القرآن يوجهنا التوجيه الإيجابي، ويحذرنا من التوجيه السلبي
الظاهر أن الإسلام يوجهنا في قضية الأولاد والأزواج وما إلى ذلك توجيهين :
< توجيهاً حينما يكون الأولاد صغاراً.
< وتوجيهاً حينما يكبرون وتصبح لهم شخصية مستقلة.
فأما توجيه الأبناء حينما يكونون في حالة نضج وثبات ويكونون أطفالا، فإن الأب تقع عليه المسؤولية، وهو الذي يتحمل تربية الأبناء، وعليه أن يشفع تلك التربية بالمحبة الضرورية، وأن يغمر ابنه وابنته بالمحبة كما كان رسول الله يفعل، وهنا قضية العداوة، لا يُمْكِن تصوُّرُها في مثل هذه المرحلة.
لكن حينما يصير الصبيُّ شاباً وتصير له فهومه، ويصير له موقفه ويصير مواجها للأب مواجها للدين، حينئذ تتغير الأشياء وحينئذ إذا كان هذا الابن على طريق معوجٍّ فإننا نعتبره فعلا أصبح عدواً لوالده المسلم.
الحالة الأولى نجدها في سيرة رسول الله ، حيث نجد أنه عليه السلام كانت تبذر منه مواقف اللُّطف والمحبة العارمة للأبناء، لم يكن قاسيا ولا متجهما في وجه الأبناء إلى درجة أن الكتب الموثقة تَرْوِي أنه عليه السلام يكونُ فوق منبره يخطب في الناس والناس منتبهون إليه، فيأتي حَفِيدُه الحُسَيْن وفي عنقه خِرقة يجرُّها ويمشي فيتعثر بتلك الخِرقة، ويسقط الحسين على وجهه فيتوقَّفُ النبي عن الخطبة وينظر إليه ويريد أن ينزل إليه فينتبه الناس ويأخذونه فيحملونه إلى رسول الله ويقول : >قاتَلَ الله الشيطانَ إن الأبناءَ -أو الأولاد- فتنةٌ< فيرفق به ويوقف الخطبة من أجله وتتكرر هذه المواقف، ويكون أحيانا يصلي عليه السلام ويرتقي على ظهره الشريف الحَسَنُ والحُسَين فلا يرفع من سجوده حتى ينزل هذان الفتَيَانِ.
وتأتي امرأة إلى عائشة رضي الله عنها ومعها صبيان فتعطيها عائشة ثلاثَ تمرات، فتعطي الأمُّ كُلَّ طفل ثمرة ويأْكُلان التمرتَيْن وتبقى بيد الأم تمرةٌ، تريد أن تأكلها، فينظر الصبيان إلى تمرة الأم، فلم تَسْتطَع الأمّ أكل هذه التمرة، فصَدَّعتها -أي فشقَّتها- وأعطت كل واحد منهما شِِقّاً ورجعت بعد ذلك عائشة رضي الله عنها إلى النبي وأخبرته بخبر المرأة فقال ما معناه >لقد دخلتْ الجنة بهذا العمل< فرسول الله يبشرها بدخول الجنة باحتفائها بهذين الطفلين ورحمتها لهما.
وعلى العكس من ذلك نجد أن الأقرع بن حابس، يرى النبي وهو يقبِّلُ طِفْلَيْه، فيقول له : إن لي عشرةً من الأبناء ما قَبَّلْتُ واحداً منهم، فيقول له الرسول ، ما أمْلِكُ لَكَ إنْ كَانَ اللهُ قَدْ نَزَعَ الرّحْمة من قَلْبك.
فهذه مواقف كثيرة ومتعددة تفيد أن الرسول كان يعلم المسلمين كيف يؤسسون بيوتهم على أفضل منهج يضمن الاستقرار ودوام المحبة.
لكن العداوة تقع حينما تخْتلف المواقف ويصِيرُ هذا على طريق الدين، أي يدخل الولد في الإسلام ويبقى الآخر مشركا أو العكس فهنا تنتفي تلك المحبة.
تأسيس الأسرة على المحبة والمودة هو الأصل
إن الإسلام لا يطلق القول إطلاقا، ولا يُسَجِّل أن كل زوج هو خصم وعدو للزوج الآخر، لا، ولا يسجل القرآن أن جميع الأبناء هم أعداء لآبنائهم، وإنما يذكُر “مِن” التّبْعِيضية التي تفيد أن هناك فئةً، هناك لوناً من الأبناء هُم أعْدَاء لآبائهم، هناك لَوْنُ من الأزواج -سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً- هم أعْدَاء لأزواجهم، ولكن هذا ليس هو الأصل، الأصل هو أن تكون محبةٌ سائدة، إن الزوجة بالنسبة للزوج هي سَكَنٌ له، هي المكان الذي يجد فيه الإنسان الطمأنينية ويستريح فيه من تعب اليوم ووعثاء المشاكل والمعاناة اليومية، والزواج المثالي هو الذي ينتهي فيه الإنسان إلى هذا المنتهى.{ومِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُم أزْوَاجاً لتَسْكُنُوا إِلَيْها}(الروم) وطبعا إن الرجل لا يسكن إلا إلى امرأة يثق بهاويطمئن إليها ويراها موافِقةً له، ويراها مُعينة له. والمرأة كذلك هذا هو ما تنتظره من الزوج إنه ليس خصما لها ولا عدواً لها، وهي كذلك ليست عدوّا له، وهذا هو ما يرمي إليه الإسلام بجَعْلِ الرجل يختار المرأة على أساس الدين، وجَعْل المرأة تختار الرجل على أساس الدين، فإذا تم بناء الأسرة على هذا الأساس أنشأت أولاداً صالحين لهم أثرٌ في المستقبل في بناء الأوطان والمجتمعات الصالحة.