افتتاحية : المستهدَفُ في الحقيقة هو ضرب الفكر الوحدوي


لا يشك أحد في أن الإسلام يدعو للوحدة بين المسلمين ولا يسمح لهم بالتفرق أبدا، والنصوص القرآنية والحديثية الحاثَّةُ على الوحدة والناهيةُ عن التفرق كثيرة، نكتفي بهذا النص القرآني المعلوم عند كل مسلم ومسلمة {واعتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعا ولاَ تَفَرَّقُوا} سورة آل عمران.

ولا يشك أحد في أن وحدة المسلمين هي القوة الكبرى التي تتكسر على صخرتها كل المؤامرات، ولذلك نبه الله عز وجل المسلمين إلى هذه القوة، وأوصاهم بعدم التفريط فيها، وإلا أصبحوا عبئا ثقيلا على الحياة والأحياء إن لم نقل أصبحوا أمواتا أو شبه أموات لا يشعر بهم أَحَدُ، ولا يحسب لدورهم الحضاري أي حساب، قال تعالى : {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} الأنفال.

ولا يشك أحَدٌ أيضا في أن المسلمين لم يكونوا أئمة الفكر والقيم والأخلاق، وسيادة الحضارة البانية، حضارة التكريم للإنسان، وحضارة العدل غير المسبوق… إلا يوم أن كانوا أمة واحدة ذات رسالة.

ولم يعش المسلمون مِزَقًا إِلاَّ يوم أن فرَّقتهم الأهواء، وبتفرقتهم مكَّنوا للأعداء من أنفسهم فأنشأوا بينهم خَنَادِقَ وحُفرا وبحورا من الأحقاد والعصبيات والتحزُّبات تحوَّلتْ على مَرِّ التاريخ إلى تطاحنات وتقاتلات على التوافه وصِغار الأمور، ثم انتقلت إلى الخيانات والتآمرات مع الأعداء لِدَحْرِ بعضِهم بعضا، وتدمير بعضهم بعضا، وبذلك قَدَّموا لأعدائهم بتفرقتهم خدمة جليلة، فلا نعجب ـ بعد هذا ـ إذا رأيْنا أن أشد ما يكرهُه المستعمرون وعُملاؤهم هُوَ العَمَلُ على جمع كلمة المسلمين من جديد على أي مستوى كان.

وإذا فهمنا هذا جيدا يَسْهُل عَلَيْنا فهْمُ الضجَّة الإعلامية التي قام بها الحاقدون في بريطانيا ـ هذه الأيام ـ على الشيخ يوسف القرضاوي بدعْوى أنه يحرِّض على قتل اليهود في فلسطين عن طريق الاستشهاد. فهذه المسألة قديمة، وقد تبارى فيها المُفتُون منذ نحو عقد من الزمان، ولم يكترث لها أحَدٌا فلِمَاذا الآن؟؟

الذي يظهر أن الذي حرَّك الأحقاد ليس ما ادَّعاه الإعلام الحاقد من التحريض على القتل والعنف، فالشيخ معروف عند الخاص والعام بوسطيته، خصوصا وأن المُدَّعي العام البريطاني قد برَّأه من هذه التهمة بسرعة عندما عُرضت عليه القضية، وإنما الحقيقة أن الذي حرك الإعلام المعادي هو المشروع الذي يدعو له ويتزعَّمُه وهو “جَمْعُ كَلِمَةُ عُلَماءِ المُسْلِمِين” على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم من أجل القضاء على الفرقة التي تُنشئها الاختلافات الفقهية المثارة من قديم الزمان، بدون أن تكون ماسَّة بالأركان والمعلوم من الدين بالضرورة. فهو مشروع يريد أن يرفع به المسلمين ـ من خلال جمع كلمة علمائهم ـ إلى مستوى العصر الذي يعيشون فيه، فكم من الناس تعالموا بدون علم، وكم من الناس تعلموا علماً موروثا ولم يعرفوا كيف يُنَزِّلونه على قضايا عصرهم بحكمة، وكم من الناس يعرفون الباطل ولكنهم ألبسوه أثواب الحق فخدعوا المسلمين، فلهذا كان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في أشد الحاجة لجمع كلمة العلماء العاملين برشد وحكمة، عَلَّ الله تعالى يطفئ على أيديهم الكثير من الفتن المشتعلة في بلاد المسلمين، وبذلك يكونون إن شاء الله خير جسر يربط بين المسلمين على مختلِف مسؤولياتهم وأوضاعهم وأوطانهم، ويربط بين المسلمين وغيرهم بكرامة وعزة وتبادل للمصالح.

إنه مشروع طموح يستحق أن يثير حسد الحاسدين، وغيرة المتربصين، إلا أن الله عز وجل دَلَّنا على الحصانة الشافية الكافية فقال لنا {وإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضِرْكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحيطٌ} آل عمران.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>