توسمات جارحة : عقلية الانتصار للنفس


كثيرا ما ينتابني الخجل وأنا مسترخية أمام التلفزة ، بجواري أهلي آمنين مطمئنين ، نتفرج على مشاهد سفك دماء الأطفال والنساء والشباب والرجال ، نتفرج على مشاهد الدمار والخراب في فلسطين والعراق، وعدد من بلاد المسلمين . لا نفعل شيئا سوى مصمصة شفاهنا والتحسر عليهم ، ثم نمضي بإحساس متبلد لممارسة عملياتنا المفضلة التي برعنا فيها : البحث على نقط الاختلاف بيننا لنزيد في تعميقها ، أوكثرة الجدال في أمور لا هدف لها أصلا أو تؤدي إلى مزيد من الفرقة والشتات والتمزق ، لا لشيء سوى لتحقيق الانتصار لأنفسنا دون تبصر أو حق ، بعد أن عجزنا عن الانتصار في ميادين العلم والثقافة وتقديم القدوة الصالحة للشباب المتعطش للتعلق بمن يجيب على تساؤلاته ، ويبصّره سبل الحياة الكريمة ، ليندفع نحو التطرف يمينا أم يسارا…

وأسائل ذاتي : إذا كان الله تعالى قد خلق كل واحد منا  ، في هذه الأمة الممتدة في الزمان والمكان ، لغاية معينة من أجل استمرارية الحياة وبنائها بالتوحيد والحق والعدل، فهل خلقنا نحن للاستهلاك وترديد ما يقرره الآخرون عنا ، و هدم ما بقي بيننا من أسس التوحد والإيمان ؟؟..

إن الحقيقة المهولة التي تتسطّر في الأفق تُنبئ أن هناك طاقات هائلة كامنة في عمق الأمة، لكن للأسف لا نجيد استثمارها، وإنما نتركها تتفتت وتنمحي بسبب عوامل متعددة لا مجال لتعدادها. ويكفي أن نومئ هنا إلى ضرورة التوقف مليا مع أنفسنا التواقة للانتصار لها، على الأقل لتذكر كلمات عمر بن الخطاب المضيئة التي جعلها عناوين جلية للمؤمن حين خاطب عدي بن حاتم الطائي: “أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفّيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا” . فأين نحن من هذه العناوين المثبّتة لشخصية المسلم، والمُجلّية لهويته؟؟.. وأين نحن من الابتعاد عن طريق الاستسلام والتخاذل والسلبية والقعود، والخروج من أنفاق الانتصار للنفس بالباطل؟؟.. أين نحن من عهد الاحترام للذات؟؟..بل أين نحن من الإسلام الحق، والإقبال على الله، والوفاء معه تعالى ومع أمتنا ومع كل الناس، والمعرفة التي تفتح الآفاق؟؟..

إن الموازين انقلبت، ولم يعد للمسلم تأثير فيما يحدث أمامه، وأصبح كأنه قطعة من الشطرنج يحركها اللاعبون كيفما شاءوا. لم تعد له أو لحياته قيمة في عرف المستكبرين. وهو يزداد تهاونا واستكانة واستسلاما، يتطبع بطبع اللامبالي اللاهي، المنصرف عن الإخلاص والجد في العمل، كيفما كان هذا العمل، ومهما كان شأنه، ابتداء من عمله اليومي الشخصي إلى العمل المرتبط بقضايا الوطن والأمة. لم يعد لديه ذلك الإحساس العميق بالمسؤولية، وبالقدرة على التأثير والتغيير من موقعه الذي يوجد فيه، وذلك القدر من السعي الدؤوب في مغالبة الهوى والدفع بالتي هي أحسن، وتلك الرغبة في أن يكون قدوة ونموذجا، فيوسطه، بين عائلته وأصحابه، وأفراد مجتمعه، وإنما أصبح يملك أحاسيس متبلدة، تتفرج على كل ما يجري ، وأقصى انفعال يمكن أن تقوم به، تنهيدة أو دمعة تائهة، تترقرق لتختفي بين سراديب الانغماس في النفس والانتصار لها ولهواها. بل يمكن أن نوقن أن مباراة في كرة القدم تهزه، وتشحن مشاعره أكثر من مآسي الأمة.. وتظل الأحداث والمشاهد التي تذبح الأمة من الوريد إلى الوريد أشياء عادية، عابرة..

ألا يُستحسن لنا أن نستحيي من أنفسنا؟؟ أم أن الحياء ارتفع؟؟..

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>