من أوراق شاهدة:{ولو أن أهل القرى آمنوا}


استهلال لابد منه

لايمكن للإنسان إلا أن يستشعر منتهى عجزه، بل مسئوليته الكبرى  في ما آل إليه الوضع العربي الإسلامي  من هوان ، وهو يتابع الرحلة المظفرة لصاحب رسائل النور العالم الجليل الشيخ بديع الزمان النورسي . بل لعل القارئ المنتصف من نفسه سيستخلص لا محالة أنه أكبر مذنب في حقها بإحالتها على التقاعد ، بل القعود كما قال سبحانه والانسياق وراء رغائبها الدنيوية الموسومة بالتوق الجامح إلى الملذات والتثاقل إلى الطين، والازورار في ركابها عن مهام العبودية للخالق عز وجل ، تلك العبودية التي تقتضي كما أمر بذلك سبحانه تحققها في النفس وفي الآخرين .

شيخنا بصيغة أخرى ، ليس على قلق كأن الريح تحته، مصداقا لقول شاعر لعله المتنبي بل على هلع كأن النار الأخروية تضطرم تحته ، وبالتالي فما استهوته القصور المتسامقة ولا الفرش الناعمة ولا أخلد إلى الأرض تسبقهبطنه البارزة،  وتثير  الحسرة في النفس،  مظاهر إثرائه الفاحشة، تلك المظاهر التي تميت الحق على لسان الكثير من الماشين على طريق الدعوة، فلا تخرج مخلفاته من أفواههم إلا همهمات احتجاج مبهم حينا،  وهمهمات زلفى أحيانا أخرى ، اتقاء شر أصغر، متناسين في غمرة التباس الأولويات الدعوية ، شر الفزع الأكبر ، يوم يقول سبحانه وتعالى لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد !

الشيخ الجليل النورسي أمضى زهرة عمره وشيبه مواجها للمظالم، ناشرا للرسالة الإسلامية ،مشعا أنوارها من خلال رسائله، في عز هيمنة الكمالية العلمانية بتركيا، ورغم أن الشيخ جافى المستنقع السياسي بالمفهوم المصلحي والصدامي بلا طائل ، وكرس كل علمه لغرس أبجديات الإيمان في قلوب الجماهير التركية، فقد أزعج أيما إزعاج  السلطات  العلمانية الحاكمة، فظلت تتعقبه و تذيقه النفي المتواصل، حتى ليمكن القول إن شيخنا قضى مجمل مراحل عمره نزيل سجون ومنافي ! .

يقول مؤلف سيرته الأستاذ إحسان قاسم الصالحي في هذا السياق في كتابه حول الشيخ تحت عنوان : بديع الزمان سعيد النورسي ، نظرة عامة عن حياته وآثاره : (..وبالرغم من أن السلطة كانت تشعر بخطورة رسائل النور وبأنها تبني ما تحاول هي هدمه وأنها تهدم ما تحاول هي بناءه ، فإن المحاكم  لم تكن تجد دليلا ضده ، فضلا عن أن الأستاذ سعيد النورسي أيقن بثاقب بصره أنه ما لم ينشئ جيلا مؤمنا بالله ورسوله حتى أعماق قلبه ووجدانه فإن كل شيء سيكون عبثا  لاجدوى منه).

وقد كان العداء مستحكما للدين الإسلامي سواء بالخارج حيث أفضى  التربص بالإمبراطورية العثمانية  إلى تفكيكها، و بالداخل حيث واصل المتربصون الإجهاز على مظاهر الدين الإسلامي بإغلاق المساجد ومنع الزي الإسلامي ومصادرة الأذان الإسلامي وإقفال المدارس الدينية ،  فانبرى الشيخ المجاهد لهذه التيارات الاستئصالية وكلف نفسه وأتباعه بمهمة (إنقاذ الإيمان) في تركيا لا بالعنف الذي رفضه مطلقا (اللهم إلا إذا كان في مواجهة عدو خارجي ، حيث شارك بنفسه وببسالة ناذرة هو وتلاميذه في مواجهة العدو السوفياتي) واعتبره (أي العنف المحلي) معطلا لمسيرة البناء ، بل بالتنوير الهادئ والعميق ، بعيدا عن أمراض النفوس التي تورثها السياسة الميكيافيلية للاهثين خلف الواجهة.

أحزان على الطريق

ومضى الشيخ النورسي بإذن ربه إلى جنات عرضها السماوات والأرض محفوفا بأنوار رسائله التي تواصل وهجها حتى الآن، ومن فتات جد صغير أشعرني بقصوري الكبير أتيت لكم قرائي بغيض من فيض أنواره لتبحثوا في سيرة رجل أرقه حال الأمة وعلى نهج الحبيب رسول الله  وصحبه الميامين قال : لا راحة بعد اليوم وخاض بكل عنفوان يـم الإنقاذ ..

فما بالنا اليوم نمضي من انكسار إلى انكسار ولا معالم على الطريق لربانيين بهذا العيار والوزن الثقيل جدا ، لتأطير أحزان وغضبات الأمة الغافية  بكل الحكمة والمسؤولية الراشدة حتى لا تضيع  بين سندان الإفراط  ومطرقة التفريط بالداخل وشجونها الجمة ، ومدافع الاستئصال الخارجية، التي تدك اللحظة  القرى على الأحياء في فلسطين بالمئات وتواصل بهمجية، إبادة بلد بأكمله تاريخا وإنسانا ومقدسات بالعراق، ولا بسالة إلا لمقاومة ماجدة لكنها عزلاء  ، ولا حياة إلا لآبار نفط الأمة التي تضخ الآن في جيوب مافيات حزب المال  الأمريكو صهيوني،  أنظر في هذا الاتجاه، كتاب الأستاذ روجيه جارودي الممتاز (أمريكا طليعة الانحطاط)..

ولأن الذل بالذل يذكر ، فهل أتاكم حديث أخواتنا العراقيات بسجن أبو غريب؟؟،  هل تعلمون إخوتي أن سجينات مسلمات  أجبرهن الجنود الأمريكيون على القيام بأعمال جنسية جد شاذة  لإرضاء رغباتهم الكهفية ..

وبالمحصلة ، هل هي أعراض ديوتيـة تلك التي تجعلنا نرضى بالخبث في أهلنا وعلى رأسه  الخبث الذي ألم بقواريرنا اللواتي استوصانا بهن خيرا رسول الله ؟؟؟..

وانتصافا من أنفسنا قبل الآخرين ، فامتهاننا واضطهادنا  لبعضنا البعض وتنكبنا للصراط المستقيم  لا داخل سجوننا فقط بل وفي كل فضاءاتنا  الثقافية والسياسية والاجتماعية وداخل أسرنا  صناعة محلية، قبل أن تكون دولية ويتعين الجهاد الأكبر، جهاد الأنفس المريضة  داخل حدودنا قبل خارجها لتتبين لنا معالم الطريق..

بشائر على الطريق

لن أتوقف عند المبشرات التي جاءت في كتاب الله سبحانه وعلى لسان رسول الله  من أن جند الله سبحانه هم الغالبون وأن معزوفة انتصار المسلمين سيصنعها بإذن الله المسلمون الأعزة والشجر والحجر،  فتلك تباشير أشبعها الكتاب والدعاة احتفائية، ولعلنا في الكثير منا ، لم نجاوز بها حلوقنا وأقلامنا إلى تجاويف نبضات قلوبنا بعد ؟؟..

وسأتوقف في المقابل عند كلمات في السياق، لها كل الدلالة وتحتاج إلى التنـزيل فقط.

ففي حوار له مع شيخ الأزهر وبحضور ثلة من العلماء سأل الشيخ الأزهري بخيت المطيعي  شيخنا النورسي السؤال التالي :

- ما رأيك في الحرية الموجودة الآن في الدولة العثمانية ؟ وماذا تقول في مدنية أوروبا

فأجابه سعيد النورسي :

- إن الدولة العثمانية حبلى بجنين أوروبا وستلد يوما ما ، أما أوروبا فهي أيضا حبلى بجنين الإسلام وستلد يوما ما !!

وعن أوروبا هاته الحبلى بجنين الإسلام سيكون حديثنا القادم بحول الله .

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>