الإسلام والغرب وتداعيات أحداث سبتمبر


ظلت العلاقة بين الإسلام والغرب خلال قرون محل جدل عميق وتوجس متبادل، إلا أن هذا الجدل وذلك التوجس قد تزايدا بصورة كبيرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ فقد تزايد الاهتمام في الغرب بدراسة الإسلام والتعرف على تفاصيل علاقته بالغرب وطريقة التعامل مع مفرداته وتجلياته المختلفة، بحسب المدارس الفكرية والعلمية الإسلامية ومدى تأثير ذلك على مستقبل العلاقة تكيفًا أو مواجهة.

ووفقا ليحيى أبو زكريا في مقال نشرته شبكة “إسلام أون لاين.نت” بعنوان الغرب والإسلام.. ملفات ساخنة هناك 5 مدارس تضطلع بعملية تشريح الإسلام لتحقيق أهداف قريبة المدى ومتوسطة المدى وبعيدة المدى، وهذه المدارس هي :

> المدرسة الأولى :  وهي المدرسة الأمنية الملتصقة بدوائر الأمن القومي، وتقوم هذه بتشريح كامل ودقيق وتفصيلي للحركات الإسلامية، وغرض هذه الأجهزة الحفاظ على الأمن القومي، ومنع تكرار ما يحدث في العالم العربي والإسلامي على أراضي الغرب، والحيلولة دون تحويل الغرب إلى قواعد للراغبين في الإطاحة بنظمهم.

> والمدرسة الثانية: هي المدرسة المرتبطة بوزارات الهجرة، وتهتم بتشريح ثقافة المسلمين وعاداتهم وتقاليدهم، والغرض منها ليس أمنيًّا على الإطلاق، بل فهم المسلمين عن قرب في محاولة لإدماجهم في المجتمعات الجديدة المستقبلة بهم.

> والمدرسة الثالثة : هي الأكاديمية وتضم هذه المدرسة ثلاثة اتجاهات: اتجاه منصف للحضارة الإسلامية، ومتفهم للخلل الحاصل في حياة المسلمين والفرق الشاسع بين سلوكيات المسلمين وتعاليم الإسلام. واتجاه حاقد يهمه الانتصار لمنطلقاته الأيديولوجية. ويحاول اتجاه ثالث تفسير الأمور تفسيرًا أبستمولوجيًّا وعلميًّا.

> والمدرسة الرابعة وتعمل لحساب وزارات خارجية ودوائر قرار ودوائر حساسة وحسب الطلب، وتوظف هذه المراكز خليطا من الباحثين من مختلف الجنسيات والبلدان، ويمكن القول بأن السرعة هي طابع الدراسات عن الإسلام السياسي التي تصدر عن هذه المراكز ذات البعد التجاري.

> والمدرسة الخامسة: وهي مراكز مملوكة لأصحاب النفوذ الديني من مسيحيين ويهود، والغرض منها إشعال نار الفتنة بين المسلمين والمسيحيين بالنسبة للفريق الأول، ورسم منهجية علمية للتنصير من خلال فهم المسلمين، وكيفية التسلل إلى عقلياتهم بالنسبة للفريق الثاني.

الإسلام في الضمير الأمريكي

مصطفى عاشور عرض في مقال له بعنوان الإسلام في “الضمير الأمريكاني” رؤية الكاتب والسياسي الأمريكي “وليام فولبرايت” في كتابه “غطرسة القوة” الصادر عام 1966، الذي أوضح فيه تجافي الحكمة عن كثير من المواقف الأمريكية، وتضاؤل دور الإدراك الصحيح في حكمها على الأشياء، فقال “فولبرايت”: “إن هناك علامات لغطرسة القوة لا تخطئها العين في مسلك الأمريكيين عندمايذهبون إلى البلاد الأخرى؛ فشعورهم بالانتماء لأكبر وأغنى دولة في العالم يجعلهم يتصرفون بشيء من التعالي كأنهم يملكون المكان، وكأن أهل البلاد أنفسهم غير موجودين”. حيث لا يزال هناك فكر سائد في الإدارة الأمريكية أن هناك أجناسًا من حقها السيطرة وأخرى ليس لها إلا الاضطهاد، وهو ما عبر عنه المفكر الأمريكي الرصين “نعومي تشومسكي”: “إن العالم سينقسم إلى سادة وماسحي أحذية”.

وتفاعل المقولات السابقة يجعل الأمريكيين يظنون أن لهم الحق في تطوير عقائد الآخرين ومذاهبهم وقناعاتهم؛ ليكونوا أكثر انسجامًا مع الرؤية والمصالح الأمريكية؛ لهذا كثر الحديث في الصحف الأمريكية عن ضرورة الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي!! والمقصود بالتجديد الأمريكي هو فرض نموذج معين من الإسلام على المسلمين؛ ألا وهو النموذج التركي، كما أن المسلمين (الطيبين) -من وجهة النظر الأمريكية- هم العازفون عن السياسة، والذين لا يتجاوز إسلامهم حدود أنفسهم أو جدران المسجد.

وربط عاشور بين هذه الرؤية القديمة نسبيا وتصريحات وزير الخارجية الأمريكية “كولن باول” في ندوة في ولاية كنتاكي في نوفمبر 2001، أشار فيها إلى أن “الولايات المتحدة بلورت رؤية للمجتمعات الإسلامية تقوم على أساس من قيم معينة تمس التكوين الثقافي والعقيدي والسياسي لتلك المجتمعات”. وهو ما يدل على أن أحداث سبتمبر ربما ساهمت في بلورة الغطرسة الأمريكية وتكريسها، ولكنها لم تكن السبب في وجودها.

ولهذا فإن عاشور خلص إلى أن الولايات المتحدة دخلت في مواجهة مفتوحة مع العالم الإسلامي؛ لأنها رأت في أغلب الأنظمة التي تحكم العالم الإسلامي، وتجمع بين الاستبداد السياسي والفساد أنها هي السبب فيما يموج به العالم الإسلامي من تعصب وفوضى وفقر؛ لذلك فإن هذه الأنظمة غير مؤهلة لنشر وتمكين النموذج الأمريكي أو حماية المصالح الأمريكية؛ وهو ما يحتم على واشنطن أن تزرع بنفسها الأفكار والرجال والثقافة في المنطقة الإسلامية في مواقع السلطة والثقافة.

المفكر الإسلامي الداعية راشد الغنوشي رغم جزمه بخطورة حدث سبتمبر خاصة على المسلمين والإسلام نفسه في الغرب فإنه يرى في مقال بعنوان انعكاسات 11 سبتمبر على الإسلام في الغرب أن الشر لا يأتي عادة صرفا؛ فكان ملائما التنقيب في ثنايا الشرور عن بعض المصالح التي يمكن أن تكون حصلت عرضيا، ومن ذلك:

أ- انكشاف مخاطر التطرف وما يمكن أن يجلبه إغراؤه بأنه الطريق الأقوم والأشجع إن لم يكن الوحيد للتمكين للإسلام والتصدي للطغيان الأمريكي.

ب- الضجة التي أثارتها هذه الأحداث منذ 11-9 فرضت على كثير من أهل الغرب ممن لم يكن لهم شأن بالإسلام فضلا عن بعده الجغرافي عنهم -لا سيما في أمريكا- أن يصبح جزءا مؤثرا وفاعلا في حياتهم وإن سلبا، فتحركت دوافع كثير منهم للاطلاع على هذا الإسلام بدافع الفضول على الأقل.

ولم يخفِ الغنوشي تفاؤله بإمكان التعايش بين أقرب حضارتين إلى بعضهما بالتاريخ والجغرافيا والمبادئ، لا سيما مع وجود عقلاء في الولايات المتحدة وفي الاتحاد الأوربي، سواء بنواتِهِ التأسيسية الألمانية الفرنسية أم بدول شماله؛ وهذا ما من شأنه أن يهمش التطرف والعنف والإرهاب من حيث أتى.

أوربا والإسلام

أما نصر الدين الدجبي فيطرح عددا من الملاحظات حول تبعات أحداث سبتمبر في مقال له بعنوان “حكاية أوربا مع الإسلام” حيث يرى أن:

- أوربا تعيش صراعًا بين أطيافها الفكرية المختلفة، ولم يقف هذا الصراع قط، بل يخفت ويبدو للسطح مع أي حلقة تواصل أو تقاطع بين الغرب والإسلام، وتسعى جهات عديدة لإثارة الذاكرة الأوربية بالتصادم الذي كان بين الحضارتين.

- الغرب تعوّد تصدير الخلافات الداخلية إلى الخارج، وصوت العنصريين الذي كان خافتا من قبل وجد من 11 سبتمبر الطُّعم الذي يفتح له المجال لعرض بضاعتهم والآذان المصغية، وبالتالي تحالف اليمين مع اليسار من أجل دحض العدو الخارجي.

- وسائل الإعلام الغربية هي التي قادت لواء هذه الحملة الشرسة ضد الإسلام والمسلمين. ولم يمنعها من اتهامها للمسلمين مانع، ولم يردعها رادع. وفي إحصائيات تكشف نتائج الحملة الإعلامية التي تشنها الصحف الأمريكية ضد المسلمين، أكد مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” روبرت مولر وقوع أكثر من 1715 شكوى، تشمل 12 حالة قتل، و56 تهديدًا بالقتل، و15 تهديدًا بتفجيرات، و315 حالة خطاب عدائي تعرض لها العرب والمسلمون في الولايات المتحدة، فضلا عن 224 شكوى وصلت المجلس، تشير إلى سوء تصرف رجال المباحث الفيدرالية في التعامل مع المسلمين العرب.

> من موقع : إسلام أون لاين

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>