في الواجهة : ذكرى الإسراء والمعراج من وجهة نظر العلم الحديث


تناول كثير من الباحثين هذه الذكرى العظيمة وأفاضوا في الحديث عنها وكان حديثهم ينصب على أنها معجزة إلهية سلم بها المؤمنون دون أدنى ريب أو كما رد الصديق رضي الله عنه بقوله : ( إن كنت أصدق أن الوحي يهبط عليه من السماء فلماذا أنكر أن يصعد هو إلى السماء.

وعليه فإن من كتب في هذه المعجزة كان يتبع منهجاً وصفياً لإظهار قوة إيمان المسلم وثباته في مجتمع أقرب إلى البداوة وهذا حق لا ينكره أحد ويسلم به كل من يعرف أن القُرآنُ الكَريم بني على جانبين واحد نظري وهو كلمة ( الإيمان ) وهو التسليم بكل ما هو من عند الله وبالماضي والحاضر والمستقبل والغيب والقضاء والقدر إلى آخره والآخر( العمل الصالح ) وهو الجانب العملي السلوكي ؛ ولهذا لا نقرأ كلمة (آمن) في القُرآنُ الكَريم إلا وتبعتها كلمة عمل صالحاً إن على الفعلية أو على الاسمية بيد أني لا أنوي الحديث عن هذه الذكرى الخالدة جرياً على تخليدها وتعظيمها فقد لا أضيف إلا القليل ، وإنما أريد رأي العلم الحديث فيها مع يقيني بأن معجزات الخالق أكبر من أي علم وأن أي علم مهما بدا اليوم عظيماً ومفسراً ربما يبدو غداً قاصراً وعاجزاً ولكني أبغي من ذلك وجه الله سبحانه وتعالى وخدمة ديننا الحنيف وأن لا أحرم من أجر المجتهد إيماناً بقوله : { إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}(فاطر: من : 28]، اعترافاً مني بضعف الإنسان وأنه لم يؤتَ من العلم إلا قليلاً.

لقد توصل العلم اليوم إلى ما يظنه الإنسان نهاية المطاف وهو ما اصطلح عليه بعلم الباراسيكولوجي وهو العلم الذي يتجاوز حدود الزمن ويحاول أن يصل إلى أبعد ما يريد دون المرور بالزمن ، وقد لاحظ العلماء أن الإنسان وهو المخلوق في أحسن تقويم يمتلك بعدين هما الماضي الذي عاشه وانتهى ولم يعد بمقدوره استحضار شيء منه والحاضر الذي يمثل اللحظة قبل انسحابه إلى الماضي بينما يغيب عنه المستقبل تماماً فلا يعرف عنه شيئاً إلا عن طريق الحدس والظن في حين يقال أن الأنبياء يمتلكون بعداً إضافياً يستطيعون من خلاله رؤية  الملائكة والتخاطب معهم ، وتختلف هذه الأبعاد عند المخلوقات غير البشرية من خلال المستويات العمودية والأفقية ؛ كما يعتقد عند الجن الذين يتمتعون بأبعاد خاصة تجعلهم غير مرئيين وغير قادرين على دخول الأبعاد الإنسانية إلا في تفسيرات خاصة فالإنسان لا يراهم في حين هم يرونه. ويرى بعض العلماء أنه ليس بمقدوره الدخول إلى عالم الإنس لاختلاف الأبعاد بينهما وإنما هناك تأثير من الجن على المجال المغناطيسي للإنسان أو في استخدام الإنسان للجن بحكم أن  الجن أضعف من الإنسان وهذه التفسيرات ليست ملموسة علمياً وليس بوسع أحد أن يضعها بين حدين واضحين ، وعليه فإن نظام الكرة الأرضية نظام زمني خالصمن خلال تعاقب الليل والنهار ، فكيف يمكن للإنسان أن يتجاوز حدود الزمن ، وهنا أذكر محاضرة لأحد الأساتذة الأمريكيين في جامعة هارفاد وهو يؤكد أن هذا العلم سيصبح حقيقة وأن عالم الجن يختلف بأبعاده عن  عالم الإنس وإذا بأحد المهتمين  بدراسة الأديان ومقارنتها وكان “قساً” يقول  له بشيء من الحزن والعجب : ” إن كان صحيحاً ما تقول فإن القُرآن الكَريم قد سبقكم إلى هذا منذ ثلاثة آلاف سنة وأن الرسول محمد   قد سبقكم إليه قبل ألف وخمس مئة سنة ” وكان هذا القس يعني ما أنا ذاكره بإذن الله ؛ ففي قصة النبي سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ بلقيس أنه أراد أن يأتي بعرشها من اليمن إلى فلسطين فعرض الأمر على من كان عنده فكان الجواب : {قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين} ويبدو للقارئ أن هذا نهاية المطاف للطالب وأن الزمن هو ساعات لأن النبي سليمان عليه السلام كان يجلس لقضاء حوائج الناس . لكن الواقع أن هناك علماً يسبق هذه القدرة ويتفوق عليها إذ {قال الذي عنده علم الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقراً عنده قال : هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم} فالزمن هنا صفر والقضية قضية علم في كتاب ، وحذار أن يذهب أحد إلى أنه سحر فالسحر لا يرقى إلى الحقيقة لأنه إنما يسحر العيون فقط ولأجل هذا أذكره بسحرة فرعون الذين أدركوا الحقيقة في عصا موسى وأن حبالهم خدعة ليس إلا وظيفتها سحر العين.

وفي القُرآنِ الكَريم يرد انعدام الزمن الأرضي أو اختلاف الزمن الإلهي عنه كقوله تعالى : {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}(المعارج:4] ، وقوله تعالى : { وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ }(الحج: من الآية47]، وفي قصة الإسراء والمعراج يبدو ذلك جلياً فالرسول  أسرى به إلى المسجد الأقصى وهذا يعد أول طيران في فضاء الكرة الأرضية ثم عرج به إلى السماء وهذه أول سفينة فضائية تخرج إلى الفضاء الخارجي أو خارج غلاف الكرة الأرضية وتفيدنا قصة الإسراء والمعراج أن جبريل عليه السلام قد هيأ الرسول صلى الله عليه وسلم كي يكون قادراً جسدياً على تحمل أعباء هذه الرحلة..

وهذا أمر مهم جداً لأنه يتعلق بعلم الطيران ولا يمكن لأي إنسان أن يفهم بعضاً من هذا العلم قبل اختراع الطائرة ولا سيما النفاثة منها ، ووجود نظريات الطيران العلمية الحديثة ، مما يذكرنا اليوم بأن الطيارين الحربيين يرتدون ملابس خاصة تسمى  ( بدلة الضغط ) ومهمتها حماية الطيار من الضغط الجوي لا سيما حين يمارس ألعاباً جوية أو يدخل في جهد جوي على ارتفاعات عالية يصبح فيه وضع الطائرة عكس اتجاه الجاذبية الأرضية ، أو ما يعرف بـ( ج سالب  ) فتقوم هذه ( البدلة) بحماية شرايينه وقلبه ومناطق أخرى في جسمه وكلما تقدمت تقنية الطائرة وأصبح بإمكانها الطيران على ارتفاعات عالية فإن بدلة الضغط تزداد تقنيتها وتقنية حجرة الطيار ، أما ملابس رواد الفضاء فهي عالم آخر قائم بذاته إنها أشبه بحُجرة معدة بدقة فائقة لحماية الإنسان من الضغط الجوي وانعدام الجاذبية الأرضية ولحظة اختراق الغلاف الجوي فضلاً عن العقاقير التي تعطى لهم وغير ذلك ويعرف الطيارون معنى دقة قوله تعالى : { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء } (الأنعام: من الآية125].

ألا يدعونا هذا إلى التفكير بمنطق سليم عن هذا العلم الذي أعطى أدق ما فيه في قصة الإسراء والمعراج وصوّر مركبة الرسول  بما يتلاءم وتفكير الناس في ذلك الوقت ومع ذلك فإنه لشيءٌ يدعو للإعجاب أن يصدق هذا البدوي على بساطة حياته قصة الإسراء والمعراج ولا يشكك بها وهو لم يسمع عن الطيران في حياته فهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على قوة الإيمان عند المسلمين في ذلك الوقت مثلما يشير إلى أنهم كانوا يلمسون يقيناً نبوة الرسول  فيعدون ذلك من المعجزات الإلهية فإيمانهم بالغيب مطلق .

وبقي شيء آخر يصمت عنه علماء الفضاء الغربيون وهذا ما يسيء إلى حيادية العلم ، وهو أن أية سفينة جوية تطلق إلى الفضاء الخارجي من أية نقطة كانت على وجه الكرة الأرضية شرقاً أو غرباً جنوباً أو شمالاً ليس مهماً المكان الذي تنطلق منه ، لكن المهم هو أنه لا يمكن لها أن تنفذ إلى الفضاء الخارجي إلا من نافذة واحدة تقع بشكل عمودي فوق  قبة الصخرة المشرفة فـ: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (الإسراء:1].

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>