حلال تقرير مصير “الشعب الصحراوي” حرام تقرير مصير الشعب الجزائري


الاستياء المطلق هو ما يمكن أن يستشعره المتتبع للحملة الفلكلورية المغربية المرافقة للاجتماعات الأممية حول ملف الصحراء ، المعتمدة للصخب أكثر من ” المعقول ” !،  وموازاة معها الحملة الرسمية الجزائرية الهجومية المنسقة الأجنحة في اعتمادها خطابا حقوقيا وإنسانيا للتحسيس بمعاناة ما يسمى بالشعب الصحراوي ، وهي حملة لايمكن أن تخطئ هدفها في تحريك قلوب أعضاء المجتمع المدني الدولي بالعزف على وتر حقوق الإنسان المهضومة وتصوير المغرب بمثابة إسرائيل ثانية في قلب الشمال الإفريقي  الخ . ومن شأن اقتناع هؤلاء الأعضاء ، دفعهم إلى تشكيل لوبيات ضاغطة على حكوماتهم لمساندة الأطروحة الانفصالية ومعاداة الحق المغربي في وحدة أراضيه ومطلق سيادته عليها . ومن جهة أخرى فإن الديبلوماسية الجزائرية ، لم تركب قارب المجتمع المدني الغربي  فحسب ، بل استلت من جيبها كالساحر ورقة جديدة وهي ورقة رفاقها الثوريين الاشتراكيين القدامى بأمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا ، وكل هذه المؤشرات تدل على أن الآلة الديبلوماسية الجزائرية تعرف جيدا مواطئ أقدامها وتعرف كيف تلعب على الحبال الإمبريالية كما تلعب الحبال الثورية . وهي في توجهها نحو المعسكر الاشتراكي تضرب عصافير بحجر واحد ، فمن جهة تعتمد لغة ” العيش والملح ” الثوري في طرح قضية ما يسمى بالشعب الصحراوي لجمع كلمة أصدقاء تشي غيفارا من حولها !! ومن ناحية أخرى تضع الشراك للدول العظمى المعنية بملف الصحراء كفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة لإشعارها بأن الجزائر كمنطقة نفوذ وكثَروات وكقوة شرسة في وجه المد الإسلامي قد تغير وجهتها نحو المعسكر الشرقي إذا ما ساندت هذه الدول العظمى الموقف المغربي!

فماذا عن هذا الأخير؟

إنه الترهل والكلاسيكية المكرورة في التعاملمع ملف خطير يوشك أن يكون بوابة لاستعمار جديد للمنطقة أسوة بما يقع في الشرق الإسلامي . فما فتئت الأطروحة المغربية تحرك ورقة الإجماع المغربي حول قضية الصحراء ، ويكتفي الإعلام المغربي بترديد هذه القناعة المقدسة التي يجتمع حولها الشعب المغربي عكس الأطروحة الجزائرية التي لا يحمل همها إلا جنرالات الجزائر ، فهل تكفي حقيقة الإجماع المغربي ومشروعية الحق التاريخي للمغرب في صحرائه لمواجهة مخطط بلقنة الشمال الإفريقي ؟؟ ..

إن الحقوق مهما كانت درجة مصداقيتها لم تعد تعني شيئا في ميزان العلاقات الدولية التي باتت تحكمها المصالح الدنيئة للدول ، وبالتالي فإن الخطاب الحقوقي الجاف يجب أن يرافق بحملات سياسية وإعلامية ذكية التسديد يرافقها بشكل عاجل إعادة ترتيب البيت الداخلي في اتجاه تخليق صادق -لا سينمائي المعالم- للحياة العامة ، والضرب بيد من حديد -لا عجين – لسارقي المال العام ، وبلهجة أخرى يجب مصالحة الشعب بالإنصات أكثر إلى تظلماته والسعي إلى تطويق مكامن النـزيف في جسده الجريح بل المثخن ، وعلى رأسها معضلة قوارب الموت التي أصبحت السبة الكبرى في وجهنا ، وكذا البطالة والرشوة .وإن كل هروب إلى الوراء بلعب ورقة ” كلشي زين” ، وليس من الممكن أبدع مما كان، وأن الصحراء مغربية من طنجة إلى لكويرة ، لن يوقف الموجة الطوفانية التي تتجه صوب المغرب  لاقدرالله سبحانه .

إن من يطلع على وثيقة مشروع المبعوث الأمريكي إلى الصحراء المغربية “جيمس بيكر” حول الحكم الذاتي لما يسمى بالشعب الصحراوي،  سيفهم إلى أي حد نستشرف آفاقا سوداوية ، تؤذن بحرب حدودية محتملة بين الشقيقتين المغرب والجزائر ،  يدفع في اتجاهها جنرالات الجزائر والبيت الأبيض من وراء قفا بيكر ..فمشروع بيكر شرعنة أممية لسرقة أرض مغربية ، ووضع لغم متفجر في الملابس الداخلية للمغاربة،  ولا عجب فقد وعد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين قبل بيكر وكما تقول مصادر صحفية ، بوضع حجر في الحذاء المغربي يُوجِعُه إلى الأبد !!! فمن خلال قراءة عاجلة لهذه الوثيقة يظهر الحل الأممي مساندا للأطروحة الانفصالية بشكل لا غبار عليه، إذ يمنح الصحراويين جل مميزات الاستقلال والسيادة، ثم يطرح حل الاستفتاء لتقرير المصير الصحراوي بعد مرور خمس سنوات، وهو الاستفتاء الذي يرفضه المغرب جملة وتفصيلا . ويكفينا للتدليل على خطورة المشروع الاستعماري للصحراء الذي تطرحه خطة بيكر ما ورد في بنوده من أن عائدات الضرائب واستغلال الثروات الباطنية لأرض الصحراء لاحق للسلطة المغربية في التحكم فيها أو الانتفاع من مدا خيلها !! ..ألسنا إذن أمام مشروع أوسلو جديد؟؟  ألسنا أمام  دارفور وعراق وأفغانستان جديدة ؟؟!! ..ثم علينا ألا ننسى أن  الحق في تقرير المصير للشعب الصحراوي ، والعنفوان الثوري للإخوة الجنرالات بالجزائر في الدفاع عن هذا المبدأ لم يشفع للشعب الجزائري ليجرب نكهة الحكم على الطريقة الإسلامية من منطلق حقه في اختيار النظام الذي سيحكمه  ، والممْتَثِلُ لشرع الله سبحانه لا شرع العملة الصعبة وشرعة من تسوقهم الدبابات لذبح أبنائه تحت قناع اللحي والعباءات المزورة ..

وختاما، متى يصبح الشأن الصحراوي شأنا مغربيا عموميا، لا عواطف ونوايا، بل حملة لقاءات سياسية وثقافية وفنية ودينية دون تحرج من مزج السياسي بالديني، لأن الأصل هو أن الإسلام دين ودولة ، وذلك  في أفق تحسيس الرأي العام بأبعاد لغم يراد له أن ينفجر في الشمال الإفريقي كما تفجر في الشرق الإسلامي من خلال خطة إصلاح الشرق الأوسط الكبير ، وكل هذه المكائد  لقطع الطريق على تطلعات بلدان المغرب العربي المسلم إلى التنمية والوحدة الإسلامية والاستفادة من خيراتها ، بإخراج النعرات الطائفية والقومية من القمقم ووضعها كما قال بومدين في الحذاء العربي الإسلامي . لقد جُمعت فلول الوثنية لحرب رسول الله  وصحبه البررة فقالوا {حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء، واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم }(سورة آل عمران).

فمتى نتبع سنة رسول الله  وأصحابه في تهيئ الزاد الروحي والمادي لجلب أسباب النصرة ؟؟ ومتى تُتاح الفرصة لمسلمي المغرب والجزائر كي يرتفعوا فوق مستويات التراب ليطلقوا سراح الوحدة المغاربية من أسْرِ الحسابات الشخصية الضيقة.

ذة.فوزية حجبي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>