مجرد رأي : من عبير الذكرى


 

مرت بنا قبل أيام ذكرى من أعظم وأجل الذكريات في تاريخ الأمة؛ تلك هي ذكرى الإسراء والمعراج. وعظمتها تأتي من كونها تؤرخ لأول اتصال حسي مباشر بين السماء والأرض عن طريق رسول الله .

فالاتصال الأول كان عن طريق الرؤيا الصالحة، والاتصال الثاني كان عن طريق جبريل عليه الصلاة والسلام، في حين كان الاتصال الثالث في الإسراء والمعراج مباشرة، وخلاله فرضت الصلاة ورأى رسول الله   رأي العين مصائر المتقين المؤمنين ومصارع المكذبين الجاحدين.

وذكرى الاسراء والمعراج كغيرها من ذكريات هذه الأمة هي يوم من أيام الله، أُمرنا أن نقف عندها بما تستحق من إجلال وتعظيم : لنقرأها القراءة الصحيحة  السليمة ولنستنبط منها الدروس والعبر المتجددة في كل زمان ومكان، وأخيرا لنستشرق من خلالها مستقبل هذه الأمة.

والأمة وهي في أرذل فترات تاريخها المجيد أحوج ما تكون لتقف عند ذكرياتها لتقتبس منها الهدى والأمل في غد أفضل.

فالأمة وهي في مؤخرة الأمم تتقاذفها النزعات وتمزقها الحزازات والتصورات الخاطئة، حتى أضحى أبناؤها كالأيتام في مأدبة اللئام، مكبلين إلى الأذقان في سلسلة ذرعها السماوات والأرض من الفقر والجوع والتخلف واليأس القاتل.

إن الأمة والحالة هاته لفي أمس الحاجة إلى الوقوف عند ذكرياتها، لا للتباكي، وإنما لأخذ العبر والزاد والأمل في التمكين والعزة والثقة بوعد الله تعالى الذي لا يخلف الميعاد {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}.

جاءت حادثة الإسراء والمعراج للتفريج والتسلية عن رسول الله  وقد أصابه شيء من الهم والانكسار والحزن الشديد، وقد انقطع عنه  العون البشري بموت عمه أبي طالب وزوجته الحنون السيدة خديجة رضي الله عنها، هذا بالإضافة إلى إعراض أهل الطائف عن دعوته واعتداء سفهائهم وأطفالهم عليه . في خضم هذه الأحداث المحبطة المتتالية جاءت الإسراء والمعراج لتُعلي من همته  وتفرج من كرباته.

فما أحوجنا اليوم، ونحن فيما نحن فيه من كربات وضيق وإحباط وذل ومسغبة وانكسار، ما أحوجنا إلى استحضار روح ذكرى الاسراء والمعراج والتمتع بعبيرها الرباني النوراني حتى تسري في أجسادنا المتهالكة روح الأمل من جديد، فيعود للأمة جسدها الواحد الموحد “إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

وهذه الروح ماهي في الحقيقة إلا روح القرآن الذي من أجلها ابتُعث محمد بن عبد الله   رحمة للعالمين، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربه. ومن أجلها كانت الإسراء والمعراج وكانت باقي المواقف والذكريات العظيمة في تاريخ هذه الأمة.

بهذه الروح فقط يمكن لهذه الأمة أن تنبعث من جديد لنشر الرحمة والخير في الكون كله. وبهذه الروح فقط يمكن لهذه الأمة أن يُسرى بها تماما كما أسري برسول الله  إلى المسجد الأقصى وأرض فلسطين {التي باركنا حولها} لتخليصها من الصهاينة المعتدين، وأن يُسرى بها أيضا إلى كل أرض إسلامية مغتصبة لرفع الظلم والطغيان عن أهلها الموحدين.

بهذه الروح أيضا تصبح الأمة أهلا لكي يُعرَجَ بها في درب السالكين إلى الله على هدى وبصيرة، فتكون حقا وصدقا رحمة للعالمين.

وما ذلك على الله بعزيز، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>