من وحي اليوم العالمي لحقوق الإنسان


حقوق الإنسان في زمن المريكان، جنة كرامة مهدورة

“لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة، هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.

ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة.

ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم.

……….

فإن الجمعية العامة  “للأمم المتحددة” تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة شعوب العالم والأمم…”(1).

حل بنا في العاشر من هذا الشهر (شهر دجنبر) اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وقبله بقليل -03 دجنبر- اليوم العالمي للإنسان المعاق، وقبله اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، وقبله وبعده حلت وستحل أيام عالمية كلها حقوق وحريات أبرمت من أجلها عهود ومواثيق دولية، تجعل المطالع لبنودها يخال العالم جنة للكرامة الإنسانية، وتحمله على الاعتقاد بأن هذا العالم قد أدرك فعلا حقيقة التكريم الإلهي للإنسان.

لكن الحقيقة المرة، هي أن الدماء المسلمة البريئة التي تسترخصها القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، والأرواح الزكية التي تزهقها العصابات الصهيونية في فلسطين الأبية، والممارسات العنصرية التي يتعرض لها كل مسلم وكل عربي في مشارق الأرض ومغاربها تقول غير هذا.

إنها تقول : إن ما أثبتناه أعلى الموضوع من عبارات رنانة حفلت بها ديباجة  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تناسل عنه من مواثيق وإعلانات حقوقية جعلت الحقوق الإنسانية ثلاثة أجيال، كما يدرس في مادة الحريات العامة، كانت مجرد أحلام يقظة بددتها شمس العنصرية الأمريكية الصهيونية القاتلة، كانت حبرا على ورق أتلفته وجرفته سيول الدماء المسلمة المهدورة.

إنها تقول : إن ما جاءت به المادة الأولى من هذا الإعلان من أنه “يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق … وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء” وما نصت عليه المادة الثانية من أنه “لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر…” ما هو إلا كلام للتصدير إلى الدول المستضعفة لدغدغة مشاعر شعوبها والضحك على ذقون زعمائها، واستنامة عزائمها.

لو كانت للهيئات الدولية والمنظمات العالمية بقية من حياء لأعلنت تشييع كل المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والمرأة، والطفل والحيوان، و… إلى مثواها الأخير، أمام هذه المفارقة الصارخة بين ما تكفله هذه المواثيق من حق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية (كما تنص المادة الثالثة من الإعلان)، وما تضمنه من حرية الفكر والمعتقد والحق في الاختلاف وغيره، وبين الإبادة الجماعية التي يشنها قادة الحرب الصليبية الجديدة.

إن العاشر من دجنبر يجب أن يكون محطة للتنديد بالعنصرية الصليبية الصهيونية، بدل التغني بأطياف حريات متخيلة وحقوق متوهمة، ما سطرت إلا لفرض الوصاية على دول العالم الثالث وعلى رأسها الدول الإسلامية، وابتزاز حكامها بدعوى انتهاك حقوق الإنسان بقمع الحريات، واضطهاد المرأة، وتشغيل الأطفال.

مع تسليمنا بحقيقة هذه الادعاءات، ووجود كل هذه الظواهر والخروقات داخل الدول المتخلفة، إلا أننا نجزم أنها كلمة حق أريد بها باطل، إنها إرهاب لحكامها ومساومة لهم على كراسيهم لتسليم بلدانهم وخيراتها لقمة سائغة لبطون الغرب وجيوب المؤسسات المالية الدولية.

لِنَعُدْ ونتساءل : أين بنود هذه المواثيق الدولية من فظاعة ووحشية الصليبيين الجدد في البيت “الأسود” التي طالت حتى أماكن العبادة حيث تمَّ قصفها وقتل المتحصنين بها من الأبرياء دون مراعاة لحرمة هذه الأماكن وقدسيتها في كل الديانات.

أين ما تنص عليه المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من أنه “لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية والوحشية أو الحاطة من الكرامة” من الجرم غير المسبوق لشواذ أمريكا الذين فرغوا مكبوتاتهم الجنسية في سجناء “أبوغريب” و”غوانتنامو” الأبرياء، وما عرضوهم له من تعذيب وامتهان لا لشيء إلا لدم الإسلام الذي يجري في عروقهم.

إن ما عاشه العالم ويعيشه بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر لا يعبر إلا عن شيء واحد، هو أن لعبة الأقنعة التي كان الغرب يمارسها مع المسلمين قد سقطت وكشف عن وجهه العنصري الذميم الحاقد على الإسلام، الحانق على أهله، وأن ما كان يداري ويماري من أجله، أصبح اليوم مطلبا صريحا بقوة الحديد والنار، وهو ما عبر عنه رب العزة بقوله سبحانه: {ولن ترض عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}.

إن كل حديث عن الحق في الاختلاف وحرية الرأي والمعتقد من خلال المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، يغدو في ظل هذه الحقيقة القرآنية الساطعة، والحرب الصليبية الواضحة، ضربا من السفه والجنون.

على أنه لا ينبغي أخذ كلامنا هذا، على أنه عنصرية من نوع آخر أو دعوة لرفض الآخر والتعصب العرقي والغلو الديني، بقدر ماهو رفض للتشبث بأوهام ما يسمى بالمواثيق الدولية، والمجتمع الدولي وأعرافه ومؤسساته، والجري في سراديبه المغلقة وراء وَهْمِ تحقيق العدالة الدولية والمساواة بين الشعوب.

يجب أن نعي أن الحق يِؤخذ ولا يعطى، خاصة في عالم يسوده منطق القوة لا قوة المنطق، ويحكمه قانون الغلبة لا غلبة القانون.

إن على الإنسان المسلم أن يدرك أنه إن أراد أن يكون له موطئ قدم في هذا العالم، فإن عليه أن يكون ذا كيان سياسي واقتصادي وفكري وعسكري مستقل عن سائر الفاعلين الدوليين، حتى يحظى بهيبة واحترام، بل وخوف مرتزقة أمريكا وإسرائيل.

مـــن هنا نقول إن على المسلمين كأفراد، وعلى الأمة الإسلامية كدول، أن يعيدوا النظر في حقيقة هويتهم وانتمائهم الحضاري، ويعيدوا قراءة مقولة عمر بن الخطاب ] المأثورة : نحن قوم كنا أذلة فأعزنا الله بــالإســـلام، فــإن نــرد العزة فـــــي غيــره أذلنا الله.

عبد الكريم دريدب

——-

(1) مقتطفات من ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>