوه المتظاهرين بمناسبة الاحتفال بيوم يتيم يدعى “يوم القدس”، توقفت أمام ملامح محتقنة لمتظاهرة سورية، وهي تدلي بشهادتها حول هذا اليوم الأغر، وتردد في آخر شهادتها بشموخ مشروخ : هيهات منا الذلة، في إشارة للتهديدات الأمريكية تجاه سوريا..
ووجدتني بشكل عفوي وأنا أرى سحنة المرأة الآيلة إلى انفجار، أستحضر المثل العربي القائل : (كنافخ في قربة مقطوعة). وبدا لي بجلاء خواء تلك الجملة (المشحونة بكل معاني العزة) إذ تتنـزل في زمن، وجغرافية، تفيد كل المؤشرات على أن الذلة تقود سفنها لاقدر الله نحومجهول معلوم يدعى بالخم الأمريكي الصهيوني. فباستثناء الاستماتة الأسطورية لحركات المقاومة بلبنان وفلسطين، تبدوما تسمى بدول الطوق كقصور من ورق، تتداعى الواحد تلوالآخر إلى المصيرالمسطور. وآخر القصور المنذورة للسقوط، القصر السوري، فقبل سنوات انطلقت عملية استهداف القصر الورقي العراقي في اتجاه الانقضاض على ما فوق أرضه وما تحتها، بافتعال جملة من الذرائع الكذوبة الغاشمة، وعلى رأسها الأكذوبة العظمى : خلع الديكتاتورية وتمتيع الشعب العراقي بخيرات الديمقراطية!!.. وكان أن استصدرت أمريكا قراراتها الإحتلالية من مجلس أمن تابع، لتحيل العراق إلى ساحة دمار شامل تشبه فيها المدن العراقية أطلال الإغريق والرومان!!..
ويتذكر الذين كانوا يتابعون بكل الغبن، تصريحات المسؤولين العراقيين النارية التي كانت تردد في رعود تهديداتها للعدوالجملة إياها : هيهات منا الذلة!، وكان ماكان من دخول القصور العراقية والتندر الغربي بشأن محتوياتها وإذلال فادح لأصحابها!!..وهاهي الحكاية على مشارف التكرار على سطح ركح مخالف، دون تغيير يذكر في الخطوط العريضة للسيناريو! وقد بدأت فصولها الأولى باغتيال رئيس الوزراء السابق “رفيق الحريري”. فبالتأمل في حجم التنازلات والإنبطاحات التي تمت على الساحة اللبنانية وشقيقتها السورية إثر هذا الاغتيال الباهظ، ينتاب المرء السؤال الملح: هل تكون جريمة الاغتيال سورية لبنانية أم تراها صنيعة صهيونية خفية، باعتبار كل ما ترتب عن هذا الاغتيال من مكاسب على الساحة الإسرائيلية، مكاسب تخدم بلا شك المشروع التوسعي الصهيوني في المنطقة.
فمباشرة بعد الاغتيال تم الضغط بقوة هائلة لإخراج الجيش السوري من لبنان وإسقاط حكومة الرئيس لحود المساندة للمقاومة، وتم تجييش المجتمع الدولي بقيادة كباره، لتفعيل القرار 1559، خاصة في بنده الخاص بنـزع سلاح “حزب الله”، ورأينا كما لوكان بمجرد صدفة، “معارضة” برتقالية من الداخل اللبناني لا تتورع ولأول مرة في مغازلة الإمبريالية بالدعوة إلى تدجين المقاومة اللبنانية..وأخيرا خرج إلى الوجود الدولي ما سمي بتقرير “ميليس”، ورأينا في سياقه وكما يقول المثل المغربي كيف أن “أُمَّالين الدار صبرووالعَزَّايا كفرو”، وبصيغة أخرى كيف أن أولياء الدم من عائلة الحريري التزموا بعد انطفاء لوعة الفقد كل الهدوء والرشد في المطالبة بكشف هوية الجناة، في حين انبرت أمريكا وأخواتها لقرع طبول الحرب على سوريا باعتبارها الجانية الوحيدة، وحتى قبل أن تصدر نتائج التحقيقات في هذا السياق!!
وبالتالي لم يعد رجما بالغيب القول بأن على سوريا أن تُعِدُّ ذقنها للحلاقة أسوة بشقيقتها العراقية، فآخر المؤشرات تؤكد أن الحالة العراقية تعيد نفسها في البيت السوري ، باستصدار المحقق الألماني ميليس قرارا نافذا بالتحقيق دون شروط مع المسؤولين السوريين كيفما كان مستواهم في السلطة. وبالنظر إلى تفاصيل هذه التحقيقات وخلفياتها، يبدومن العبث تقديم السلطات السورية شيكات الامتثال على بياض، عنوان حسن نوايا،لأن الذئاب المتربصة لا حاجة لها بالاستعراضات العربية لحسن النوايا بل بجثث الأراضي الإسلامية لافتراسها شبرا شبرا وروحا روحا بمقتضى البنود الاستعمارية لخارطة الشرق الأوسط الجديد.. فهيهات من المسلمين العزة في هذه النازلة الجديدة، وهيهات من سوريا الإفلات من شرك الذلة وإن أدخلت ميليس غرف نومها بل حتى دورات مياهها، اللهم إن استدرَّتْ العزم من رب العزة، فهل من مذكر؟؟.
> 2- من لم تعظه العراق فلا واعظ له
من يستمع إلى الكلمة القيمة التي ألقاها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أياما قبل إحياء يوم القدس، سيستشعر بارتعاب، حجم المصائب التي تستعد للانقضاض على العالم العربي الإسلامي وعلى الشرق الإسلامي على وجه الخصوص، فأعداء الأمة كالشياطين، غدوا يجرون من المسلمين مجرى الدم في العروق، ونحن -يا نحن في مأدبة اللئام -، لا عدة لنا غير طاقة التَّسَلِّي والعبث التي طفحت بها الفضاءات، والفضائيات العربية حد التخمة، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
وقد جاء في كلمات السيد نصر الله، أن الساعات الآتية عصيبة، وأن استحضار الشحنة الإيمانية في كل أبعادها التعبدية والسلوكية يبدوضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى ، فمن ذا الذي سيستحضر الشحنة الإيمانية؟؟ ولمن سيستجيب سبحانه والواقفون ببابه مرضى والعاهات شتى، فمن مرضى بالمقاعد ومن مرضى بالأرصدة ومن مرضى بالنساء ومن مرضى بالعقار ومن مرضى بالذهب والفضة ومن مرضى بالنشاط الأهْوَج ومن مرضى بالغرب الخ.. ومن ذا الذي سيستحضر الشحنة الإيمانية ويعد للأعداء العدة والأجسام منخورة بالمسكرات وبالمحرضات الغرائزية، ولمن سيستجيب سبحانه والمساجد مرصودة الأنفاس مبلدة الحواس باسم الحرب على الإرهاب، وحتى إن فتحت عن آخرها فأين هي القلوب الحية الرسالية التي ستهذبـها الصلاة ضد الإرهاب والتطرف المجاني، وتجيشها في نفس الآن ضد الذلة والإستخذاء للغاصب وتشحنها باليقين الشمولي من أن العزة لله جميعا، بيده الملك، يعز من يشاء ويذل من يشاء ؟؟..
وطالما ظل هذا التصور العقدي الصحيح غائبا أومغيبا، فلا مبدل لسنة الله سبحانه في صيرورة التاريخ والعباد، إذ يتنـزل العقاب الرباني بتسليط القوى الطبيعية أوالقوى البشرية جزاء وفاقا، وقد جربت العراق الرسمية شعارات القومية والوحدوية العروبية، الضيقة الجغرافية والآفاق وكتمت في المقابل أنفاس التدين والمتدينين ، حتى إذا داهمها السيل الأمريكي الصهيوني رفعت شعار “الله أكبر”، فما آمنها سبحانه من خوف (باستثناء مقاومتها العزلاء الماجدة) وهوالعليم بذات الصدور، وتلك الأيام يداولها سبحانه بين المفرطين !..
ذة. فوزية حجبي