لقد يئس بنو إسرائيل واستولى عليهم الجبن وتصوروا أن أعداءهم جبابرة إلا رجلين من الذين يخافون الله أنعم الله عليهما وثقا بنصر الله فقالا لهم :
{ ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } بل ذهب بهم الجبن والغيظ والتحدي أن {“قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}(المائدة : 24- 26) ولما شاع في المسلمين أن الرسول قتل في غزوة أحد كاد اليأس يستولي على بعض الصحابة، إلا أن البعض الآخر صاح في القوم: قوموا نمت على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}( آل عمران:3/144).
وعندما هم الفرنسيس بالهجوم على فاس، والإسبان على تطوان، هاجر علماء وأفاضل إلى المدينة المنورة إيمانا أن القيامة أوشك يومها…
وقد أشاع بعض المخرفين أن”الأبدال” اجتمعوا في مكان في شفشاون اسمه “توراغين”واتفقوا على دخول النصارى إلى المدينة…وبما أننا لا نعرف التاريخ فإن أي مصيبة حلت إلا واعتقدنا أن هذه نهاية تاريخنا…ولو استقصينا قواصم تاريخنا وكوارث أمتنا لألفينا أن الأضخم والأدهى والأمر والأقسى قد مر والحمد لله، أما ما يصيبنا الآن فهي شظايا فقط وسيعقبها فتح من الله عظيم، بل فتوحات بفضل الله وقوته، لكن أناسا منا إذا ما نزلت بساحتنا بعض الاختبارات وحل بإخواننا بعض المصائب، أصيبوا بذهول وربما استولى على بعضهم اليأس، فيزوي منهم أفراد يحسبون أنهم محصنون مما أصاب إخوانهم منتظرين الفرج على أيدي الآخرين ليعودوا إلى الساحة، ومنهم من يستفتي ما العمل وقد أحيط بنا من كل جانب؟
إن هناك عدة أجوبة نذكر منها واحدا فقط :
إن مجالات العمل لصالح الإسلام والمسلمين واسعة وكثيرة وقانونية:
فمن عنده علم فليتصدق ببعض وقته لتعليم الجاهل وطلاب العلم والعلوم الإسلامية غايات ووسائل ليستمر توارث العلم.
ومن عنده صنعة ولا سيما الصنائع الحديثة والمهن الرائجة، فليتصدق بتعليم فقراء الإسلام مما علمه الله حتى لا تتيه طفولتنا وتبقى عاطلة تتقاذفها أيادي الشياطين وشوارع الخراب..
ومن عنده المال، فالمجال واسع لبناء مدارس المهن المتوسطة والمطلوبة، والرفع من مستوى التدريس على التكنولوجيا المتوسطة،واستجلاب أساتذة من الخارج في هذا الأمر بالتعاون مع الأجهزة الحكومية والسلطات المحلية…
وكذلك الإنفاق على مشاريع الخير في الإعلام الإسلامي، وفي تدعيم المستشفيات المحلية، وتدعيم بعض المعاهد والكليات التقنية بالمختبرات والأجهزة والمواد المطلوبة، مع الرقابة والمتابعة والتأكد من إنفاقها على الوجه المطلوب.
ومن يحسن الوضوء والصلاة أو الحج فليتقدم لتعليم الناس شؤون دينهم بطرق عملية بسيطة كما كان يفعل أجدادنا في المساجد الكبرى.
ومن فيه استعداد فليؤسس جمعيات مدنية تهتم بإصلاح ذات البين بين الرجل وزوجه، والأبوين وأبنائهما.
وبين الأقارب وجمعيات تسهيل الزواج، وتزويج الأرامل ومساعدات المحتاجين للزواج…
ورحم الله العم كنون الذي شاهدناه – وقد تخلى كثير منا عن الصلاة- يدعو الناس إلى الصلاة في المقاهي وفي الشوارع وفي الحافلات الداخلية والخارجية وفي القطار… ورحم الله بعض الصالحين الذين كانوا يجوبون الأسواق والأزقة أيام الاستعمار وهم يرفعون صوتهم الجميل بكلمة التوحيد:لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على على كل شيء قدير، فكم كانت تترك هذه الكلمات من أثر في القلوب وتنبه من عقول وتقوي من إيمان …
بدل أن تنزوي، ابذل شيئا لصالح المسلمين فإنك تستطيع . المهم : أن تدخلوا عليهم الباب فإنكم غالبون بإذن الله … ولا تقولوا: إن هاهنا قاعدون، فإن قعودكم خذلان للمسلمين وعون للأعداء عليهم…
إن عدو الإسلام قوي بضعفكم وتخاذلكم وانسحابكم من الساحة : {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}(الأنفال :72) وإياكم أن ترضوا أن تكونوا مع المخلفين الذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله .