تأملات إيمانية : ما غرّك بربك الكريم؟


ما أعجب هذا الإنسان!

كيف تنسيه آيات الله (النفس والدنيا والشيطان) عن الله سبحانه وتعالى.

في لحظات سجدة خاشعة جاءني أو زارني هذا الخاطر :

إذا اعتبرنا الكون وما فيه كتاباً مفتوحاً أو بالأحرى ” قرآناً مشهوداً منظوراً ” تتماوج فيه آيات الله وتنعكس فيه صور أسماء الله الحسنى التسعة والتسعون بفائق وخارق الجمال والجلال والكمال النسبي المقدر في عالم الشهادة خاصة ؛  واعتبرنا كل مخلوق وكل مصنوع وكل شئ فيه حرفاً من حروف ذلك الكتاب أو كلمة من كلمات ذلك القرآن أو آية من آيات ذلك القرطاس أو سورة من سور ذلك التنزيل المبدع المنشئ.. متقابلاً ومنسجماً ومتناسقاً بل ومتطابقاً مع الكتاب المنزل والقرآن المسطور،  أليس من العجب أن تكون آيات القرآن المشهود المنظور حواجز وموانع وحجباً وأستاراً للغفلة والنسيان بل الإعراض والكفران ؟!

بينما الآيات القرآنية المسطورة المنزّلة أسبابٌ للذكرى وحبال للتذكير وعروات للصلة والإقبال بل وخيوط للتعارف والتحابب والإيمان.

والكمال النسبّي للإنسان : هذا المخلوق الغريب أن يتطابق الكتابان وأن يتجاوب القرآنان وأن يتعانق الروحان السماويان، وهناك يصبح الإثنان تذكرة واحدة لله ولأسمائه وصفاته وشؤوناته.: فيصبح كل عمل ابن آدم على هذا الأساس وهذا اليقين وهذا الوعي الكبير عبادة وذكراً وقرباناً ومعراجاً..

وعندها يكون ذلك الإنسان : ذلك العبد المرموق يقدّره سكان السماوات والأرض ومخلوقات العالمين.

ومن ثم فلا يعقل أن لا يتمتّع به الإنسان ويتذكر ما فيه من إشارات ودلالات وآيات وشواهد ومعجزات وبراهين وعلامات.. أساسيات إيمانه المكلف إلاّ ما حرّم له من أضيق نطاق وأصغر ركن.

علماً أن كل هذه الدلائل والبراهين، والشواهد والحجج والبينات والآيات تتطلب من الإنسان أن يحرك طاقات فكره وخبايا تأملاته ليفهم ويفقه ويستنبط ويستنتج وأخيراً ليؤمن ويوقن ثم يسلك ويستقيم بثبات وتحرّق.. ذلك ما يدعوه إليه العقل والفقه والتفكير والعلم فيتذكر ويعتبر ويواصل السير الحثيث بوقار ورسوخ بل وبشوق عظيم أقرب إلى الجنون أحياناً.

ولكن لماذا ؟ وما السرُّ ؟ وكيف ينحرف الإنسان عن غايته وعن حقائق ما يلمسه من نظراته وثواقب تأملاته فيزيغ عن الصواب ويشططّ عن الصحيح ؟

ولعل الأسباب -وبعد تفكير عميق، ونظر دقيق، بعد سنوات وأحقاب- هي رقّ العادة وغشاوة المألوف، وفتور الاعتيادي، ورخص ومبذولية المشاهد الكثيفة المركزة أو شدّة القرب التي أورثت الإخفاء والخفاء وقلبت كل جدّة إلى عتيق مرتق، فسلبت سحرها وأثرها وروعتها ودهشتها.

فإذن السبيل إلى الحل : هو العودة إلى الوعي وإلى الذات وإلى النظرة الوليدة وروعة الشعور برؤية الإستكشاف والبلوغ إلى صرخة حقيقة : وَجَدتهُا.. وَجَدتهُا! أو رأيتها.. رأيتها، أو ذقتها.. ذقتها!

هذا وما أغرب لو عرفت أن القرآن المسطور والتنزيل المكتوب الموحى هو الذي يثير في الإنسان نزعة التفكر وغريزة التأمل.  وهو الذي يؤدي دور الدليل الخبير الأمين العارف فينبهك بإشاراته، وعلاماته وهمساته وإعلاناته إلى روائع القرآن المجسّم المجسّد المنظر المشهود بألف وألف بلاغة وبلاغة، ملفتاً أنظارك وبصائرك إلى بدائع خلقه وعجائب مصنوعه وغرائب شأنه.

بل ولم ينزّل هذا الكتاب المجيد المحفوظ إلاّ ليريك كنوز أسمائه الحسنى، ومباهج آياته الكبرى، وملكوت قدرته العليا لتتخذ الكون معارض للتوحيد، ومشاهد للتمجيد، ومحاريب للسجود، ومغاني للأناشيد، وأخيراً معارج للصعود نحو قاب قوسي الخلود في جنان الرب المعبود الودود، بالفوز العتيد والفلاح الأكيد! بل وحتى يحصل عند ناظر الكتاب الكوني الفريد ما يحصل لقارئ الكتاب الفرقاني المجيد من خشوع وفهم وشوق وارتقاء، بل ولقاء معنوي مؤقت،توطئةً وتذوقاً للقاء الحقيقي القدسي الدائم إن شاء الله.

ومن ثم فلا يبقى ولا يجد النفس والشيطان وسرابات الدنيا مجالاً للتغافل والغفلة، والتناسي والنسيان والتلاهي واللهو والتلاعب واللعب والتهازل والهزل.

فيكون ناظر القرآن المشهود كقارئ القرآن المجيد تماماً!

أينما ولّى وجهه وحيثما حثّ ركبه، فلا يرى ولا يسمع ولا يحس ولا يلمس، ولا يشم ولا يذوق إلاّ أنوار وجه ربه الكريم الأعلى وآلاء يد ربه الكريم الأكرم،  فتكون الكائنات جلوات أسمائه ومرايا صفاته ومعارض شؤونه وهو بالتالي يكون في حضور تام عام، شامل كامل، حيّ طيّ، أمام ربه العلي الأعلى والكريم الأكرم والرحمن الأرحم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>