د. عبد الحميد أبو سليمان رئيس المعهد العالمي للفكر الإسـلامي بـواشنطن يتحدث عـن :البعد الغائب في المشروع الإصلاحي الاسلامي


قدم الأستاذ عبد الحميد أبو سليمان رئيس المعهد العالمي للفكر الاسلامي محاضرة تحت عنوان : “البعد الغائب في مشروع إصلاح الأمة” نظمتها جمعية العمل الاجتماعي والثقافي فرع فاس بمقر رابطة علماء المغرب  بفاس، ولأهميتها ننشرها كاملة

الأمة بين سيف السلطان ووعيد العلماء

إن إشكالية الثقافة مهمة، ومحاولة الفهم القوي الصريح الشجاع مهمة جدا، هذا مهم من الجانب الثقافي، والفكري كما قلنا، العلماء أصبحوا في حالة ضعف فكري والساسة أصبحوا في حالة ضعف اجتماعي، والضعيف عنيف، فتجد الحاكم لا يعرف كيف يتعامل مع المتغيرات، ولا أن يحتوي المعارضة، فأي معارضة كانت في تاريخ الأمة إما إلى السجن أو السيف.، والعلماء أي نوع من الاعتراض أو عدم التقبل، فالخطاب خطاب تغيير وجهنم وعذاب القبر ينتظر، فأصبحت الأمة بين جهنم والسجن. فكان لا بد أن تصبح أمة سلبية خامدة. وهو ما نراه الآن.

تكوَّن من هذا أمر في غاية الخطورة، أنا أسميه نفسية العبد، ونفسية العبد لها صفتان : الخوف وعدم المبادرة، افعل افعل لا تفعل لا تفعل، العبد ليس له  الوسع بأن يفعل شيئا، ولذلك نحن في أي إشكال نتطلع إلى الحكومة وإلى  الوزارة، إلى الأمم المتحدة، إلى الاتحاد الأوربي إلى الرأي العام العالمي. فإذاً هذا الوضع النفسي إذا لم يعالج، لا يمكن للأمة أن تخرج من أزمتها، هذا وضع نفسي، المعرفة من المهد إلى اللحد، كل إنسان يستطيع أن يغير فكره ويزيد وينقص علمه ومعرفته من مولده حتى مماته. أما التكوين النفسي والوجداني فمن شب على شيء شاب عليه.

والعلاج النهائي ليس في قضية الحاكم ولا القيادة ولا هم يحزنون >كما تكونون يولَّ عليكم< إذا لم يحدث التغيير في النفس {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} واقع الحركة الاصلاحية السياسية الاسلامية الذي وضع مشروع فكرها هو عبد الرحمان الكواكبي يرحمه الله في كتابيه الأول “أم القرى” والثاني “طبائع الاستبداد” الأول تكلم عن العدل والشورى والتوحيد إلى آخره، والثاني أن المصيبة والكارثة في الحكومات والقيادات والاستبداد، والحمد لله توفي عبد الرحمان الكواكبي أكثر من مائة عام، ولا العدل ساد و لا الاستبداد زال. ومعناه لا بد أن ننظر في هذا البرنامج ما الذي ينقصه، وبالتأكيد هذه مشاكل ـ لن نختلف فيها ـ وهذه مطالب لن نختلف فيها، نفسية العبد هذه تكونت وإزالتها لا تكون إلا بتقويم التربية بما يجعل الطفل ينشأ ذا حس وكرامة، حس ومسؤولية، شجاعة أدبية، روح استخلافية، لاقيمة لأي مبدأ ولا لأي قيمة إذا لم تتجسد في عمل، العدل لا قيمة له إذا لم يكن مجسدا في علاقات الناس، فالقيم الاسلامية لا قيمة لها إذا لم تجسد فيأعمال، لا تجسد في أمة، لا تجسد في مجتمع، لا تجسد في علا قات، فإذا خلت علاقاتنا حقيقة من قصد هذه القيم وإقامة العدل في الأرض، وإقامة الاحسان في الأرض، والاستخلاف في الأرض، كل هذا لا قيمة له.

العلاج في الواقع هو في قصة قرآنية، ما حدث في تلك القصة القرآنية هو ما سيخرج الأمة مما هي فيه، بنو إسرائيل استعبدوا في مصر، وأراد ر بك ان َيمُنَّ على الذين استضعفوا، فماذا فعل الله بهم، سيدنا موسى أخذهم من مصر إلى سيناء، خذوا الأرض وابنوا الملك، فأجابوه جواب العبيد خوف {إن فيها قوما جبارين} وعدم المبادرة : {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} فكان العلاج الرباني ذا شقين :

الأول فكري ثقافي إزالة الثلوث من ثقافتهم {آتيناه الألواح فيها من كل شيء, وامُر أهلك أن يأخذوا بأحسنها}.

الثاني تربوي {أربعين سنة يتيهون في الأرض} حتى يربى جيل بوجدانُ مختلف عن جيل العبيد، جيلُ أحرار،وجدان أحرار.

دور المفكرين

فإذا على المفكرين في الواقع أن يهتموا بالجانبين. استعادة الرؤية الاسلامية الاستخلافية التوحيدية، وإزالة التلوث من الثقافة. الاسلام جاء للانسانية وجدد حضارتها بمفهوم التوحيد والاستخلاف والسببية. ذهبنا تتلمذنا بغباء على الحضارة اليونانية التي أفلست وأدت مهمتها وانتهينا إلى قضية الالاهيات، وإلى قضية المنطق الصوري، وإلى أن القرآن مخلوق وغير مخلوق والكلام الذي استنزف طاقة الأمة وانتهى بنا إلى الخرافة وما نحن فيه.

فإذا يجب أن نستعيد الرؤية الأساسية، ثانيا نزيل التلوث الثقافي، ثالثا نعيد النظر في مناهج التربية، كيف يمكن أن نفعل هذا؟ هل نستطيع أن نأخذ الناس إلى سيناء من جديد؟ هذا لا يمكن. الجواب عن هذا أمر بسيط. المجتمع كالسيارة، تريد أن تغير المجتمع، تريد أن تجعل السيارة تدور، أول شيء يجب أن تفعله، هو لمس مفتاح تشغيل السيارة وستبدأ عملية لا بد أن تنتهي بدوران عجلة السيارة. المفتاح يؤدي إلى شرارة، الشرارة تقود إلى الاحتراق، الاحتراق يحرك المكابس، المكابس تحرك التروس، التروس تحرك العجلة، إذن لا بد أن تضع يدك على مفتاح التشغيل.

فالسؤال الذي يجب أن نسأله أنفسنا هو : أين مفتاح التشغيل ـ التغييرـ أفي مجتمعنا؟ فإذا لم نضع يدنا عليه، فإن العجلة لن تدور، لو سألنا الدولة، لوسألنا الوزارة أن يفعلوا لن يفعلوا، المؤسسات بطبيعتها ـ وهو أمر إيجابي ليس سلبيا ـ تحافظ على الوضع القائم، فهي عامل الثبات في المجتمع، ولكن علينا أن نحرك عامل التغيير حتى تستجيب المؤسسة لعامل التغيير، وعامل التغيير يأتي من المحتوى، من الناس، فكيف نستطيع أن نجد مفتاح التغيير في المجتمع؟ ويجب أن يكون قهرياً وليس اختياراً. فإذا لمست مفتاح تشغيل السيارة تبدأ عملية قهرية لا خيار فيها، إذا كان هناك خيارـ أفعل أو لا أفعل، فليس مفتاح تشغيل إذن فهو شيء آخر.

الدافع الفطري لدى الآباء لما فيه مصلحة أبنائهم، إذا اقتنع الوالدان بما فيه مصلحة الابن سيفعل المستحيل من أجله، ضد راحته وضد… ليس بشكل إرادي. ليس له الخيار، يريد أولا يريد، لأنه يصبح في الواقع مأمورا، فإذا استطاع المفكرون والتربويون أن يقوموا بالاصلاح الفكري من ناحية، برؤية صحيحة، واستطاعوا أن يقدموا المادة التربوية للآباء، يقنعوهم بما يجب أن يربوا أبناءهم عليه، سيتغير الأبناء، وإذا تغير الأبناء تغير المجتمع، بدل أن تجد موظفا مرتشيا ستجد موظفا أمينا، بدل جندي جبان، جندي شجاع….

إذن الأمر في النهاية، أن الحركة الاصلاحية ومعها المربون والمفكرون، عليهم أن يغوصوا إلى الأعماق ويتعاملوا مع جذور المشكلة التي تؤدي إلى تغيير حقيقي يحول الانسان المسلم إلى صاحب رسالة, وفي نفس الوقت إلى إنسان قوي البنيان النفسي، دون هذا، ألف مضت وألف تأتي، وخسف نعاني وخسف يأتي، بغير هذا لا يكون. الذي أريد أن أقول، إن على المفكرين وعلى الحركة الاصلاحية أن تهتم بالتغيير الاجتماعي، وأن تهتم بتبصير الوالدين، ولاتعيد تربيتهم لأن هذا غير ممكن، ولكن التبصير.

في الجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا ـ عندما كنت هناك ـ قررنا مادة إسمها الأسرة والأبوة، نعلم هذا الجيل الجديد كيف يربي أبناءه، ومادة إسمها التفكير الابداعي وحل المشاكل، كيف تفكر بشكل إبداعي وليس بشكل سلطوي لا يعامل الطفل على أنه لا شيء. العلاقة بين الزوج والزوجة علاقة احترام متبادل علاقة كرامة، فيجب أن نبحث عن كل المنافذ، أولا بتنمية الأدبيات الخاصة بالآباء، لأن تأثير الآباء على أبنائهم ليس مثله أي تأثير، كالنظارة الملونة. ليس المهم لون الشيء المهم لون النظارة، الآباء ليس المهم ماذا يرى الطفل أو يسمع في المجتمع، بما فيها الفضائيات، المهم كيف يفهم ما يرى ويسمع، طفلان في نفس المدرسة، مع نفس الأصدقاء نفس المقرر في نفس الفصل ليسوا سواء، والسبب هو تأثير الوالدين، الطفل حين يسمع من والده كلاما فهو يأخذ عندها تعليمات، ويتأثر بها، إذا أدت دورها. إذن التربية الوالدية قضية مبدئية وأساسية، التلوث الثقافي والتصدي له قضية أساسية على الحركة الاصلاحية بعد ألف عام، أن تلتفت إلى القضايا العملية العلمية التي تؤدي إلى سلامة الثقافة وسلامة التكوين النفسي إن شاء الله.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>