دوافع الكتابة في هذا الموضوع
إن الدّوافع للتطرق لهذا الموضوع في هذا العصر كثيرة، نظراً لسُوء الفهم لحقوق المرأة وحقوق الرجل في إطار التكامُل والتجانس، وليس في إطار التضاد والتصادم، والتغالُب وحبِّ السيطرة والاستحواذ.
ونظراً أيضا لسوء الفهم للحداثة التي غزت الديار الإسلامية بالنظرة الغريبة عن الإسلام، مع أن الفهم الصحيح للحداثة هو العيش داخل العصر بالثوابت التي لا تخضع لزمان ولا لمكان، لأنها فوق الزمان والمكان. فالصدق سيبقى صِدْقا، والعفة ستبقى عفة، والوفاء سيبقى وفاءً، ولا يمكن أن ننتظر زماناً تُصْبح الخيانةُ فيه مبدأً مستساغاً في النظرة الإنسانية السليمة، وكذلك الغدر، والنفاق، والخداع، والمراوغة، والغش إلى غير ذلك من الصفات التي ستبقى ذميمة في كل الأزمان والأمكنة.
ولكن الغرب الذي شوَّه الفطرة الإنسانية ومسخها صَدَّر إلينا هذه الحداثة المزيِّنة للكفر والمقبّحة للإيمان، المُزَيِّنة للدّعارة، والمقبّحة للعفة، المزيّنَة للشطارة والتحايل على الإنسان لسرقة ماله وعرضه ووطنه، المزينة للإشباع الجنسي عن طريق ممارسة الفاحشة ولو كانت شاذة، والمقبّحة للزواج الصائن للعرض والكرامة.
فالحداثة بهذا المعنى، معنى التمرُّد على الأديان والأخلاق والثوابت من المبادئ هي التي غَيّرت أحوالنا تغييراً سريعاً، جعلنا نرى مجتمعاتِنا تتهاوى سريعاً ونرى أُسَرنا تتفكَّكُ روابطُها بسرعة، فتتغيّر نِظرة الأب لأولاده، ونِظرة الأولاد لآبائهم وأمهاتهم وتتغير نِظرة الزوج لزوجته، ونِظرة الزوجة لزوجها وتتغير نِظرة الجار للجار، والقريب للقريب.
كُل ذلك تلوَّن بلَون الحداثة الجافية التي تغترف من معين الأنانية المفرطة وحُبّ الذات المبالغ فيه. فلا احترام، ولا توقير، ولا توادُدَ وتراحُم.
< إذن : الدافع الأول : ماطفَح به العصْر من الاهتمام الزائد بالمرأة : كتابةً، وعقد نَدوات ومؤتمرات، وترويج شعاراتٍ، والدَّفع بها إلى اقتعَادِ القِمم واحتلال الوظائف والمناصب في تنافُسٍ غَيْر شريف، بل أصبحت تُقَدم حتى في الخطاب (سيداتي سادتي) واسقاط التاء في “الدكتور سميحة” ومعالي “الوزير سميرة” متجاهلين اللعنات التي تُصب على من لم يرض بجنسه وأراد أن يتقمَّص الجنسَ الآخر المكمِّل له بصفته المخالفة له قال : >لعَنَ اللهُ المُتَشَبِّهَاتِ من النِّسَاءِ بالرِّجَال، والمُتَشَبِّهِين من الرّجالِ بالنِّسَاء< ولكنه التقليد الأعمى لمن يجُرُّوننا إلى جُحَر الضَّبّ القذِرة المُنْتِنة رغْم ما لدَينا من وصايا قرآنية ونبوية تحثنا على أن نكون متميزين لنا استقلال في الشخصية {وإِذَا قِيل لهُم اتَّبِعُوا ما أنْزَل الله قالُوا بل نَتَّبِعُ مَا ألْفَيْنا عَلَيْه آبَاءَنَا أولَوْ كَانَ آبَاؤُهُم لا يعْقِلُون شَيْئاً ولا يهْتَدُون}(البقرة : 169) وقال : >لا يَكُنْ أحدُكم إمَّعَةً، يَقُولُ : أنا مَع النّاسِ، إنْ أحْسَن النّاس أحْسَنْت، وإِنْ أسَاؤُوا أسَأت، ولكِن وطِّنُوا أنْفُسَكم إنْ أحْسن النّاس أن تُحْسِنُوا وإن أسَاؤُوا أن تجْتَنِبُوا إسَاءَتَهُمْ<.
وهذا ليس تكريما للمرأة في الحقيقة وإنما ذلك استغلال ومتاجرة بالمرأة شعرت أم لم تشعر.
فهذه الموجة المنفوخة جعلت المرأة تغتر وتنظر إلى الرجل نِظرة دونية يصعُب معَها بناءُ أسرةٍ وفق النهج القرآني البناء المتين للأسرة {ومن آياتِه أن خَلَق لكُم مِن أنْفُسِكم أزْواجاً لتَسْكُنُوا إِلَيْها وجَعَل بينَكُم مودّةً ورحمة إن فِي ذَلِك لآياتٍ لقومٍ يتفَكَّرُون}(الروم : 20) وهذه الموجة أعقبتها اصلاحات لـمُدَوَّنات الأسرة أعطت المرأة الدرجة الأولى والرجل الدرجة الثانية.
< الدافع الثاني :
ما أصبح يشكو منه الرجال من هضم للحقوق وإزراء بالرغبات الرجولية الضرورية التي لا غنى عنها لاستقرار الأسرة، واستمرارها في أجواء التوافق والانسجام، وخصوصاً في أواسط الأعمار، حيث ينتقل اهتِمامُ المرأة رويداً رويداً إلى الأولاد، أو المنصب، أو التجارة، فيصبح الرجلُ في حياة المرأةِ هامشاً غير محتاج إليه أحياناً، لأن المرأة استغنتْ عنه بأولادها أو بمنصبها أو بإدارة ثروتها ومقاولاتها. وهنا يقع الخطر الأكبر على الأسرة : شقاقا، ومخاصمة، وخيانة، وطلاقاً، ومحاكمة، وإهْمالاً للأولاد، بل يمكن أن يصل الخطر إلى درجة القتل.
< الدافع الثالث :
ما أسْتمِعُ إليه، أو يَصِلُني اسبوعِيّامن الشكاوى المؤلمة بالنسبة للرجال الذين يعانون من نسائهم المرائر، فلاهم قادرون على الطلاق لما يترتّب عنه من إفقار وتخريب، ولاهم قادرون على الزواج من امرأة أخرى لما في ذلك من الصعوبات، ولا هم قادرون على التأديب ولو بالحُسنى لما يترتّب عن ذلك من التطاول والترفُّع سواء من المرأة أو أهلها، ولا هم قادرون على رفع الدّعْوى أمام المحاكم طلبا للحقوق المهضومة لما يترتَّب عن ذلك من نشر الغسيل، وفضح المستور أمام الأولاد والجيران والأقرباء والخاصة والعامة من الناس، الأمْرُ الذي لا تبقى معه معاشرة حُلوة، ولا مَذَاقُ سَكَنٍ لذيذٍ.
فمن الرجال من يشتكي من هجران زوجته له أكثر من ثلاث سنين بدون حياء أو وازع ديني رادع، و تعظُم المصيبة أكثر عندما تزيِّن له الفاحشة في غير شعور بشيء من الغَيْرة أو التأثُّم.
ومن الرجال من يشتكي من كثرة الإهانات الموجهة له من قِبل الزوجة أمام أولاده وأحيانا أمام أصهاره لتظهر وكأنها الحاكمُ بأمره، الأمر أمْرها، والرأي رأيها، ولا اعتبار لرأي زوج لا في التسيير والانفاق، ولا في التنشئة والتربية لأبناء حَكَم عليهم الظرفُ السيء أن يتربَّوْا وسط سلطة أنثوية سطتْ على >القوامة< وعبثتْبها، وأهدرتْ كرامتها في وقت بدأَ فيه التركيعُ القانوني للمرأة يُطِل برأسه، حتى يجد الرجلُ -في النهاية- أنْ لاَ مَنْجى له مِن التركيع إلا بالإفلاتِ من شبكة الزواج -القفص غير الذهبي- وتلك لعَمْرُ الحق بداية عصْر التسافُد على قارعة الطريق -لا قدر الله- إذا لم يتدارك الله هذه الأمة بدُعَاةٍ وداعياتٍ يعكِسون الوِجْهة، ويصحِّحون القبلة. قال : >إذَا اقْتَربَ الزَّمَانُ كثُرَ لُبْسُ الطَّيَالِسَةِ، وكثرَتِ التجارة، وكثُر المالُ، وعُظِّم ربُّ المال، وكثُرتِ الفاحِشة، وكانتِ إمْرَةُ الصّبيَانِ وكثِرَ النِّسَاءُ، وجَارَ السُّلطانُ، وطُفِّفَ في المِكْيَالِ والمِيزَان، يُرَبِّي الرّجُلُ جَرْو كَلْبٍ خَيرُ له من أنْ يُرَبِّيَ ولداً، ولا يُوَقَّرُ كَبيرٌ، ولا يُرْحَمُ صَغِيرٌ، ويَكْثُرُ أولادُ الزِّنا، حتّى إنَّ الرّجُل ليَغٌشَى المرْأة على قَارِعَة الطَّرِيق، فيَقُول أمْثَلُهُم في ذلك الزّمان : لوْ اعْتَزَلْتُم عن الطّرِيق، يَلْبَسُون جُلُودَ الظّأنِ على قُلُوب الذِّئابِ، أمْثَلُهُم في ذلك الزّمَان المُدَاهِنُ<(الطبراني)، وقال : >يَأْتِي على النّاسِ زَمَانٌ هِمَّتُهُم بُطُونُهُم، وشَرَفُهُم مَتَاعُهُم، وقِبْلَتُهُم نسَاؤُهُم، ودِينُهم درَاهِمُهُم ودَنَانِيرُهُم أُولئِك شرُّ الخَلْقِ، لا خَلاَقَ لهُمْ عِنْدَ اللَّهِ<(الديلمي).
هذا غيْظٌ من فيض في هذه العجالة مما يَسْمَحُ به الظرف والحياء، واللبيبُ بالإشارة يفهم،
< الدافع الرابع :
الغزو الإعلامي الخليع الذي بدأ يدخل البيوت بأوجه سافرة متوقِّحة متوحِّشة، فالفاحشة التي حذَّرنا الله عز وجل منها، وحذرنا الرسول من ثمارها المُرَّة أصبحت تُمارَس على مختلف الفضائيات الشيطانية لتعلِّم المراهقين والمراهقات، والشباب والشابات، والمتصابين والمتصابيات، كيف يسْعَوْن إلى ممارسة ذلك في دنيا الواقع الذي يقمَعُ الفضيلة، ويصفِّق للرذيلة.
وفي الوقت الذي ينتشر فيه هذا الوباء الجنسيُّ المسعور ينْحَسِرُ العِلْمُ الجنسِيُّ العابِد المنطلق من قوْل الله تعالى : {هُنَّ لِبَاسٌ لكُمْ وأنْتُم لِبَاسٌ لهُنَّ}(البقرة : 186) وقول الرسول : > وفي بُضْعِ أحَدِكُم صدَقَة< وقوله : >حتَّى اللُّقْمَةََ تَضَعُهَا في فِي -فم- زوْجَتِك تَبْتَغِي بِها وجْهَ اللّه إلاّ أُجِرْتَ عَلَيْها< نظراً لِما أحيط بهذا العلم من التعتيم المغلَّف بالجهل الجاهِل، فكانت النتيجة أن هَجَم علينا العِلم الجنسيُّ الداعِرُ بدون أن تكون لنا حصانة من العلم والإيمان فبدأ يتمكّن ويخرِّبُ، في الوقت الذي غاب فيه عن المرأة فِقْهُ >حُسْنِ التَّبَعُّلِ< الملخص في قوله : > الدُّنْيَا مَتَاع، وخَيْرُ مَتَاعِهَا المرْأَةُ الصّالِحَةُ<(مسلم) وغاب عن الرجل فقه منبع >الخَيْرِيَّةِ< التي يقول فيهارسول الله : >أكْمَلُ المُومِنِين إيمَاناً أحْسَنُهُم خلُقاً وخِيَارُكُم خِيَارُكُم لنِسَائِهِمْ<(الترمذي).
فغيابُ الفقهيْن معاً جعل الأسر المسلمة تتردى في مهاوي الجهل والتقليد والانحراف المُميت لكرامة الرجل والمرأة، والمُميت للخلق والقيم الإنسانية، فكان هذا البحث إسهاماً في بدء التدارك السريع.