القرآن وشهر الغفران


يقولون إن الحديث إذا أعيد وتكرر أصبح مملولا تكرهه الأسماع وتسأمه النفوس. والشاعر يشير إلى مثل هذا حين يقول :

أمور بدأناها وسوف نعيدها

 دواليك واللحن المكرر يُسْأَم

ولكن هذا السأم يأتي فيما لا يحب الانسان أو فيما لا يريد، وأما إذا أحب الانسان موضوع الحديث فإنه يتمنى إعادته وتكراره إلى ما شاء الله، وأظن أنه لا يوجد أحب إلى المسلم، وأعز عليه في دنياه من قرآن ربه، ودستور دينه، فالحديث إذن لن يمل ولن يهون مهما تكرر وأعيد، بل سيكون كالرحيق المصفى الذي يشرب منه المرء نهلا وعللا، فيزداد حبا وطلبا : وما أحلى مذاق الشهد وهو مكرر.

أجل، والله، إنه لجميل وواجب أن نتحدث ونتحدث… حتى ولو قال عنا الجهلاء : إن هؤلاء بالقرآن مجانين، فإن القرآن نور المفكر، وبشرى  المتفائل، وهداية الحائر.. القرآن الذي يقول فيه الرسول : {إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته ما استطعتم} ويقول الرسول  في الحديث القدسي : “من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه”.

ويقول عبد الله بن مسعود : “إذا أردتم العلم فانثروا القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين”

ويقول الفضيل بن عياض : “حامل القرآن حامل راية الاسلام”

لقد كان القرآن الكريم في المجتمع الإسلامي عماد الحياة، وأساس التعليم، ورفيق الفرد، وشغل الجماعة.

وكان أولياء أمور المسلمين يجعلون طليعة واجباتهم العناية بالقرآن وتحفيظه ونشره بين المجتمع عاملين بقول رسولهم الكريم “خيركم من تعلم القرآن وعلمه” وقال : “إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب”.

فالقرآن هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم الشامل لكل أمور الدنيا والآخرة {ما فرطنا في الكتاب من شيء} فأمر الله المسلمين بالتمسك به، والاجتماع حوله، ولذلك يضمن الأساس المتين للوحدة الاسلامية يؤكد ذلك قوله تعالى : {واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا}.

والقرآن هو المحور الذي يجب أن تدور عليه حياتنا، والأساس الذي يلزم أن ينهض عليه بناؤها، والمصدر الذي ينبغي أن ينبعث منه إشعاعنا، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} فإن من أسباب حفظه ووسائل بقائه أن ننشره في المصاحف، وأن نحفظه في القلوب، وأن نردده في المجامع والخلوات، وأن نفسره للملأ وللأفراد، وأن نواظب على دراسته وتفهمه، وأن نتجمل بآدابه وتعاليمه، وأن نخضع لأوامره وأحكامه، ولا  سيما في هذا الشهر الفضيل. شهر رمضان.

والواقع المؤسف أننا قد هجرنا مائدة القرآن في أغلب أوقاتنا وأغلب حالاتنا منذ أمد بعيد حتى صدق علينا قول ربنا : {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}.

ويل لأمة تجعل من كتابها الأقدس نسيا منسيا في التعليم أو ذيلا من الذيول بين المواد والعلوم {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى….}.

فلنعد إلى كتاب ربنا وأساس ديننا وعماد حياتنا. ولنتذكر أن هذا الكتاب الالهي المجيد الخالد مل تزده الأيام إلا تأييدا وتصديقا، ولا عجب فهو كتاب من خلق الخلق وهو القائل :

{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أ نه الحق، أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد}.

ذ. عمر فارس

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>