أنشطة قرآنية : في كلمة د. مصطفى بن حمزة في الحفل الختامي للدورة الصيفية الرابعة لتحفيظ القرآن الكريم للإناث بوجدة : آن الأوان أن تحس الأمة بأن المرأة أكثر من نصف المجتمع  إرادة وقـوة عـزيمة وشكيمة


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن هذه الجلسة التي نجلسها الآن في هذا الظرف، عقب اختتام دورة تحفيظ القرآن الكريم لهي جلسة يقدرها قدرها من يستشعر ما توجد عليه أمتنا الإسلامية من وضع لا تحسد عليه، وما يواجه هذه الأمة من تحديات خطيرة ومن إصرار على فصل هذه الأمة عن مقوماتها وهويتها التي تميزها عن باقي الأمم، ويتطلب ذلك كله وعيا بالمرحلة وإعدادا مستقبليا وبناءا جادا.

نحن نعلم أن التحديات كثيرة وأن الخصوم كثر، وأن المشاريع متعددة، ولكننا في نفس الوقت نؤمن أن الله تعالى أراد لهذا الإسلام أن يستمر إلى أن تقوم الساعة، ولنا ثقة في أمتنا الإسلامية، وفي تجذر الإيمان في قلوب هذه الأمة، وفي صدق هذه الأمة، وفي عزيمة هذه الأمة، في إرادة هذه الأمة.

إن أمتنا التي أسهمت في بناء الحضارة الإنسانية، وإن هذا الشق مع العالم الإسلامي وهو المغرب، الذي أسهم بقوة في بناء الحضارة الإسلامية، وبسط الحضارة الإسلامية وأسهم في هذا الفعل، الرجال والنساء، إن هذا الانسان قادر على أن يحمل قضية الإسلام الآن موضوعا له ويتجند لها ويحشد كثيرا من الطاقات من أجل نجاح مشروع ربط الأمة بدينها.

إننا الآن نستشعر أننا نحتاج إلى عمل جاد، يتجاوز إعلام الشعارات ويتجاوز العمل المناسباتي الظرفي، ليكون عملا بانيا وأصيلا وجادا، وحينما نضع هذا هدفا لنا، فإننا لا بد أن نلتفت إلى العنصر الذي يمكنه أن يعطينا كثيرا لهذا المشروع. هذا العنصر هو عنصر المرأة المسلمة، التي نحتاج فقط إلى أن نقنعها بجدوى المشروع، نحتاج فقط إلى أن نقنعها بأهمية ما نفعل، نحتاج فقط إلى أن نعطيها مكانتها في صيرورة العمل، حينذاك المرأة تعطي من اجتهادها وجهدها الكثير الذي يجعل هذا الحلم واقعا وحقيقة، هذه المرأة المسلمة، كان من قدر الله أن تكون هي أول من تحمل الرسالة عن رسول الله . فقبل أن يعلن النبي  دعوته للرجال، كانت زوجته هي السند وكانت هي المؤازر وكانت هي التي تشد من عضده، وكانت تعلم أن أمامه معاناة كثيرة وأن أمامه مصاعب جمة، وكانت قد سمعت من ابن عمها ورقة بن نوفل أن زوجها سيخرجه قومه، فلم يفت ذلك في العضد، ولم تركن إلى الاستكانة والحياة الهادئة، بل شددت عليه في الاستمرار, وآزرته وقالت له : والله لا يخزيك الله أبدا.

فكانت امرأته هي أول من سمع الدعوة قبل أن يسمعها الرجال، وأول من استجاب للدعوة قبل أن يستجيب لها الرجال. ثم توالت أفواج النساء من الصحابيات الجليلات اللواتي قمن بواجبهن خير قيام من أجل حمل الإسلام وإيصاله إلىجميع الأسماع، ولذلك أستطيع أن أقول إن حركة الانتشار في جانب النساء ربما كانت أسرع منها في جانب الرجال.

وظلت المرأة عبر تاريخ الأمة تسند مسيرة الإسلام، كان القرآن ينتشر في بوادينا وفي قرانا بسبب مؤازرة المرأة، فكانت المرأة تهيئ الطعام إلى الذين يأتون إلى الكُتَّاب في القرية، ولم تكن تتبرم من ذلك، كانت المرأة تهيئ وتعد الطعام للفقيه الذي يقوم بالتدريس، هذا الأمر لم يكن الرجال هم المكلفين به، بل المرأة قامت بهذا، وقامت بأكثر من هذا في كل المراحل. وحينما غيبت المرأة غاب جهدها في خدمة الدين، حينما غيبت المرأة خسرت الأمة مشاركتها في بناء الدين وحينما همشت المرأة، همش دورها وطاقتها وكل ما كانت تؤديه لصالح القيم الكبرى التي تعيش عليها، وحينما هجم الغرب هجمت موجة التغريب على العالم الإسلامي، وجدت المرأة مهيأة لما كانت عليه مهمشة، مهيأة لما كانت عليه من وضع مزر فاستغل الناقمون على الاسلام وضع المرأة, وتهميش المرأة ليحرضوها عل دينها، ثم إنهم علموها جزءا مما علموها، لا ليبصروها بالدين كما هو، لا ليصححوا الأخطاء، لكن ليأخذوا المرأة ليجعلوها سندا لهم في مشروعهم التغريبي. وقد آن الأوان أن تحس الأمة الآن بأن المرأة فعلا هي شطر المجتمع ونصف المجتمع عددا، ولكنها أكثر من نصف المجتمع إرادة وقوة عزيمة وشكيمة.

فمن هنا كان يجب أن يكون تصحيح ينطلق من عمل المرأة، ونحن نرى الآن ولله الحمد أنه من خلال التوجه إلى المرأة في سنوات ماضية، أعطت المرأة عطاءا باهرا حيث تعدى عدد الحافظات للقرآن الكريم عددا قياسيا إذا ما قورن بعدد الرجال، نعم تخرج الرجال من مدارس القرآن، ولكن ليس بنفس الوتيرة التي تخرج بها النساء، كونت النساء على العلوم الشرعية وتستحضر النساء الكثير من حقائق الشريعة الإسلامية. ويتأسس هذا البناء تأسيسا سريعا. مما يفيد أننا أمام بشارة منتظرة وأمام شيء نرقبه وأمام شيء ننتظره, وهو وثبة هذه المرأة وانتشار جهدها واتساع جهدها. ونحمد الله تعالى على هذه النتائج التي تحققت في أمد قصير وفي مدة وجيزة. لهذا السبب نحن الآن من أجل تكريم الفتيات الصغيرات اللواتي قضين جزءا من هذه العطلة في الكتاتيب وفي المساجد، وحفظن القرآن وتعلقن به وتعلمن بعض أحكام الشريعة الإسلامية وبعض مبادئها. فهذا الجيل الناهض الصغير يستحق أن نشجعه وأن نقف معه وأن نشد على يده وأن ندفعه دفعا قويا لأننا ننتظر إن شاء الله في المستقبل الطبيبة المسلمة والمهندسة المسلمة والإدارية المسلمة والكاتبة المؤمنة, وكل مرافق الحياة ننتظر أن تكون فيها المرأة تدافع عن دينها في المجالس النيابية، على صفحات وأعمدة الصحف، في الكتابات، هذا هو مشروع المستقبل. لمثل هذا نهيئ الآن، لسنا نطمح إلى أن توجد لدينا فقيهات وواعظات فقط، بل نطمح أن تكون المرأة المؤمنة حاملة لثقافة إسلامية رصينة, ومتغلغلة في كل شعب المجتمع، وقادرة على أن تبين للناس على أن المرأة المغربية ليست هي دائما تلك المرأة النمطية التي يريد بعض الناس أن يرسمها للمرأة التي هي جزء منا، والتي هي أخت لنا وزوجة لنا، وابنة لنا. نريد أن نعطي الناس مثلا رائعا للمرأة المغربية المتمسكة بدينها الآخذة بأسباب التقدم، الآخذة بأسباب التحضر، الجامعة للثقافة المعاصرة، والمتشبثة في نفس الوقت بكل قيم دينها. هذا هو الذي ننتظره، وسيرا على هذا الطريق، سيرا على هذا الطريق، سيرا على هذا الطريق سنصل إن شاء الله.

نرجو ونسأل الله تعالى أن يبقى هذا العمل مستمرا ومتلاحقا وأن تلتف حوله إرادات كثيرة حتى نصل إن شاء الله جميعا إلى الغاية المنشودة.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>