بقدر مـــا نسعى إلـــى اكتشاف المواهب الجـادة ودعمها وتشجيعها وفتـــح الآفـــاق أمــامها بـــــــقدر مــا نحتفظ لهذا الحــــــدث بجديته ومستــواه العلمي الرفيع
إذا كان الشعر ديوان العرب ومستودع حكمتهم، فإن الأدب ضمير ولسان وجدانها الناطق، وناقل حكمتها الخالدة. فالأدب يمنح الفاني الخلود، والشعر يؤسس ما يبقى كما يقول هولدرلين . وإذا شئتم فاقرؤوا الجاحظ والمتنبي وشكسبير وفيكتور هيكو وغوته وبوشكين ولوركا وشوقي وإقبال والكيلاني . ألسنا نردد بعد ألف سنة مع المتنبي:
“ما كل ما يتمنى يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”
كما نردد مع شوقي شاعر العصر الحديث:
“وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا”
ألسنا نردد مع شكسبير :”أن نكون أو لا نكون تلك هي المسألة؟”
ألا نجد شخصية القاضي محمد بن عبد الوهاب كما تخيلها الجاحظ كائنا حيا من لحم ودم بيننا؟ ألم تخترق شخصية شيلوك اليهودي المرابي الزمن، وتغادر تاجر البندقية، لتصبح نموذجا لكل مصاصي الدماء؟ ألا نقرأ تاريخ فرنسا في القرن التاسع عشر، ونعرف نوتر مدام دو باري، وأزقة باريس وصراع النبلاء والمستضعفين، ومن خلال أدب فيكتور هيغو أفضل مما نقرؤه في أي كتاب من كتب التاريخ؟ أليست شخصية جان فالجان أكثر حياة أحيانا حتى من فيكتور نفسه؟ ألا يعرف كثير من الناس عن شرلوك هولمز أكثر مما يعرفون عن مبتكر هذه الشخصية البوليسية؟ ألا نعرف غابات نخيل العراق وجيكور وبويب من شعر السياب أفضل مما نعرفها من أي كتاب من كتب الجغرافيا.
ولكل أمة أدبها الذي يحمل طابعها، ويوجز خصائصها.
والأدب الإسلامي ضمير هذه الأمة الصادقة، ومرآة وجدانها الصقيلة،وهو حقيقة حية منذ نزول القرآن الكريم، وليس أمرا طارئا على هذه الأمة، ولاهو بدعة من مبتدعات هذا العصر. ومنذ أربعين سنة قرر الناقد الرائد محمد قطب أن الأدب الإسلامي ليس تقريرا عن حقائق القرآن الكريم وقضاياه العقدية، ولا شرحا لنظريات دينية مجردة، بل هو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان من خلال التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان. وما التصور الإسلامي؟ إنه الفطرة النقية التي لم تشوهها الأهواء والترهات. وعلى هذا فإن الأدب الإسلامي ليس أدبا طائفيا، ولا عرقيا، ولا مذهبيا، ولا شوفينيا، بل هو بطبعه أدب إنساني، يعانق هموم الإنسان في كل مكان، ويعكس أشواقه إلى الحياة الفاضلة، وهذا هو الذي أباح لمحمد قطب وعماد الدين خليل وغيرهما استعراض أوجه الأدب العالمي أثناء الحديث عن الأدب الإسلامي، فإذا هنري إبسن، وطاغور، وسكينة بنت الحسين، ومحمد إقبال ، وإليخاندرو كاسونا، يتحاورون لأنهم جميعا يخاطبون الخير الذي يسكن الإنسان ،ويحركون الفطرة الإنسانية ، وإنه لذلك لن تخرج هذه الأمة من أزمتها، بل لا نجاة للإنسانية، إلا بدعم هذا الأدب بفسح الطريق أمامه ليؤدي رسالته الإنسانية الخالدة.
ومن هنا تكون هذه الخطوة التي قام بها المجلس العلمي المحلي بوجدة، بتأسيس الجائزة الوطنية للأدب الإسلامي خطوة رائدة رشيدة وفاعلة ومستنيرة، لا يسع كل مخلص إلا أن يباركها ويهلل ويكبر.
وها هي ذي جائزة الأدب الإسلامي الوطنية تدخل دورتها الثانية، وإذا كانت الدورة الأولى خاصة بالإبداع، فإن من طبيعة الأشياء أن تخصص هذه الدورة الثانية للدراسة والنقد الادبي.
وقد تقدم لهذه الجائزة هذا العام عشرة بحوث كان بعضها تنظيريا واجتهد بعضها في الدراسة التطبيقية. وبقدر ما تسعى الجائزة إلى اكتشاف المواهب الجادة ودعمها وتشجيعها وفتح الآفاق أمامها، تحاول في الوقت ذاته أن تحتفظ لهذا الحدث بجديته ومستواه العلمي الرفيع، وليس من الهين على اللجنة العلمية التي تولت هذا الأمر أن تحقق هذين العنصرين معا بيسر وسهولة، ولكنها تجتهد في أن تسدد وتقارب، وهي تقبل على قراءة الأعمال المقدمة وفحصها، لذلك حققت العنصر الأول بترشيح بحثين من البحوث المقدمة لنيل الرتبة الثانية والثالثة، بينما اضطرت إلى حجب الجائزة الأولى انسجاما مع العنصر الثاني الذي فرضته على نفسها والتزمت به.
وإن الأمل لمعقود على اتساع نطاق هذه الجائزة الوطنية للأدب الإسلامي في المستقبل، والسير بها قدما حتى تتحقق الأهداف النبيلة التي كانت من وراء إنشائها.
والله وراء القصد وهو يهدي السبيل.