الشكر على النعمة واجب 


كن عبدا شكورا

إن من أوجب الواجبات على العبد، أن يشكر الله الذي خلقه في أحسن تقويم، ويشكره لأنه رزقه من نعمه سبحانه خيرا كثيرا، ويشكره لأنه وعده بالنعيم في الجنة إن هو أطاعه وعبده حق عبادته. قال تعالى :

{ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}(الأحزاب : 71).

وفي موضوع شكر العبد لخالقه، الواجب عليه وجوب  عين، يقول عز وجل في كتابه الكريم :

{فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}(البقرة : 151).

وقال : {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون}(البقرة : 171).

وقال : {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}(يونس : 10).

وقال : {ولئن شكرتـــــم لأزيدنكم}(إبـــراهيم : 9).

وقال : {وقل الحمد لله}(الإسراء : 110).

وقال تعالى : {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}(الروم : 45).

وهذا جبريل عليه السلام، يحمد الله ويشكره على أن هدى رسوله  للفطرة، حين فضل اللبن على الخمر، فعن أبي هريرة ] أن النبي ، أوتي ليلة أُسري به بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما فأخذ اللبن، فقال جبريل عليه السلام : “الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك” رواه مسلم.

وهذا رسول الله ، يعلم أمته كيف تبتدئ عملها، إن كان هذا العمل صالحا، ذا منفعة دينية أو دنيوية، فعن ابي هريرة ] قال، قال رسول الله  : “كل أمر ذي بال، لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع”. حديث حسن رواه أبوداود وغيره.

وحيث إن النصوص الواردة في الكتاب والسنة، تدل على وجوب الشكر لله تعالى، فلم يبق للعبد المسلم إلا أن يُكثر من الشكر والثناء لله عز وجل، الذي كرمه وفضله على كثير من المخلوقات. قال تعالى : {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}(الاسراء : 70).

وليعلم العبد المسلم، وهو أولى بعلمه بدينه من غيره، أن مما أكرم به الله تعالى الإنسان، أن جعل له من الشهوات نصيبا، ليَلاَّ تفوته البهائم بها، فرزقه من الطيبات ملبسا ومركبا ومنكحا ومأكلا ومشربا، ومنحه من العلوم قسطا ليَلاَّ تنفرد الملائكة وحدها بذلك، وليتمكن بواسطة هذه النعم وغيرها، من الوقوف على الحقيقة، التي تجعل منه عبدا طائعا شكورا لله عز وجل، وتجعله يدرك جسامة المسؤولية التي كُلف بها مع نفسه وغيره من الناس، ومع كل ما خلق الله على هذه الأرض، والتي تتجلى في الأقوال والأعمال المسبوقة بنية فاعلها، صالحة كانت أو طالحة، فعن عمر بن الخطاب ] أنه قال : سمعت رسول الله  يقول : “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه” أخرجه البخاري ومسلم.

تأمل أيها الإنسان الأعضاء التي تُنَفَّذُ بها الأعمال في جسمك، لتدرك أن الله سبحانه جعل لكل عضو منها منفعة تليق به، يسخر من أجل تحقيق تلك المنفعة، وأهم هذه الأعضاء : السمع والبصر والفؤاد.

قال تعالى : {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون}(السجدة : 8).

وإنما وقع التخصيص على هذه الأعضاء الثلاثة دون غيرها، لكونها تعتبر أشرف الأعضاء وأعمها منفعة، ولهذا كان السؤال عنها في قوله تعالى : {إن السمع والبصر والفؤاد كـــل أولئك كان عنه مسؤولا}(الاســـــراء : 36).

فطوبى لمن استعمل وسخر هذه الأعضاء، في الذكر والشكر لله تعالى، وويل لمن غلبه الشيطان ولعبت به الأهواء، وأطلقها في الفجور والمحرمات التي نهى الله ورسوله عنها، وإذا ذهبت لتسألك كيف يكون الشكر بهذه الأعضاء وهي ليست محلا للنطق؟

فاعلم أن الشكر بمحل النطق الذي هو اللسان، من وظائف العوام الذين يقنعون بالحركات الظاهرة، أما الأسرار الباطنية فيه مشحونة عندهم بالهوى وحب الدنيا، فعبادتهم وذكرهم واستغفارهم قليل الفائدة بالنسبة إلى ما عليه الخاصة، فحقيقة الطاعة والشكر عند هؤلاء، أي الخاصة يكون بعدم عصيان الله تعالى بنعمة، بحيث يستعمل كل عضو فيما خُلق له من المعرفة والطاعة، فشكر السمع والبصر والفؤاد عندهم يكون كالآتي :

أولا : شكر السمع، إن شكر السمع عندهم، هو أن لا يُسمح له بالاستماع إلى  محرم، من غيبة ونميمة وقذف وآلة طرب وغناء محرم، ومدح يُرجى من ورائه تحقيق غرض مادي أو معنوي، بل ينبغي أن يصغا به إلى كتاب الله وسنة رسوله ] وسيرة الصحابة ]، وأحوال الصالحين، ونحو آذان وإقامة وذكر وحكمة ووعظ وإرشاد، وسماع علم نافع وغير ذلك، شرط أن تعمل بما علمته وسمعته، وإلا كان سماعك وتعلمك لهذه الأمور وبالا عليك دنيا وأخرى.

ثانيا : شكرالبصر، يكون شكر البصر في الغض عما حرم الله ورسوله، قال تعالى : {لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم}(الحجر : 88).

وقال : {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم}(طه : 129).

وقال : {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}(النور : 30).

وقال : {وقل للمومنات يغضضن من أبصارهن}(النور : 31).

وتطلقه أيها الإنسان فيما أباحه الله لك في الآفاق، وفي أجناس الكائنات الحية، وأنواع مبدعات الكون من شمس وقمر، وكواكب ونجوم، وبر وبحر، وتمر وشجر، وليل ونهار، وطير ووحش، وسماء وأرض وما فيهن من مخلوقات وتنظر بعين الاعتبار، وبصر الاستبصار في ذلك كله تجده مسبحا لله تعالى، {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}(الاسراء : 44).

تجده مقراً موحدا ذليلا خاضعا فقيرا، خاشعا حامدا مقهورا، قائما على أقدام العبودية، ناطقا لمولاه بالألوهية، شاهدا لخالقه بالوحدانية، مقرا بالربوبية، قائلا لك بلسان الحال : أيها المغرور الجهول، لم لا تنتبه من غفلتك وتعمل ليوم حسابك؟

ألا تنظر إلينا وتعلم من أبدعنا من العدم إلى الوجود؟ ومن أودعنا أسراره، وأظهر فينا قدرته، قال تعالى : {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}(البقرة : 163).

وقال : {وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم}(الذاريات : 21- 22).

وقال : {أفرايتم ما تمنون آنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين… فسبح باسم ربك العظيم}(الواقعة : 61- 77).

وقال : {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلـــــــــى الجبـال كيف نصبت وإلــــــى الأرض كيف سطحت}(الغاشية : 18- 20)

كل هذه الآيات وغيرها كثير تدفعك أيها الإنسان إلى التأمل والتدبر في ملكوت السموات والأرض، وفي يوم المصير الذي ينتظرك، قال تعالى : {يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده شيئا ولامولود هو جاز عن والده شيئا}(لقمان : 32).

ثالثا : شكر الفؤاد، الذي يكون بالقناعة والرضا بما نالك من قسمة الله في الصحة والمال والعلم والولد وغير ذلك من النعم الأخرى، ويكون كذلك بالخشوع والطمأنينة عند الصلاة، وعند قراءة القرآن والذكر والتسبيح أو سماعك لذلك، ويكون بإفراغه من كل صفة مذمومة ممقوتة، كالكره والبغض والحسد والنميمة وغيرها من الصفات القبيحة التي تعافها نفوس المؤمنين وتأباها أفئدتهم، ومن لم يشكر الله على نعمه ومنها نعمة (السمع والبصر والفؤاد) خاف على اعتلالها وزوالها منه.

قال تعالى : {قل أرايتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله ياتيكم به}(الأنعام : 47).

إن شكر الله على نعمه، الواجب على كل واحد، يبقى أغلبية الناس في غفلة عنه ويا للأسف، فلا هم يدركون حقيقته، ولاهم يسألون عنه أهل العلم والذكر، تأمل أيها الانسان المسلم في نعم الله عليك، وقابلها بالشكر والطاعة والامتثال تفز برضا الله ورسوله، فنعمه عليك كثيرة قال تعالى : {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}(إبراهيم: 36).

تبارك الذي أحسن كل شيء خلقه، فلله الحمد والشكر والنعمة والفضل، على أن رزقنا وخلقنا في أحسن تقويم.

قال تعالى : {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}(التين : 4). وتبا وبعداً وسخطا لمن ألحد وأشرك معه، وجعل له صاحبة وولدا، سبحانه {بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم}(الأنعام : 102).

ذ. محمد الصباغ

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>