فضل العلم ومكانته
…إن الله تبارك وتعالى قد جعل العلم خصلة من الخصال الحميدة العالية، وصفة من الصفات المجيدة السامية، وشرفه على كل ما سواه من الفضائل والآداب. وجعله نوراً تستنير به القلوب، وتنشرح به الصدور وتتفتح به البصائر والأبصار، وتتقدم به الأمم وتتطور به المجتمعات، وتبنى به الحضارات.
والتعليم والتزكية والتربية هي أسمى مهمة وأعظم رسالة وهي من أهم مهمات الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وهي الدعوة التي دعا بها سيدنا إبراهيم عليه السلام لذريته، قال تعالى على لسانه : {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، إنك أنت العزيز الحكيم}.
وقد كانت الاستجابة لهذه الدعوة والمنة على هذه الأمة في قوله تعالى : {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكمآياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}.
فما أعظم هذه النعمة وما أكرم هذه المنة وقد بين الله تعالى في كتابه العزيز المكانة العالية للعلم، والمنزلة الغالية للعلماء، فقال عز من قائل : {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}. وقال سبحانه : {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.
وأول آية نزلت من كتاب الله تعالى تحث على العلم وتحضُّ على القراءة : {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم}. والعلم رحمة من الله عز وجلَّ على الإنسان قال تعالى : {الرحمان علم القرآن، خلق الانسان علمه البيان…}.
وأما رسول الله فقد جعل التعليم من أوجب الواجبات حتى قال عليه السلام : “العلم فريضة على كل مسلم” وفي رواية أخرى (على كل مسلم ومسلمة).
ولا ننسى قبل هذا كله أن العلم صفة من أجل صفات الله تعالى، قال سبحانه على لسان الملائكة : {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم}. وقال تعالى : {إن الله واسع عليم}. وقال سبحانه : {واتقوا الله ويعلمكم الله، والله بكل شيء عليم} وقال عز من قائل : {نرفع درجات من نشاء، وفوق كل ذي علم عليم}.
والله تعالى لا يمنح هذه الصفة الجليلة إلا للمصطفين الأخيار من عباده الصالحين، وجنوده المخلصين، قـــال تعالى : {يوتي الحكمة من يشاء ومن يُوت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً}.
أمة العلم في براثن الجهل
إن هذه الأمة التي أرادها الله عز وجل أمة عالمة تقود وتسود بفضل العلم، قد خطط لها أعداء الملة وخصوم الدين ليجعلوا منها أمة جاهلة لا علم لها، أمة تتخبط في الجهالة والضلالة. أمة تتنكر لأصولها وثوابتها ولا تبالي بمقدساتها
ويسجل التاريخ أن التعاون بين الاستعمار والصليبية كان وثيقا للقضاء على مقومات الأمة الإسلامية في بلاد الإسلام، وأنهم كانوا يدبرون أمرهم ليتوصلوا إلى تحقيق ذلك عن طريق المدرسة، ونشر التعليم الأجنبي والثقافة الأجنبية، وقد كانت المدرسة آنذاك وسيلة أساسية لدى هؤلاء لإزالة ارتباط الشباب المسلم بدينه وحضارته ومقومات نهضته وتقدمه وازدهاره، تقول إحدى المبشرات في بعض كتاباتها : “إن المدارس أقوى قوةٍ لجعل الناشئين تحت تأثير التعليم المسيحي، وهذا التأثير يستمر حتى يشمل أولئك الذين سيصبحون يوما قادة أوطانهم.”
ويقول أحد كبار المستشرقين الأنجليز : “الواقع أننا إذا أردنا أن نعرف المقياس الحقيقي للنفوذ الغربي ولِمَدى تغلغل الثقافة الغربية في الإسلام، كان علينا أن ننظر إلى ما وراء المظاهر السطحية.”
ويشير إلى أهمية التعليم والصِّحافة في هذا الصدد فيقول : “والسبيل الصحيح للحكم على مدى تغلغل التغريب، هو أن نتبين إلى أي حد يجري التعليم على الأسلوب الغربي، وعلى المبادئ الغربية وعلى التفكير الغربي. الأساس الأول في كل ذلك هو أن يجري التعليم على الأسلوب الغربي وعلى المبادئ الغربية وعلى التفكير الغربي، هذا هو السبيل ولا سبيل غيره.”
وبعد مفارقة الاستعمار لديارنا، بقيت رواسبه الفكرية متجذرة في عقول وقلوب كثير من المثقفين وبقوا مصرين على أن الثقافة الغربية هي الثقافة الجديرة بالاعتبار، رغم أنها تجرنا حتما إلى الغرب وتبعدنا عن شخصيتنا وحقيقتنا الإسلاميتين. ولقد بلغت الجرأة ببعض أبناء بلاد المسلمين، أنهم استنكروا إدراج صورة لفتاة محجبة في كتاب من المقرر واعتبروا ذلك ضربا لمبدإ الحرية في اللباس، وبلغت الوقاحة ببعضهم أن استهزأ بكلام رسول الله وعاب عليه حديثه عن الرجل يخرج إلى المسجد كل خطوة يخطوها تكتب له بها حسنة وتمحى عنه بها سيئة أو كما قال ، واعتبروا ذلك ضد العلم والتقدم والتكنولوجيا واستعمال الوسائل الحديثة في التنقل.
فاللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن شرور هؤلاء ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، ونسألك اللهم علما نافعا ترفع به قدرنا وتعلي به مكانتنا.
تعليم الدين وضع مساءلة!!
لقد كان يبدو غريبا في وقت سابق أن تطرح قضية تعليم الدين في المدارس، لأن الدين يعتبر من مقومات الوطنية المغربية، وهو الذي يحفظ الشخصية المغربية، ولا يمكننا أن نتصور مدرسة مغربية لا تُعنى بتعليم الدين، لأنه واجب وجوب اللغة والتاريخ والحساب والعلوم المختلفة وغيرها من المواد التي لا يستغني عنها منهج من مناهج التعليم. وليس من المعقول كما يدعي البعض أن نكل تعليم الدين للآباء وحدهم لأنه ليس كل الآباء لهم القدرة على ذلك. ولو كان كل فرد قادراً على تعليم ابنه الدين لكان قادراً أيضا على تعليمه غير ذلك من المواد. ولكان المجتمع في غنى عن المدارس.
إن الدعوة إلى نهج فكرة الحياد الديني في المدرسة عامل رئيسي منعوامل هدم صرح الأمة وطمس معالمها.
وإن المدرسة التي تساهم في بناء شخصية الإنسان المسلم المتمسك بهويته، والمعتز بملته، والمتشبث بأصالته، والمتفتح على الحضارات الإنسانية الأخرى هي المدرسة التي تعتمد الإسلام أساسا في تكوين المثقف المسلم سواء من حيث عقيدته التي يدين بها، أو أعماله وتحركاته التي يتصرف بها في الحياة أو أخلاقه التي يتصف بها.
وهي المدرسة التي ترسخ في نفس المتعلم ثقافة مؤمنة ربانية تربط الإنسان المسلم بخالقه وتدفعه إلى أن يكون في تفكر وتدبر مستمرين لعناصر الكون وأسرار الوجود.
قال تعالى : {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار}.
وهي المدرسة التي تربي المتعلم على الوحدة الشاملة في كل شيء، في الدين واللغةوالمشاعر والعواطف حتى يعيش كل الناس موحَّدين وموحِّدين، متعاونين ومتآزرين، مسالمين ومتحابين.
وهي المدرسة المتفتحة على العالم الخارجي، تحافظ على الأصول وتتمسك بالثوابت، وتتطلع إلى الجديد وتنظر إلى الثقافة الإنسانية العامة نِظرة تقدير، فتأخذ منها ما يفيد المتعلم دون أن تَقْلِعَهُ من جذوره وترمي به في أحضان التيارات الهدامة النازعة إلى الكفر والإلحاد والسائرة في طريق إبعاد الدين عن الحياة
وهذه هي الخصائص التي نريدها في مدارسنا التي تحتضن أبناءنا وفلذات أكبادنا.
ذ. إدريس اليوبي