في ظلال مدرسة النبوة – أحد ورثة الأنبياء وسلطان جائر


سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، بحار و أنهار تزخر، والطير و العصافير على أغصان الشجر الطيب الأخضر تشذو  : الله أكبر، صُبْح الإيمان و اليقين بالفل و الرياحين تعطر، وفي قلب المؤمن الصادق أضاء وأسفر،  وجهُه الوسيمُ أصبح كضوء القمر مشرقاً أنور، فقال :الله أكبر {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} ثم تدثر بلباس اليقين و الصبر في ليل العض والفزع والخوف والجبر، ليل الضلالة والبدعة والحداثة  مظلمٌ حطَّ رحله فتفشى و انتشر، فطغى عدو الله وتجبَّر، فقال: انج سعد فقد هلك سعيد ومشى يتمطى وتكبَّر…ومر الفتى وهو أشجع زمانه بين زهور ربيع أخضر، وربيع القرآن في قلبه مشرق أنور، فتزكى  وغمرت حياته ظلال القرآن الوارفة، والله قرَّبه و اجتباه، وذكر اسم ربه الأعلى  فصلى وأتى ربَّه يمشي فجاءه هرولة، ثم سار كالبرق إلى البيت الحرام وهو يخشى، وعند المقام الإبراهيمي عاهد الله صادقا وقال : إن سئلت لأصدُقَنَّ و إن ابتليت لأصبرَنَّ و إن عُفيت   لأشكرَنَّ. فحفته الملائكة و غشيته الرحمة و نزلت عليه السكينة فباع لله النفس والنفيس، والله منه اشترى وذكره في الملأ الأقدس الأعلى،  وقد أفلح من كان زاده الصبر والتقوى.

وغير بعيد منه قال أحد المؤمنين لصاحبه : يا له من فتى كأنما صنع من الصفاء وحب الله والرسول وآل بيته الطيبين الأطهار عليهم السلام وصحابته الأخيار نفسه المطمئنة، و كأنما التقوى والعدل و الإحسان زاد ليله ونهاره قال له صاحبه : يا أخي اعلم أن العلماء العاملين ورثه الأنبياء و زينة أمة الحق والنور وبركتها، إذا رؤوا ذكر الله سبحانه و تعالي عز وجل،نسأل الله لنا وله الثبات إنه سميع الدعاء… وإني أخشى عليه الابتلاء، من طاغية العراق وجنده السفهاء.

قال له صاحبه : المؤمن يا أخي يبتلى على قدر إيمانه، وأنا أحب فيه صفاءه النفسي و أدبه الجم،وسمته الإسلامي الجميل، و ابتسامته الحلوة الحزينة التي لا تكاد تفارق  ثغره الوسيم، و الله يا صاحبي إني أرى فيه أسوة حسنة لمن كان يرجو لقاء الله والآخرة. إنه قبس من مشكاة النبوة. فهو بدون شك الأقدر على أن يتبوأ أعلى مراتب الجهاد. وهو الأجدر أن يقول كلمة الحق والنصيحة والدين أمام سلطان جائر يخرج الناس من الدين القويم.

قال له صاحبه : و أنا أقول: إنه يدخل في زمرة الذين قال فيهم الحق سبحانه {و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله مع المحسنين، رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه} ولقد قال أحد الصديقين الشهداء في مدرسة القرآن و النبوة: الرجال الأولياء الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون دوما  يعضون بالنواجد على المحجة اللاحبة البيضاء. إذا رؤوا ذكر اسم الله كثيرا فبهداهم اقتده، الله {يحبهم ويحبونه أذلة على المِؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يوِتيه من يشاء}.

هاهو قد سجد طويلا ثم ارتدى الفجر و مضى كغريب أو كعابر سبيل تجري للينابيع المتدفقة بماء زمزم طيوره إنهم يريدونه أن يهجر نور ربه فتغيب شمس الحق باكرا من قلبه و يحتويه ليل حالك شديد سواده، لكن هيهات هيهات أن يعطي أسد الله الدنية في دينه أ و أن يقول باطلا فقد عاهد الله على قول كلمة الحق والإيمان في السراء والضراء في اليسر و العسر حتى يظهر الله كلمة الحق أو يهلك دونها و حتى و إن تخطفته خيول وطيور الشر.

و ذات يوم وهو يشاهد سحابة سوداء تقترب منه فلم يخف و لم يفزع بل ربط الله على قلبه فظل ثابت الجنان بشوش الوجه، فجأة أحاط به جنود الطاغية الغلاظ الشداد، أخذوه بعنف و جاءوا به إلى أميرهم الحجاج. فأنزل الله السكينة على قلبه ليزداد إيمانا مع إيمانه، حينها اشتاق  إلى ربه وازداد حبا في لقاءه.قال محدثا نفسه الطيبة : الله أعطى و الله اشترى عجبت لمن لا يبيع الله ما أعطاه لينال الجنة و القربى ويفوز بالنظر إلي وجه ربه الأعلى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل.ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم. التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله، وبشر المؤمنين} وطابت نفسه أن يبيع لله ما أعطى فلما دخل عليه جاءته البشرى قال: أنت حطيط. قال : نعم سل ما بدا لك  فإني عاهدت الله عند المقام على ثلاث خصال : إن سئلت لأصدقن وإن ابتليت لأصبرن وإن عفيت لأشكرن فبهت الذي طغى وتجبر و بدا صغيرا أمام أحد الأسُود المفردين والأولياء الذاكرين الله كثيرا  قال : فما تقول في؟ قال بلسان فصيح مبين في صدق ويقين : أقول إنَّك من أعداء الله في الأرض تنتهك المحارم وتقتل بالظنة.

وفيما الأمير امتقع لونه و أصابه الخوف و الفزع وبدأ تر تعش أصابعه رفرفت بلابل السعادة على محيا حطيط الذي ربط الله على قلبه.

قال : فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان؟وبشجاعة وجرأة وعزم لا يلين وبلسان فصيح مبين قال: أقول: إنه أعظمُ جرماً منك وإنما أنتَ خطيئةُ من خطاياه،.

قول بليغ وحكمة بالغة ونصيحة جامعة مانعة وما تغني النذر و الآيات لأمراء فسقة  من صَدَّقَهم  فليس بوارد الحوض على النبي  وليس منه.

وظل يتمادى في ظُلْمه وازدادَ جنونُه فقال ويئس ما قال : ضعُوا عليه العذاب ومازالوا يعذبونه، وبعذابهم ارتفعَ وأدْناه ربه وارتقى فأصبح إماماً ودليلاً وأميرا وعدوُه ذليلا حقيرا.

ومازالوا يعذ بونه و ما سمعوه رضي الله عنه يقول شيئا.فقيل للحجاج إنه في  آخر رمق. فقال: أخرجوه فارْمُوه في السوق ومن حينها تحول كأس  العسل في يد الحجاج إلى إناء الحنظل  يلعق منه يوما بعد يوم  و يُعبُّ منه المرارة عبَّأ على  مرِّ الزمن زمن العض و الجبر والقهر.  قال الراوي واسمه جعفر: فأتيت أنا و صاحب له فقلنا له: ألك حاجة؟ قال: شربة ماء وارتسمت على محياه ابتسامة رضا أخذ لسانه ينطق بالشهادتين…فيما كان  قلبه يطفح بالحبور و السرور. و لكن أكثر الناس لا يعلمون. فأتوه بشربة ماء ثم مات وخرجت روحه الزكية راضية مرضية تتسابق لحملها ملائكة لا تعد ولا تحصى ونبت حوله الورد والرياحين وفوق قبره غردت البلابل وأنزل في جوار ربه منزلا كريما مع الأوائل رضي الله عنهم.

أبوبكر الحنفي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>