اللعن الإلهـي والرســالي لليهود في القرآن الكريم (1)


 أسبــابـه و عـواقـبـه

لماذا معرفة أسباب لعن اليهود في القرآن؟

إن معرفة الأسباب التي لعن من أجلها اليهود كثيرة ،و تجب معرفتها جملة وتفصيلا للأهداف التالية :

أولا : ليحذرها المسلم، كي لا يقع فيها ، ويتحمل وزرها و تبعاتها الخطيرة المنغصة لحياته .

ثانيا : إنه إذا استوجبت هذه الأمور لهم اللعنة ،فإن السنن الإلهية ناموس تستوجب لمن قام بها أو ارتكبها نفس اللعنة.و لهذا دعا الله سبحانه المؤمنين إلى التنبه لها وعدم الغفلة عنها،و الاعتبار منها ،  و لهذا قال : {فاعتبروا يا أولي الأبصر}(الحشر : 2) .

ثالثا : الاطلاع عليها ،يفيدنا في معرفة نفسية هذه الشخصية المعقدة و المريضة في و قتنا الراهن. فإن ما يرتكبه هؤلاء اليهود من اعتداء على حرمات المسلمين من الكيل لهم و تشتيتهم و تخريب ديارهم و تقتيلهم أطفالا و نساء و رجالا و عجزة ،و ما يسببونه من إشعال للفتن و الحروب ضدهم  وتحريض الكفار و النصارى عليهم ،و اللعب بمصائرهم و ضمائرهم ليعد بحق علامة واضحة على استمرارية النفسية اليهودية على نهجها القديم في الإفساد في الأرض جريا على سنن الكفار من آبائهم و أجدادهم الأولين .

رابعا : إن ركون المسلمين في وقتنا الحاضر إلى وعود اليهود و خططهم لهو دليل على انصراف المسلمين عن الهدي النبوي الرشيد و التوجيه القرآني السديد، و التعويل على ما يقدمه النصارى وأصحاب الملل الأخرى من حلول لتصفية المشاكل وإرجاع الحقوق للفلسطينيين العزل من قبل بني إسرائيل هو أصلا بعيد كل البعد عن المنهج الرباني ، كما أنها لا تعد في المنظور و المنطق الإسلامي رشيدة و لا سديدة و هي دون جدوى.و يمكن أن نقول جازمين : إننا مبتعدون كل البعد -في تعاملنا معهم – لحل قضايانا عن نواميس التاريخ المحكمة والسير في طريق مظلم سوف لا يوصلنا إلا إلى الباب المسدود.

و إن الرسول الكريم  قال : >لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لا تبعتموهم.قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ،قال : فمن ؟<(رواه البخاري في كتاب الاعتصام)(1).

هذا الحديث الصحيح عظيم الشأن ،ورد فيه خبر حال المسلمين، لكنه على سبيل التنبيه و التحذير من مغبة الركون إليهم واليقظة القصوى من الاستسلام والاطمئنان إلى وعودهم و الثقة العمياء في أقوالهم . فذلك صادر عن خبث نواياهم و سوء طويتهم. و تاريخهم أكبر دليل على مرض نفوسهم ،و أعظم برهان على توالي إفسادهم  الخطير في أرض الله التي أمر الله تعالى الإنسان بإصلاحها و عدم الإفساد فيها . قال سبحانه : {و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}(الأعراف : 55).

و بإمعاننا في التاريخ، و جمع الهمم والعزائم،سيتحقق  نفض الغبار عنا،وعدم الركون إليهم و التكاسل عن أداء ما أنيط بنا من واجبات رسالة الإسلام الحنيف.و لا ثقة إلا فيما يرشدنا إليه محمد رسول الله  صاحب الشريعة السمحة. لأن بهذا تكون اليقظة من الغفلة و الصحوة من السبات العميق .و عدم الاتكال المقيت الذي لم يجن من ورائه المسلمون إلا الذل و الصغار وفقدان كل غال.

إن للقرآن الكريم – و هو كلام الله لفظا و معنى- حكمة في إطلاع المسلمين على سنن التاريخ و عرض نفسية اليهود في مساحات شاسعة ، بإنكارهم للنبوات، و تماديهم في الغي و الطغيان إلى تجاوزهم إلى قتل الأنبياء و الصالحين .و حكمة  الإطلاع ليس الغرض منها إلا الاعتبار و التحذير  والتنبيه على هذه النفسية المريضة المضطربة .فقد نبه على سوء سلوكهم ومقصد طويتهم المخالف للأوامر الإلهية، وارتكاب أكبر الكبائر بتحريم ما أحل الله وإحلال ما حرم الله. و بهذا استحقوا اللعن. فقد لعنهم الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة والسلام :موسى في التوراة و داود في الزبور و عيسى في الإنجيل و خاتم النبيئين محمد صلى الله عليه و سلم في القرآن.

و قد ذكر ابن كثير في تفسيره قول عبد الله بن عباس : >لعنوا في التوراة و الإنجيل و في الزبور و في الفرقان<(2).

فما هو مفهوم اللعن ؟ و ما هي أسبابه الموجبة له ؟ و لماذ ا ستحق اليهود ذلك ؟

وردت كلمة اللعن في معاجم و قواميس اللغة مفيدة معنى الإبعاد و الطرد من الخير، كما في لسان العرب لابن منظور (مادة لعن). و اللعنة في القرآن : العذاب. و لعن فلان فلانا سبه . و سمي الشيطان لعينا،لأن الله لعنه فطرده من رحمته. و قد ورد في الحديث :  >اتقوا الملاعن الثلاث : البراز في الموارد، و قارعة الطريق و الظل< أبو داود(3)

وقد أورد النووي في شرحه لمسلم ، أن “المراد باللعنة في الدعاء : الإبعاد من رحمة الله”(4).

وقد حذر رسول الله عليه أفضل الصلاة و السلام من لعن المسلم للمسلم قائلا :>ليس المؤمن بالطعان ولااللعان ولا الفاحش و لا البذيء<(5) .

كما نبه النووي على اجتناب اللعن ، وقال : >ليس هذا من أخلاق المؤمنين<(6).

أما اللعنة على الظالمين فمباحة لقوله تعالى ( أ لا لعنة الله على الظالمين )،و لما كان اليهود ظالمين معتدين و جبت لهم اللعنة. وهذا ما يستخلص من كلام النووي في شرحه لمسلم(7).

و قال ابن تيمية رحمه الله : فمن لعن من ليس أهلا للعنة وقعت اللعنة عليه .

و قد قال  : إني لم أبعث لعانا و إنما بعثت رحمة(8).

و الحكم الظاهر مما ورد في هذا كله ،أن اللعن حرام في حق المسلم إذا قصد به الإبعاد من رحمة الله ،خصوصا إذا كان لا يستحق ذلك . و الأفضل الدعاء له بالتوبة والهداية ، و من أقيم عليه الحد لا يلعن، وقد حرم الإمام الغزالي ذلك. و مرتكب الكبيرة قد ثبت لعنه ،فالرسول الكريم لعن في الخمر عشرة : لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و شاربها و ساقيها و حاملها و المحمولة إليه و بائعها و مبتاعها و آكل ثمنها(9).

ذ. عبد القادر بنعبد الله

——————–

1- رواه البخاري في كتاب الاعتصام .

2- تفسير ابن كثير .ج 2 . ص : 85 .

3- رواه أبو داود .كتاب الطهارة . باب المواضع التي نهى عن البول فيها 1/31 .

4- النووي في شرحه لمسلم 16/148.

5-  أحمد 1/404 . و الترمذي . كتاب البر و الصلة .4/350 .

6- صحيح مسلم .16/148 . شرح النووي.

7- شرح النووي لمسلم .16/199.

8- رواه مسلم في صحيحه. كتاب البر و الصلة.باب النهي عن لعن الدواب و غيرها 4/2007.

9- أبو داود . كتاب الأشربة. باب العصير للخمر.10/81.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>