هل القوة هي إبادة هذه الجموع من النساء والصبيان والشيوخ على أيدي من يمتلكون سلاح الدمار الشامل، وتهجيرهم واضطهادهم وحرقهم بنيران العدوان والظلم، وهل القوة هي بسط النفوذ والتوسع واستغلال الآخرين واستعمارهم، نعم هذه قوة شياطين الإنس المتحالفين مع شياطين الجن على الخراب والدمار، والطغيان والاستكبار.
أما مفهوم القوة في منطق الشرع فهو ضبط النفس وترك البطش، قال رسول الله : >ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب<(متفق عليه).
الإسلام جاء بالرحمة للعالمين فحتى أهل الشدة والغلظة والفضاظة أخذهم الإسلام باليسر واللين، والرفق والرحمة، عن أنس قال : كُنت أمشِي مع رسول الله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فجاء أعرابي فجبده من برده جبدة عنيفة فقال يا محمد إعطني من مال الله الذي أعطاك، فالتفت إليه النبي فابتسم ثم أمر لهبعطاء<(متفق عليه). إن رحمة الإسلام ولطف الإسلام لم يقتصر على الإنسان بل تعداه إلى الحيوان، مرّ النبي على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته، وهي تلحظ ببصرها إليه فقال : >أفلا قيل هذا؟ أتريد أن تميتها موتات؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها<(رواه الحاكم بإسناد على شرط البخاري) وهذا الرفق واللطف بالمخلوقين بقي عليه الخلفاء والمسلمون بعد نبيهم ، عن ابن عمر ] أنه رأى رجلاً يجر شاة برجلها ليذبحها فقال له : >ويْلك قدها إلى الموت قوداً جميلا<(رواه عبد الرزاق).
الرفق ظاهرة يتميز بها الإسلام في المعاملات والعبادات، عن أبي مسعود الأنصاري ]، قال جاء رجل إلى رسول الله فقال إني لأتأخر عن صلاة الصبح لأجل مما يطيل بنا، قال أبو مسعود فما رأيت النبي غضب في موعظة غضبه يومئذ فقال : >أيها الناس إن منكم منفرين فمن أَمَّ الناس فليتجوز فإن من ورائه الكبير والصغير وذاالحاجة<(متفق عليه).
وفي الصحيحين عن معاذ ] أنه أمَّ الناس فطوَّل عليهم في الصلاة فشكوه إلى رسول الله فقال له النبي : >أفتّانٌ أنت يا معاذ قالها ثلاثا<. إن التشدد والتنطع، وإلحاق العنت بالناس والمشقة وأذِيّتهم بأي نوع من الأذى هو عين الفتنة في مفهوم الشرع، والله يحدد مقاصد الشريعة في الأوامر والنواهي فيقول تعالى : {يريد الله بكم اليُسْر ولا يُريد بكم العُسر}.
ذ. عبد الحميد صدوق