إن الصيام فريضة فرضها الله تعالى على عباده المومنين في شهر رمضان العظيم مصداقا لقول الله عز وجل : {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}(البقرة : 183). وللصيام باعتباره عبادة من العبادات والقربات إلى الله معان ومقاصد وغايات جليلة وعظيمة تعود بالنفع والخير على الإنسان المؤمن الصائم في الدنيا والآخرة. فالصيام وسيلة إلى شكر نعمة الله وطاعته وتقواه وقهر الطبع وكسر الشهوة.
ونستعرض فيمــا يلي هذه الـمقاصد العظيمة للصيــام :
من مقاصد الصوم شكر الله على نعمه العديدة
إن الصوم وسيلة إلى شكر النعمة، إذ هو كف النفس عن الأكل والشرب والجماع، وأنها من أجل النعم وأعلاها. والامتناع عنها زمانا معتبرا يعرف قدرها إذ النعم مجهولة فإذا فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقها بالشكر. وشكر النعم فرض شرعا وعقلا وإليه أشار الله عز وجل في قوله في آية الصيام. {ولعلكم تشكرون}(البقرة : 185). ولهذا فإن شكر الله تعالى على نعمه العديدة يُعتبر من أهم مقاصد وغايات الصيام في الشريعة الغراء.
الصيام وسيلة إلى تقوى الله ومخافته وطاعته
الصيام وسيلة إلى التقوى لأنه إذا انقادت نفس الإنسان للامتناع عن الحلال طمعا في مرضاة الله تعالى وخوفا من أليم عقابه، فكان الصوم سببا لاتقاء محارم الله، وأنه فرض وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية الصوم {لعلكم تتقون}(البقرة).
يقول العلامة المفسر محمد بن الطاهر بن عاشور في تفسيره : فقوله تعالى : {لعلكم تتقون} بيان لحكمة الصيام وما لأجله شُرع، والتقوى الشرعية اتقاء المعاصي. فجعل الصيام وسيلة لاتقائها لأنه يعدل القوى الطبيعية التي هي داعية تلك المعاصي ليرتقي المسلم به من حضيض الانغماس في المادة إلى أوج العالم الروح. فهووسيلة للارتياض بالصفات الملكية والانتفاض من غبار الكدرات الحيوانية(1).
وهكذا فإن طاعة الله وتقواه ومخافته في السر والعلن هي من أعظم مقاصد الصيام في الشرع الحنيف.
من مقاصد الصيام قهر الطبع وكسر الشهوة
ومن مقاصد الشرع من الصيام قهر الطبع وكسر الشهوة لأن النفس الأمارة بالسوء كما ورد في القرآن الكريم إذا شبعت تمنت الشهوات وإذا جاعت امتنعت عما تهوى. فبالصيام يقهر الإنسان الشيطان لأن وسيلته هي الشهوات من الأكل والشرب. ولذلك قال رسول الله[ : “إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا عليه مجاريه بالجوع”. وقال لعائشة رضي الله عنها : >داومي قرع باب الجنة. قالت : بماذا؟ قال : بالجوع<(2).
إذن فالصيام هو أنجع وسيلة لتهذيب الشهوة وترويضها. ولذلك جعله الرسول وقاية ناجعة للشباب من الوقوع في مهاوي الانحراف والرذيلة والفاحشة حيث قال : >يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء<(رواه البخاري ومسلم في الصحيحين).
وهكذا نستنتج على أن للصيام الذي هو فريضة الله على عباده المؤمنين مقاصد وغايات ومعان نبيلة وعظيمة في شريعتنا الإسلامية الغراء التي تتجلى في شكر نعم الله وطاعته وتقواه وقهر الطبع وكسر الشهوة.. وهذه المعان الجليلة تعود على الإنسان المؤمن الصائم بالخير والنفع والثواب والأجر في كلتا الدارين : الدنيا والآخرة.
عمر الرماش
……………..
1- تفسير محمد الطاهر بن عاشور : التحرير والتنوير 2/158
2- إحياء علوم الدين ـ أبي حامد محمد الغزالي ـ ج 1 ص : 206.