يدعونا الله إلى أمرين : إلى السمع والطاعة.
1- معنى السمع والطاعة :
في العادة يعبر عنه بسمعنا وأطعنا، وسمعنا وأطعنا هي عبارة استجابة فقط. إذ أي إنسان يقول لك لا تفعل كذا، فتقول له سمعنا وأطعنا. أي لا اعتراض لي عليك، ليس هذا هو المراد هنا بالضبط على حسب الفهم البسيط للسمع والطاعة.
إن السمع هنا فرض، والطاعة فرض آخر، السمعُ هو استحضارُ الذهن واستحضار العقل، مصحوب ذلك كله بقصد هو الوصول إلى أحسن كيفيات تطبيق الشرع. فهو سمع توظيفي لإنشاء عمل قلبي أو فكري أو جارحي.
الله تعالى يأمرنا بأن نستمع، لكن هذا الاستماع الذي نحن مأمورون به، ليس سمعا ترفيهيا، كاستماع الانسان إلى مسرحية أو شيء ما، لا، إنه سمع خاص، سمع فيه استعداد للاستيعاب بقصد التنفيذ، يسمع الانسان وهو مستحضر وهو مهتِم وهو متشمر، وقصده ألا يفوته شيء من تلك التعليمات التي تصدر إليه من أجل أن ينفذها، هذا هو معنى السمع والطاعة.
إذن فالأساس هو هذا السمع، الله سبحانه وتعالى يدعونا إلى أن نسمَعَ القرآن، فماذا نفعل، نأتي في جزء من الليل وقد أُتعبنا وأُرهقنا فنُسيخ إليه قليلا ونُرخي الأذن قليلا ونسمع وتغيب أفكارنا في أشياء، وتطيش عقولنا في أشياء، نتجول في عوالم متعددة، ثم نقول الحمد لله قد سمعنا جزءا من القرآن، ليس هذا هو السمع، إن السمع الحق هو السمع الذي قلت : إنه مصحوب بنية التنفيذ لأوامر الله والاستسلام له المصحوب بالتبرُّك.
لاحظوا هذه الكلمة التي تقال لنا في وسائل الاعلام في التلفاز أو الإذاعة، أيها المستمعون أو أيها المشاهدون، نتبرك وإياكم بآيات بينات من الذكر الحكيم، فقط، نتبرَّكُ فقط، مثل ذلك الذي يذهب إلى ضريح ويتمسح ببعض الأشياء متبركا بدفين الضريح الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا
ما معنى أن نتبرك بآيات من الذكر الحكيم؟؟ أي هدفنا استنزال البركة فقط.
يجب أن يكون المقصود أن نسمعَها، فنستوعبَها، أن نعطيها آذانا صاغية واعية {وتعيها أذن واعية} لاقطة، وقصدها أن تفهم عن الله لتستجيب لأمره.
القراءة ليس للتبرك، التبرك ماهو؟ التبرك من لوازم أو من نتائج العمل، لا يمكنك أن تتبرك بالقرآن إلا بعد تنفيذه، البركة لا تأتي قبل، البركة في النتيجة، أنت تعلم في كتاب الله أن الله أنزل من السماء ماءا مباركا.
نعم الماء بركة، لكنه إذا سُخر، إذا سقيت به الأرض… لكن إذ لم يُنتفع به كأن بُني عليه سد وصرنا نتفرج فيه صباح مساء، ونستمع إلى خريره، هل هذه بركته؟ بركته هي استعمالُه فيما هو مسخَّر لأجله وهكذا.
2- القراءة الجديدة للقرآن :
إذن فالقرآن يدعونا إلى الاستماع الواعي، عبر القراءة الجديدة للقرآن الكريم، لابد أن نتحدث عن قراءة جديدة للقرآن الكريم. ليس فيها أي قصد أبدا سوى قصد الفهم الصحيح من أجل التطبيق، وكل أنواع القراءات الأخرى تبقى قراءات ثانوية، الذي يقرأ القرآن يُسارع فيه من أجل أن يُنهي الحزب، أو ينهي السَّلكة، أي الختمة، ليس همُّه في الفهم. هذه ليست قراءة، وليس من أجلها يُقرأ القرآن، ليست هذه قراءة السمع، هذه قراءة مسابقة. ليست هذه هي القراءة المطلوبة قراءة التبرك فقط. القراءة التي تُقدم هدايا للأموات، نحضر جنازة ميت فنقول للطلبة اقرؤوا عليه شيئا من القرآن لكي يرحمه الله.
هل الميت وحدَه بحاجة إلى القرآن؟؟ ونحن؟ ألسنا بحاجة إلى القرآن؟ أتراهم يقرؤون القرآن ويستمعون إليه بهذا القصد. خصيصا للميت؟ يجب أن ننتفع نحن، يجب أن يكون القصد هو هذا الأمر المهم وهو السمع الجاد الاستيعابي، الاستحضاري لمعاني القرآن. لماذا كان الصحابة يحفظون خمس آيات أو عشر آيات لا يتجاوزونها، لأن قصدهم كان هو قصد التطبيق، فكان الواحد منهم يحفظ خمس آيات فيعمل بها كما قال عبد الرحمان السلمي : حدثنا الذينكانوا يقرؤون القرآن أنهم كانوا يقرؤون خمس آيات أو عشر آيات لا يتجاوزونها حتى يعمَلوا بها.
الآيات التي تحرم الربا، يقرؤها الانسان ويعيدها، ويعيدها، وينظر أين تحصل الربا في تعاملاته؟ أين الربا عنده؟ هل عنده ربا الفضل أم ربا النسيئة ويقرأ الآيات التي تحرم الظلم، فينظر أين يحصل الظلم في معاملاته، وهكذا. وينظر في أمر نفسه فإن، وجد شيئا من ذلك يتقي الله ويذر ما بقي من الربا ويتوب ويرد الحقوق إلى أصحابها.
ثم ينتقل إلى الآيات الموالية، ثم التي تليها وينتقل إلى آيات الغيبة وآيات النميمة وأكل أموال الناس بالباطل والصلاة وما إلى ذلك فيحرص الإنسان أشد الحرص على أن يقرأ وينفذ، وهذه هي القراءة التي يأمرنا الله تعالى بها، وهذا هو الاستماع. أي أن الانسان لا يسمع فقط ثم ينصرف بذهنه إلى أشياء أخرى تشغله.
ثم يأتي بعد ذلك الطاعة، بعد أن تفهم الخطاب الإلهي، بعد أن تعيه، بعد أن تستفسر عنه، مباشرة تتجه إلى التطبيق. النتيجة العملية الآن بعد سماعك للقرآن هو أن تتجه لتطبيق ما علمته منه، فالأمة الإسلامية تنشأ بهذا الأسلوب : “اسمع وأطع” وعندما سارت تسمع بدون طاعة وقع لها اختلال في الميزان، وهبوط في الأخلاق والتحضر الذي يرفع من قيمة الانسان.