حين تكون الحرية حكرا على البعض…


وتتوالى الالتفاتات… تبدأ لتنتهي على استحياء، ويرمقني بطرف عينيه محاولا أن يستشف ردة فعلي، أحاول أن أكتم ما يعتمل بصدري وذهني…وأجتهد في البحث عن موضوع أطرحه حتى يكون البديل… وحتى يحتل النقاش حوله مساحات فكره وعقله، ويلهيه عن الانسياق ببصره وراء مناظر أضحت تؤثث فضاءات الواقع المر في كل الأوقات.

بطون وأفخاذ عارية، وسيقان وأذرع وأشياء أخرى كذلك…

فتيات في عمر الزهور مزدانات بكل أنواع الزينة…ألبسة قصيرة، ضيقة أوشفافة… مساحيق وقصات شعر وعطور، متبرجات حتى النخاع …ويقصدن دور العلم،

نساء في كل الأعمار على نفس الشاكلة ويقصدن أماكن العمل…

وربات بيوت وأمهات… ولا يختلف مظهرهن عمن سبق ذكرهن…

وأجدني مرغمة ـ مرة أخرى ـ على أن أخوض  غمار هذا الموضوع، بالرغم من أن الحديث عن مثل هذه الظواهر أصبح اليوم عند مريدي العصرنة والحداثة من قبيل الهذيان المبين عن رجعية راسخة في الفكر والوجدان…

أجدني أفعل ودون تردد وقد أخبرنا وحي مذهبهم بأن حرية الفرد مقدسة…

وحدثنا كهنتهم بأن للإنسان أن يبحر في محيط الحياة كيفما شاء، وبأي فلك وأشرعة يريد، طالما أن ذلك يوافق مزاجه ويريح نفسه ويلبي رغباته ويفي بتطلعاته…

لكن -وهاته الحداثة تعترف بالعلم، وتلبس مسوحه ولا تعارضه، بل وتمتطي صهوته من أجل التصدي “للخرافة والغيبيات” -لا يمكنها إلا أن تجد نفسها مضطرة منطقيا لولوج حلبة التناظر من أجل البحث عن الحقيقة، التي مافتئت تتباهى بأنها تنافح عنها، وتقرها، وتجعل من إبرازها هدفها الأول والأخير.

فالعلم أثبت أن للإنسان حواس… والحواس تستثار عن طريق المؤثرات… والدماغ يتلقى الإشارات ويرسل الأوامر للأعضاء… فتشتغل…

وعري الأجساد يخاطب الأبصار، وروائح العطور تدغدغ الأنوف، والخضوع في القولوالكلام الفاحش ينحشران في الأذان…والعواطف والرغبات الجامحة المدمرة تسكن السوانح والوجدان…

والنتيجة التي لا يمكن أن ينكرها كل ذي لب يؤمن بالعلم : إشارات عصبية تتوالى، وهرمونات تفرز،وغرائز تستثار،وأعضاء تناسلية تشتعل أنسجتها…. فتستعد للاشتغال …

وبالرغم من هذا فمقولات الحداثة تكابر وتتحدى منطق العقل والعلم…

فالمرأة حسب نصوصها المقدسة تملك حرية اختيار المظهر الذي ترغب في أن تبدوعليه، والمنهج الأخلاقي الذي تود أن تسلكه…

لكن أوليس من حق الجميع التحقق من مدى إمكانية تطبيق هذا المنطق بالنسبة للجميع، ومن عدم مساسه بحرية ومصالح الآخرين؟

فابني المراهق ـ القابع بجانبي في السيارة أثناء رحلة الذهاب إلى الثانوية ـ جزء من هذا الجميع،وفرد من أفراد المجتمع والمطلوب من الحداثة أن تعطيهم كل الحقوق المستحقة حسب نصوصها،وأن تهتم بهم،وتترك لهم الحق في ممارسة حرياتهمب”حرية” في جميع المجالات.

وأية حرية ستضمن له وتوفر له هاته الحداثة، وهوالمقود عنفا إلى الفاحشة لتفريغ الشحنات المنبثقة من استثارة أعضائه التناسلية قهرا ودون رضاه؟

وهل من حلول أتوخى أن يطرحها سدنة الحداثة حتى أتمكن من خلالها أن أنقذ ابني من مهاوي الرذيلة والفحش؟

وكيف له أن يكون حرا في أن يسخر الطاقات التي من الله بها عليه في إعلاء همته في طلب العلم،حتى يساهم في إعادة الأمة إلى مرتبة الخيرية وهوالمشتت الذهن، المباغت كل فينة وأخرى بما يقتحم عليه كيانه من شحنات الإغواء، تدفعه إلى بذل الكثير من الجهد من أجل مغالبة ما تنتجه في نفسه من نزوات، قد تدمره إن هادنها واستجاب لها؟

وكيف يطلب من هذا الغض اليافع، الذي نضج جسمه قبل أن ينضج عقله أن يغالب هذا الطوفان من المثيرات الجنسية المتدفقة من جميع الجهات، المخاطبة لكل الحواس ؟

كيف لا يمكن أن تكون نصوص الحداثة مسئولة عن ضياع مستقبل من استثير… فاشتعل أوار شهوته… فمارس الجنس الحرام… فحظي بغضب الله وسخطه أولا… ثم كان المرض “العقاب” القاتل من نصيبه ثانيا؟

شباب يافع في عمر الزهور أدخل متاهات اللذة الحرام يتلظى بلهيبها…

يأس وضنك وتيه وأمراض نفسية وجسدية… تنهك القوى وتدمر فئة الشباب التي أريد لها أن تكون معول هدم لا وسيلة بناء وتعمير للأرض المستخلف فيها من قبل الإله.

ثم ألا يخطر ببال الأسر المتيحة للإناث منها ممارسة الحرية في انتقاء ما يحلولهن من لباس وسلوكيات أن ذكورها لابد مكتوون بنار تبرج إناث الغير المتحررات ؟

خيانات زوجية وعلاقات غير شرعية ولقطاء، بل وحتى زنى المحارم وكذا اغتصاب الأطفال…

سعار جنسي مقيت يشل الطاقات ويدمر العلاقات…

ولكي ترتق الخرق الذي اتسع على الراقع تحاول الحداثة تفعيل حلول وهمية لا تقيم للعوامل المسببة للخلل حسابا…

حملات إعلامية مضادة للاستغلال الجنسي للأطفال… والنفوس مريضة بعيدة عن الله تلهث وراء كل آت من الغرب المريض المهووس بالجنس حتى النخاع.

وجمعيات تدعي العمل على حماية المجتمع المدني… والقلوب غافلة، ساجدة تتلقى “نفحات” العهر و”بركات” التسيب من مواقع الفجور على الانترنت، ومن قنوات المجون في التلفزيون، ومن صفحات العري في الصحف والمجلات.

والداء لا يمكن شفاؤه كما هومعلوم إن لم يتصد للسبب المسبب له…

و…تتيه بي الأفكار..وتنحشر بذهني في متاهات التأمل في واقع الحال…

وأجدني قد شردت عن متابعة ما كنت بصدده من افتعال ما قد يشغل ابني  عن الانشغال بصور العري والانحلال .

وينفطر قلبي ككل مرة حين أجدني عاجزة عن ضمان حمايته، وعن استعادة ما أجهز عليه الآخر المتحرر بمباركة عجل الحداثة ـ من حريته…

يجتاحني القلق طوفانا يعصف بحناياي،ويرغمني على التساؤل عن جدوى ما أقوم به من جهود لإبعاد شبح الانسياقوراء الشهوات الحرام عنه،وعن مدى قدرة تلك الجهود على الوقوف أمام سيل الغواية الجارف، المتطاولة أمواجه حوله وحول أمثاله يوماً بعد يوم.

ويتوقف سيل التفكر وقد وصلت إلى وجهتي…

يغادر ابني، وأتابعه بنظرات مشفقة …واليأس يكاد ينحشر وينغرز شوكه في داخلي…

أنتبه فجأة وأستعيذ بالله…أسارع بالتضرع إليه…

أبادر باستعادة استشعار طعم الحرية الحقيقية الكامنة في العبودية لله في أعماقي… أستلذه ترياقا يبيد وهن الهزيمة، ويعين على نوائب الإحساس بالقهر.

وينطلق لساني ذاكرا …وقلبي راجيا من الله أن يشملنا وأبناءنا بحفظه،وأن يعيننا على حسن تربيتهم وتوجيههم حتى يغالبوا الشهوات،ويدرءوا عن أنفسهم الزلات، ويستعينوا بالله على التصدي للانجراف وراء المنكرات.

دة. صالحة رحوتي

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>