4- معرفة الحقوق والواجبات وأداؤهما بِيُسْر وتلقائية يساعد على الاستقرار الأسري والاجتماعي


4- مع

 

 

2-حق الصداق

النصُّ المؤصِّل لهذا الحق :

قال الله تعالى : {وآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}(النساء : 4).

فقد أمرَ الله تعالى الأزواج بأن يتبرَّعُوا بإعطاء المهور نِحْلةً منهم لأزواجهم(1)، فهذه الآية الواردة بصيغة الأمْرِ تَدُلُّ على وجوب الصداق للمرأة. وتويِّدها الآية الخامسة والعشرون من سورة النساء حيث يقول الله تعالى : {فَانْكِحُوهُنّ بإِذْنِ أهْلِهِنّ وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ بالمَعْرُوفِ} ومن الآيتين معاً، ومن التطبيقات العمليّة على مدى التاريخ يُعْلَمُ الإجماعُ على الصَّداق بحيث لا يمكن التواطؤ على إسقاطه أبداً، وحتى لو وقع زواج في ظروف غير عادية فإن القضاء يُقدِّرُ للمرأة صداق المِثْل أي يُقَدِّر لها صدَاق مِثلها في مستواها الاجتماعي والثقافي والجمالي وفي مستوى سنها وعائلتها…

حكمة الصداق

كان الكثير من الظلْم يقع على المرأة أحياناً في مسألة الزواج، حيث كان الكثير من الأولياء -من غير الآباء- يأكلُون صداق المرأة إذا كانت تعيش مع وليِّها في عِشرة واحِدَةٍ مع عائلته، فإذا انتقلتْ إلى دار زوجها انتقلتْ بدون شيء، كأنها مجَرَّد متَاعٍ من الأمتعة المحمولة، وليستْ كائناً مُكرَّماً له شخصيتُه وقيمته.

وكان عند الجاهليين أيضاً نوعٌ من الزواج التّبَادُليّ، حيث كانوا يتزوجون امرأةً بأخرى، أي يخْطُب الرجلُ ابنةَ الرجلِ، فيقول له : أُزَوِّجك ابنتي على أن تزوجَِّني ابنتَك أو أُخْتَك، فهي امْرأة بامْرأةٍ، ولا شيء لهما معاً من الصّداق. وهو نكاحٌ كان يَقَعُ غالباً في اليتيمات اللّواتي كُنَّ يَعِشْنَ تحت أولياء من الأقارب غير الآباء -طبعا-، فهي في وضعية المُهانة منزلةً ليُتْمِها، ولذلك كان يَسْهُلُ هضْم حقوقها، فيقول الرجلُ للرجل >زَوِّجْني وليّتكَ أُزَوِّجْكَ وليَّتي< فقضى الإسلام على هذا العُرف الظالم بأن جعل الصّدَاقَ حقّاً خالصاً لها تتصرّف فيه بكامِل إرادتِها ومطلق حريّتها، يُؤْخَذُ من الزوج عطيّةً وهديّةً ومِنحةً من الله تعالى للزوجة، إكْراماً لها، ورفعاً من قيمتها ومعنوياتها، فقال تعالى {وآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وقال  : >لا شِغَارَ فِي الإسْلام<.

فحكمة الصداق البارزة تظهر في إكرام المرأة ورفع منزلتها التي كانت هابطة في الجاهلية، وهذا الإكرام يتجلى في :

1) أن الله تعالى جعل الصداق حقّاً خالصاً لها، وأعطاها حق التصرف فيه، وهذه منزلة ما كان كل نساء الجاهلية سواء عند العرب أو غير العرب يًصِلْن إليها، إذ المرأةُ كانت كالمحجّر عليه لا حق لها في التصرف في مالٍ إرثاً أو صداقاً، بل بعضُهُنّ لا يُسْتشارُ  حتى في نفسه وجسده، فهي كالأمّة وإن كانت حُرّةً.

ولذلك كان التشريف كبيراً جدّاً عندما قال الله تعالى {صدُقاتِهِنّ} حَيْثُ أضاف الصداق إليهنّ، فهو تشريع يُمَثِّلُ قَفْزةً بالمرأة من الحضيض إلى الأفق الأعلى من الحريّة والاعتبار، فبَعْد أن كانت لا إرادة لها ولا سلطة لها حتى على جسدها أصْبَحَتْ لها السلطة على جَسَدها ومَالِها، وأصبحَ القرارُ كُلُّهُ لها في الأشياء المتعلقة بها.

إكرام ما بعده من إكرام لَمْ تظْفَرْ به المرأة في الدُّول التي تَعْتبِر نفسها متقدمة إلى اليوم، حيث مازال العُرف يجري عندهم على ما كان عليه قديماً أيام اليونان والرومان(2).

2) أن الله تعالى جعلهُ {نِحْلَة} أي عطية من الله تعالى للنساء المومنات بدون عِوَضِ يقابلها، فليست هذه النحلة كما يفهم البعض- ثمناً للمرأة كثمن السلعة في أسواق التجارة، وليست ثمناً لا ستعباد المرأة وجَعلها أمةً في دار الزوج -كما يفهم الجهلاء- ولكنها عطية إكراميّةٌ خالصة تدُلُّ بوضوحعلى رغبة الرجل في الارتباط بالمرأة التي اختارها عن علم وبينة وصدق في تأسيس الأسرة الصالحة المأمول فيها أن تكون نواة للمجتمع الصالح. قال أصحاب الشافعي : >النكاحُ عقْدُ مُعاوَضَةٍ انعقد بَيْن الزوجَيْن، فكُلُّ واحِدٍ منهما بدَلٌ عنْ صاحِبِه، ومَنْفَعَةُ كُلِّ واحِدٍ منهما لصَاحِبِه عِوَضٌ عن منْفَعة الآخر، والصّدَاقُ زيَادةٌ فرَضَهُ الله تعالى على الزّوْجِ لما جُعل لهُ في النكاح من الدَّرَجَة>(3).

ولكَوْن الصّداق  ليْس عوضاً اسْتُحِبّ التيسيرُ فيه لقول رسول الله  >إنّ أعظَمَ الزّواجِ برَكةً أيْسَرُهُ مَؤُونةً< وقوله : >خَىْر الصّداقِ أيْسَرُه< عن سهل بن سعد الساعدي أن امر أة جاءت رسول الله ، فقالت : يا رسول الله، جئتُ لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله ، فصَعد النظر إليها وصوَّبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أن لم يقض فيها شيئا جلَسَتْ، فقام رجل من أصحابه، فقال : إن لم تكن لك بها حاجة فزوِّجْنيها، فقال : هل عندكِ من شيء تُصْدِقها؟! قال : لا، والله يا رسول الله. قال اذْهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا، فذهب ثم رجع، قال : والله يا رسول الله ما وجدت شيئا. قال  : انظر ولو خاتما من حديد، فذهب ثم رجع، فقال : يا رسول الله لا والله، ولا خاتما من حديد.. فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام، فرآه الرسول مُوَلِّياً، فأمَرَ به فدُعِي، فلما جاء قال : ما معَك من القرآن؟! قال : معي سورة كذا، وسورة كذا.. عدّدَها، قال : أتقرأُهُنّ عن ظَهْر قلْب؟! قال : نعم، قال  : >اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَها بما معَك من القرآن<(البخاري ومسلم، كتاب النكاح).

1- الجامع لأحكام القرآن 21/5.

2- باستثناء الزواج المدني المبتدع حديثا في الدول الغربية والشرقية الالحادية، فذلك سقوط آخر، وإهانة أخرى للمرأة التي أصبحت تعامل كسلعة تجارية، وليست ككائن حيله اعتباره.

3- أحكام القرآن لابن العربي 317/1، ومن الأدلة التي استدلوا بها على كوْن الصّداق ليس عِوَضاً عــن شيء قالوا :

- الدليل الأول : جَوَازُ إخْلاءِ النِّكَاحِ عنه، وجَوازُ السُّكُوت عن ذِكْره أيْ من أول مرّة، ولكنه يُفْرض بعد ذلك بالقول، أو يَجِبُ بالوطْءِ، فكونُه غَيْرَ مفروض من أول مرَّةٍ، ولا يجب إلا بعْد الوطْء يَدُلُّ على خروجه عن رسم العوضية.

- والدليل الثاني عندهم على اعتبار الصداق عطية بدون عوض هو أن فَسَادَ الصّدَاق لا يُفْسِدُ النِّكَاحَ.

- الدليل الثالث هو حقُّ المرأة في التصرف فيه كما شاءت.

أما علماء المالكية فيرونه عوضاً عن الاستمتاع، ودليلهم : {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِه مِنْهُنَّ فآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً}(النساء : 24) فسماه الله تعالى أجراً، ولذلك وجَبَ أنْ يُخْرَج به عن حُكْم النِّحَلِ إلى حكم المعاوضات، ويردون على الشافعية قائلين : وأما تعلقهم بأن كل واحد من الزوجين يتمتع بصاحبه، وأن الصداق زيادة، فليس كذلك، بل وجب الصداق على الزوج ليملك به السّلطنة على المرأة، وينزل معها منزلة المالك مع المملوك فيما بذل من العوض فيه، فتكون منفعتها بذلك له، فلا تصوم إلا بإذنه، ولا تحج إلا بإذنه، ولا تفارق منزلها إلا بإذنه، ويتعلق حكمه بِمَالِها كُلِّه حتى لا يكون لها منه إلا ثلثه، فما ظنُّك ببَدَنِها.

أمّا النكاح بدون صداق فإنه يُفسخ قبل الدخول، ويثبُت بعده، نظرة مُحترمة، ولكن فيها نوعٌ من التشدُّد الزائد الذي جَلَب شيئاً من رَدِّ الفعل المتجلّي في إحْداث مدونة للأسرة شبه ثائرة.

ذ.المفضل فلواتي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>