الخبير الاستراتيجي الفرنسي باسكال بونيفاس: معركة الفلوجة “خسارة إستراتيجية” لأمريكا


وصف الخبير الإستراتيجي الفرنسي “باسكال بونيفاس” مدير معهد الأبحاث الإستراتيجية في باريس الحملة العسكرية التي تشنها القوات الأمريكية على مدينة الفلوجة بالعراق بأنها “حرب خاسرة إستراتيجيا” على الرغم من قدرة الأمريكيين على ربح المعركة عسكريا، موضحا أن هذه الحرب وما ارتكب خلالها من فظائع أمريكية بحق أهالي الفلوجة تستحق أن توصف بأنها “إرهاب دولة” وستؤدي إلى تصاعد مشاعر الكراهية للأمريكيين في العراق والعالم الإسلامي.

كما أكدت وثيقة سرية أعدها مسئولون من قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) مكلفون بالهجوم على الفلوجة، وأوردتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن “النجاح النهائي للعملية العسكرية بالمدينة ليس حاسما وقد يعود المسلحون إليها بقوة”.

إرهاب دولة

وقال باسكال بونيفاس في ندوة نظمت في معهد العالم العربي بباريس مساء الأربعاء 17-11-2004 على هامش صدور كتابه الجديد “تحديات العالم العربي”: “لا يمكن أن نطلق على العملية التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية في الفلوجة إلا أنها إرهاب دولة”.

ورأى بونيفاس أن ما حدث في أحد مساجد الفلوجة من قتل لأسرى جرحى وما حدث من قبل في سجن أبو غريب من انتهاكات بحق الأسرى وما حدث في معتقل جوانتنامو ليس مجرد أخطاء فردية أمريكية كما تقول واشنطن بل هو تعبير عن سياسة دولة ونظام سياسي.

واعتبر بونيفاس أن “عملية الفلوجة سيربحها بالقطع الأمريكيون عسكريا، ولكنهم سيخسرونها إستراتيجيا كما خسروا من قبل عملية غزو العراق على الصعيد الإستراتيجي.

انتخابات “فقدت مصداقيتها”

وبيّن بونيفاس وجهة نظره قائلا: “معركة الفلوجة زادت من مشاعر الكره للأمريكيين في العراق والعالم العربي والإسلامي، كما أنها أظهرت -مهما كانت نتيجتها- أن أي انتخابات ينظمها الأمريكيون والحكومة العراقية المؤقتة لم يعد لها أي فائدة؛ ذلك أن الحكومة المعينة فقدت مصداقيتها نهائيا بعد أن بدت في عيون رجل الشارع العربي تابعة للأمريكان”.

كما حذر الخبير الفرنسي من أنه “إذا لم تقع مراجعات للسياسة الأمريكية في علاقتها بالعالم العربي فإن العداوة لكل ما هو أمريكي ستزداد أكثر بانتخاب الرئيس الأمريكي بوش لدورة رئاسية جديدة”.

واعتبر بونيفاس أن معركة الفلوجة هي دليل آخر على أن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق “لا نهاية لها”، وأضاف: “الفلوجة التي وقع غزوها بحجة مقاومة الإرهاب ستنتج إرهابيين وفق المنظور الأمريكي أكثر عددا لا في العراق وحده ولكن في مناطق أخرى من العالم العربي”.

طلاق أمريكا وأوربا

وحول إعادة انتخاب بوش أشار بونيفاس إلى أن “الأمريكيين بانتخابهم الرئيس الأمريكي مجددا رسخوا الطلاق الإستراتيجي مع الأوربيين، في حين أن الحلفاء الأوربيين لبوش بدءوا في التهاوي الواحد بعد الآخر، فبعد خسارة خوزيه ماريا أزنار (رئيس الوزراء السابق) في أسبانيا فإن الدور قادم على سيلفيو برلسكوني في إيطاليا”.

وحول رد فعل الشارع العربي إزاء أحداث الفلوجة، اعتبر باسكال أنه “بالرغم من غياب الديمقراطية والضغط السياسي والقمع لحركات المعارضة، فإن الشارع العربي بدأ يتشكل كقوة متفاعلة مع ما يجري من أحداث خاصة في العراق وفلسطين وأصبح يتجاوز الحكومات والأنظمة العربية الديكتاتورية التي تضطر أحيانا للتفاعل مع مطالبه”.

الرأي العام العربي الفضائي

ورأى أن ما أطلق عليه “الرأي العام العربي الفضائي” الذي تحركه الفضائيات العربية أصبح “قوة جديدة ومترابطة ومتضامنة تبدو للغرب بصفة عامة والأمريكيين بصفة خاصة بمثابة الناطق الرسمي باسم المنطقة العربية في غياب الحكام”.

وحول إمكانية قيام الولايات المتحدة الأمريكية بعمليات عسكرية في مناطق أخرى في العالم الإسلامي وخاصة في إيران وسوريا قال بونيفاس: “إن مصطلح الحرب الوقائية على شاكلة الحرب على العراق أثبت فشلا تاما، وبالتالي سيكون صعبا أن تقدم الولايات المتحدة على أي مغامرة عسكرية أخرى كتلك التي قامت بها في العراق، باستثناء استهداف محدود لبعض المفاعلات النووية الإيرانية مثلا، وهذا أيضا سينذر بمخاطر كبيرة نظرا لامتلاك إيران لأسلحة كيماوية طويلة المدى”.

“نجاح غير حاسم”

وفي سياق نتائج العملية العسكرية بالفلوجة، جاء في وثيقة سرية من 7 صفحات للجيش الأمريكي، أوردتها صحيفة “نيويورك تايمز” اليوم الخميس 18-11-2004، أن “النجاح النهائي لهذه العملية الأمريكية في المدينة التي تعد معقل المقاتلين السنة ليس حاسما، وقد يعود المسلحون إليها بقوة”.

وذكرت الصحيفة أن مسئولين في أجهزة استخبارات حذروا قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) من أي انسحاب كبير للقوات الأمريكية بعد انتهاء الهجوم، وهو ما يخالف البيانات الرسمية الأمريكية المتفائلة.

وأكد المسئولون أن “المقاتلين” سيتمكنون من إعادة تنظيم صفوفهم سريعا في الفلوجة والمنطقة؛ ما قد يزيد حدة الهجمات والاشتباكات.

وقال المسئولون: “رغم الخسائر التي تكبدها المقاتلون حتى الآن فإن العدو قادر على منع قوات المارينز من تحقيق أهدافها الرئيسية الرامية إلى تشكيل قوة أمنية عراقية فعالة، وضمان نجاح الانتخابات العراقية المزمع إجراؤها يناير 2005″، بحسب ما نقلت الصحيفة عن الوثيقة.

وقالت نيويورك تايمز: “إن مسئولين في قوات المارينز مكلفين بالهجوم على الفلوجة أعدوا الوثيقة في نهاية الأسبوع الماضي”.

ردا على سؤال للصحيفة احتج عسكريون أمريكيون كبار على ما ورد في الوثيقة، وقال الجنرال جون ديفريتاس الموجود في العراق: إن “تقييم العدو هو تقييم (لما سيكون عليه الوضع) في أسوأ الأحوال”، مضيفا أن الجيش الأمريكي “لا يعتزم ترك فراغ بانسحابه من الفلوجة”.

إسلام أون لاين

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>