زارني بعض الأمريكان المسلمين الذين زودونا ببعض أخبار عما عانوه بعد 11/9/2000 من أهوال وفزع وكوابيس، وما كان منتظرا من أمريكا التي أخلصوا لها وعملوا من أجلها أن تذيقهم الأمَرَّيْن وأن تبث الخوف بينهم وبين أطفالهم حتى أصاب بعضَهم أمراضٌ نفسيةٌ أثَّرت عليهم في دراستهم وحياتهم.. ومع ذلك يقول : “إن الشعب الأمريكي شعب طيب وفيه كثير من خصال الخير وهناك أقوام منه ما يزالون على الفطرة يتأثرون بالدعوة الإسلامية.. وقال ومن بركات هذه المحنة أن الاهتمام بالاسلام زاد كثيرا إلى درجة أن جامعات ومدارس صارت تُدخل في مناهجها وبرامجها دراسةَ اللغةِ العربية والقوانين الفقهية الإسلامية لذلك، فإننا الآن بحاجة ماسة إلى إعداد الأساتذة والمعلمين الأكفاء، ومن بركات هذا الابتلاء الإقبالُ على الإسلام مما لم يُشاهد مثلُه فيما قبلُ. وسألناه ما رأي السائح الأمريكي في المغاربة والمغرب؟ فقال :
إنه معجب بالمغاربة وبكرمهم واعتدالهم ووسطيتهم في دينهم وترحابهم بالأجانب وحفاظهم على اليهود وثقافتهم ومقابرهم ومعابدهم واعترافهم بالآخر.. والمغرب زاخرٌ بما يعجب السائح الأمريكي.
إن إسلام المغاربة الذين اتصلنا بهم يتَّسِم بالبساطة والنقاء والتسامح والصدق؛ لمسنا ذلك في حسن المعاملة وجميل الترحاب وآداب الحوار والكلام.
وقد جرَّنا الحديث إلى الثقافة والإعلام فقال أحدُهم إننا نقرأ جريدةً اسمُها “المحجة” تصدر بفاس ولم ينتبهوا أن بعض الجالسين معهم من كُتّابها الثابتين وقال : “إننا معجبون بها وبلهجتها وموضوعاتها وحسن اختياراتها ونقولها عن الصحافة الأخرى”.
وقد سعدتُ بهذا النبإ العظيم وهذا مما يجعلني أقول : صَدَق المثل العربي : “سُكَّانُ مكةَ أبعد منها” أو “مُغَنَّي الحَي لا يُطرب” (أي أن المكيين القدماء كان بعضهم لا يحج لانشغاله بخدمة الحجيج) أما المثل الثاني فيصدق على الكثيرين من إخواننا بفاس وبالمغرب إنهم لا يقرأون المحجة وكانوا لا يقرأون “الهدى” التي نالت شهرة كبيرة بالخارج، وتُصَادِفُ بعضَهم لم يَسمعوا حتى بصدورها، لذلك عندما توقفت لأسباب مادية وغيرها لم يتلقَّ أصحابُها حتى العزاءَ في حين ألحَّ المشتركون بالخارج على وجوب عودتها وما يزالون يُلحُّون إلى الآن.
إن الإعراض عن قراءة المحجة والصحافة الإسلامية عن عَمْدٍ وسَبْق إصرار أو غفلة وإهمال عنصر “من عناصر اختلال في الموالاة ومساندة الدعوة الإسلامية في مجال الإعلام وغياب الاهتمام بالمسلمين وقضاياهم والتجاوب معهم.
إن الإقبال على هذه الجريدة الدرويشة بالخارج يُثقل كاهلَ القائمين بها والعاملين فيها، لا يعزيهم عن العناء إلاَّ أن يعلموا أن للجريدة قراءً في المستوى العالي حتى يُجَوِّدوا ما يكتبون ويُنقِّحُوا ما يُحرِّرون ويستجيبوا لمطالب القراء على اختلاف مستوياتهم وأذواقهم وأن يَحُثُّوا بعض الكُتّاب القدماء الذين أخلّوا بالتزامهم بالعودة إلى الكتابة، وألا يظن كاتب فيها أن الكتابة نافلةٌ شاحبةٌ ومندوبٌ يُشْبِهُ المكروه وصدقة بما يُكْرَهُ.
إن قيمة ما يُكْتَبُ حُسْنُ التأثير فيمن يَقْرأُ واستجابتُه للعمل المطلوب منه. والعملُ على ترويح الجريدة أو لأقل ما يراه نافعا مما ورد في صفحاتها حتى تعمَّ الفائدةُ وتنَجح الكلمة فَرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع أو قارئ، أما أهلُ الخير والمال والفضل فعليهم أن يُدعِّمُوا محجَّتَهم بأداء اشتراكِ مَن لا يستطيع الاشترك ولا سيما في إفريقيا وآسيا، أو التطوع بإرسال أعداد لأشخاص ومؤسسات بالداخل والخارج يجب إيصال الدعوة إليهم، والتعريف بأفكار الجريدة ومقاصدها السامية مما يوطد العلاقات بين المسلمين ويؤلف بين قلوبهم.
إننا لا نكتبُ لأنفسنا إنما نكتب لله وفي الله؛ والدينُ النصيحة، ومن أجدى النصائح الكلمة الطيّبةُ والفكرةُ المنتجةُ والنداء الموقِظ والدعوة التي تغير النفوس إلى الأحسن.
فهنيئًا للمحجة بوصولها إلى أمريكا فعسى أن تصل إلى فاس وأخواتها بالمغرب فالمسافات جدُّ قريبة ولكنَّ الإعراض عنها يجعلها بعيدةَ الشقة شاسعةَ المسافات على قَدْرِ تباعد القلوب وتناكر الأرواح.
فاللهم ألِّفْ بين قلوبنا ووحِّد صفوفنا {ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا}. إذ ذلك بعض شروط النصر والفوز في الدنيا والآخرة.