قراءة في غزوة الفلوجة سقوط أمريكا في الفلوجة


مفكرة الإِسلام : هذا ليس تكهناً يكتب، ولا أوهاماً ترصد، ولا خيالات تقيد… إنما هي الحقيقة التي أطلت برأسها علينا من بوابة الفلوجة، وما يحجب اكتمال خروجها على الناس إلا برزخ الأيام القادمة، أو الأشهر القادمة، أو السنوات القريبة القادمة..

لقد أصبحت حقيقة واقعة بعد أن كانت من قبل أشهر آمالاً متوقعة..

لقد تغيرت الموازين بعد الفلوجة لو أن الناس تأملوا ونظروا بغير نظارة الهوان السوداء أو بغير النظارة الأمريكية..؟!

وكأن الراصد لحركة التاريخ يجد مختصر ذلك كله ومصداقه في قول النبي  بعد غزوة الخندق  > الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم<(البخارى 5/48).

فما انسحب الأمريكان من الفلوجة وهم قادرون على البقاء فيها، وما خرج الأمريكان منها وهم قادرون على العودة ثانية إليها…

فانسحابهم إعلان هزيمة، وخروجهم خروج بلا عودة، وهذا هو ما حوّل الكفة بكاملها إلى أهل الإسلام في العراق، وهو ما كشف حقيقة خطيرة ومرعبة لو أن الناس كشفوا الحجاب عن أعينهم، تلك الحقيقة هي سقوط أمريكا.

لا أقصد بذلك مبشرات سقوطها المعنوي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو الداخلي  أو مقتضيات سقوطها… بل أقصد بذلك ابتداء السقوط الفعلي، ابتداء الاعتراف بالسقوط..

لقد أصبحت أمريكا بعد يوم الفلوجة الأغر تتطلع إلى الوراء… إلى التاريخ بحسرة، تتطلع إلى العربات الخلفية للقاطرة الأمريكية وهي آخذة في التفكك والانفلات والانقلاب.. وربان القطار ينظر من عربة القيادة إلى الخلف المتفكك، وهو لا يملك شيئاً..؟!

بعد الفلوجة تبين للناس عامة وللأمريكان خاصة أن مكر الله تعالى قد أحاط بها من كل جانب  وأن ما اتخذته من قرارات من يوم أن أخرجت جيوشها من حدودها إلى أفغانستان إلى الآن إنما كان هو من مكر الله تعالى بها.. وما خرجت لأجله إنما كان سراب بقيعة، و مهالك فظيعة..صنعتها بنفسها لنفسها ليكون الغرق هو مصيرها على وجه الحقيقة لا الخديعة..

لكنها ما اكتشفت ذلك المكر إلا بعد فوات الأوان، وفوات الأوان كان هو الخروج الأخير من بوابة الفلوجة تتبعهم تبعاتها الكارثية إلى داخل حصونهم ومجالسهم، وأسرهم وبيتهم الأبيض.. فضلاً عن جيشهم الذي ليس أمامه إلا احتمالين، وكلاهما أصبح غير نافع : {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذن لا تمتعون إلا قليلا} الأحزاب : 16)..

ومن حق القارئ أن يقول : إن قضية خطيرة بهذا الحجم لا يمكن تقريرها بهذه الحوادث التاريخية، أو الأدبيات الحالمة الجميلة..

من حق القارئ أن يتساءل : وما الدليل على أن واقعة أمريكا قد وقعت..؟!

ما الدليل على أننا اليوم نغزوهم ولا يغزونا…؟!

ولئلا يجادل أحد في حقيقة الانتصار الإسلامي في الفلوجة، فإنني أود ـ بادئ ذي بدئ ـ أن أقرر هذه الحقيقة من خلال عرض أسئلة مسلمة لا تحتمل إلا إجابة واحدة.. أريد من القارئ لها الإجابة عليها من خلال البيانات الأمريكية..

هل أعلنت أمريكا الحرب على الفلوجة والعزيمة على سحق المقاومة فيها وأسر من قتلوا الأمريكان الأربعة وأحرقوهم وجعلها عبرة لمن يأبى إلا الخروج على النظام الأمريكي في العراق..؟!

الجواب : نعم..

هل كان هجوم الأمريكان محدوداً أم أنه كان هجوماً شاملاً بلغ عدد جنوده عشرين ألفاً  وعدد هائل من الدبابات والمدرعات، والطائرات والصواريخ..

الجواب : نعم.

هل كان هذا الهجوم بتخطيط من أعلى هرم القيادة العسكرية والسياسية الأمريكية ‘البنتاغون ‘ أم كان مجرد تخطيط ميداني للقيادة الأمريكية في العراق ؟..

الجواب : نعم، فلقد أتى الهجوم بعد اجتماعات للقيادة العليا في البنتاغون، وقد ترأس بوش عدة اجتماعات منها.. وتوعد بوش بنفسه في خطاباته الفلوجة بالعواقب الوخيمة.

وقال آرميتاج قبل الهجوم بنحو خمسة أيام : سيشهد العالم ماذا سنصنع  بالفلوجة..؟!

وتتابعت التصريحات المفزعة من رامسفليد إلى كولن باول إلى كيميت… حتى أن كل مسلم أشفق على الفلوجة إشفاقاً عظيماً، حتى تراءت أمام أعيننا خرائب ومزابل قد طاف عليها أسراب الجراد والجرذان والغربان…؟!

وتودعنا منها ومن أهلها، وقلنا وقتها : هنيئاً لمن كان منهم في سجن أبو غريب، أو في سجن فلسطين أو في سجن المطار أو غيرها..

ولم تجد وصفاً لتلك الحالة من قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}( الأحزاب : 9-11)

هل استطاعت أمريكا اقتحام المدينة أول يوم حتى احتلت أطرافها الغربية والشمالية..؟!

الجواب : نعم..

ثم هل بقيت فيها واستقرت أم طردت في اليوم الثاني..؟!

لم تتمكن بعد ذلك من الدخول، ثم حفرت الخنادق لتحتمي بها من هجمات المجاهدين..!

هل استطاع المجاهدون قطع الطرق البرية ما بين القوات الأمريكية المقاتلة وإمداداتها الخلفية.. وهل اعترفت أمريكا بذلك..؟!

الجواب : نعم.

وهل قطعت عن قواتها الإمدادات الجوية حين قطع عنها وصول المروحيات..؟!

ثم هل قدمت أمريكا في مقابل كل محاولة للاختراق خسائر فادحة من الجنود والآليات والطائرات..؟!

الجواب : نعم.

وهل كان انسحاب أمريكا من الفلوجة بناءً على شروط أم بدون شروط..؟!

وهل يمكن للمنتصر أن ينسحب من غير أن يفرض شروطه..؟!

وهل يمكن أن ينسحب المهاجم من غير أن يكون قد قدم خسائر فوق ما كان مخططاً له، وفوق طاقة جيوشه..؟!

وهل كانت أمريكا لا تدرك أن ردة الفعل العالمية والعراقية على انسحابها ـ إن انسحبت ـ ليس لها إلا تفسيراً واحداً وهو الهزيمة مع علمهم بأن الهزيمة هنا ضربة في صميم بقاء أمريكا مهيمنة على العالم، ذلك أن عماد هيمنتها هو القوة العسكرية..؟

الجواب : نعم تدرك.

فماذا يبقى لأمريكا إذا هزمت القوة العسكرية..؟!

أيبقى لأمريكا أمر أو نهي أو هيمنة..؟!

إذن فهل انسحبت أمريكا برضاها وهي غافلة عن هذه التبعات..؟!

وهل انسحبت وكان ثمة بقية أمل بالانتصار..؟!

وهل انسحبت وقد نسيت مطالبها الصارمة، وشروطها الظالمة، لأهل الفلوجة قبل الهجوم ؟!

وهل انسحبت وهي لا تذكر عهدها أمام العالم على لسان جميع قادتها بأن الفلوجة سوف تكون عبرة..؟!

وهل هاجمت الفلوجة ابتداءً وكان في مخيلتها أضعف احتمال بأنها سوف تنسحب مقدمة خسائر فادحة، وأنها لن تحتلها..؟!

لا واللـه.. فهذه أمريكا التي لا تفوتها هذه الحسابات ولم تنس شروطها ولا إعلاناتها في إعلامها وإعلام العالم.. إلا أن الجواب الأوحد أن الذي حصل في ذلك الوقت لأمريكا أمر فوق طاقتها، وفوق تحمل جيوشها هناك، وفوق حساباتها..!

وعندما وقع هذا الأمر القاهر رضيت أمريكا من الغنيمة بالإياب، ورضيت بالتنازل عن جميع عهودها، ورضيت بالفضيحة بكل معانيها، ورضيت بالهزيمة بجميع صورها..

وكأنها تقول :

ليقل العالم ما يشاء عن أمريكا، فذلك أمر لا يقارن بقضية البقاء أو العدم !!

لقد أدركت أمريكا حجم الكارثة التي حلت بجيشها هناك، وأدركت أن بداية نهايتها في العراق قد انطلقت، وأن بداية نهايتها في العالم بخروجها مهزومة أمام العراق، وأن العالم لن ينتظر اعترافها بنفسها بالسقوط، حتى يتولى غيرها زعامة العالم… لا، فالبديل جاهز  وهو ينتظر صعود كرسي الزعامة بديلاً عنها..؟!

انتهت معارك الفلوجة… وبانتهائها خرجت صور التعذيب والفضائح الأمريكية إبان الهزيمة للقوات الأمريكية..

ولن نبحث هنا من الذي أخرجها، لكن المثير للتساؤل والتعجب هو أن اليوم الذي كانت فيه أمريكا تستقبل نعوش قتلى الأمريكان في الفلوجة، وفي اليوم الذي تعرض فيه الفضائح على فضائيات العالم هو ذات اليوم الذي كانت تعم فيه الاحتفالات أوروبا الجديدة، أوروبا الكبرى، حيث أعلن فيه الاتحاد الأوروبي ولادته الكبرى..؟!

فشتان بين الصورتين.. شتان !!

فهل كان ذلك بتخطيط بشر..؟!

فمن أدرى الاتحاد الأوروبي وغيره أن هذه الاحتفالات ستوافق هزيمة أمريكا، وقد حدد موعد هذا اليوم قبل عام على الأقل من تاريخه، ومن أدراهم بهزيمة أمريكا في الفلوجة، أو أن الفضيحة في سجون العراق سوف تظهر في هذا اليوم تحديداًَ..؟!

إنه وعد الله.. {إنه كان وعده مأتيا }..؟!

إنه نصر الله.. {وكان حقا علينا نصر المؤمنين }..؟!

إنه أمر الله.. {لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم}..

نحن لا نقول أن انتصار أوروبا الجديدة هو انتصار للإسلام، ولكننا نتحدث عن هزيمة أمريكا الكبرى في الفلوجة العظمى، فما بعد الفلوجة إلا انفراط التاج الأمريكي على العالم..

فلقد تحولت أمريكا ولأول مرة على جميع المستويات من مهاجمة إلى مدافعة… من مدعية إلى معتذرة، ومن مستعلية إلى واضعة رأسها في الوحل، طالبة السماح والعفو… من أكبر رأس فيها إلى أصغر رأس…؟!

ولم يكن هذا التحول من منهجية هذه الحرب، وهذا الانقلاب بين الكفتين وهماً أتوهمه خلف الأسطر، إنما هي الحقيقة المسطرة على خطوط القتال في أرض العراق، وأينما

وجدت أمريكا في هذا العالم، وأذكر من صور هذا التغير  :

أولاً: تركت أمريكا المداهمات الليلية والنهارية تماماً، فأصبحت تخشى على نفسها المداهمات في مواقعها بعد موقعة الفلوجة..؟!

ثانياً: تركت التفتيش على الخطوط السريعة، فأصبح الفرد يتنقل كما يشاء في داخل وطنه… اللهم إلا من تفتيشات لا تذكر بالنسبة لما كان عليه الحال، وهذه أكبر علامة على ارتخاء القبضة الأمريكية.. وهو البداية الحقيقية لتأديب التمثال الأمريكي.. وكل ذلك كان بعد موقعة الفلوجة..!

ثالثاً : إطلاق المئات من المساجين من المعتقلات الأمريكية داخل الأراضي العراقية، بينما كان الحال قبل الفلوجة هو العكس، فقد شهدت الاعتقالات ذروتها قبل الهجوم على الفلوجة..؟!

رابعاً: انخفضت العمليات الجهادية ضد الأمريكان في داخل بعض المدن السنية وذلك لغياب الأمريكان عن الأعين أصلاً… واختفاؤهم اختفاءً شبه تام.. بعد هزيمتهم في الفلوجة، اللهم إلا من الأماكن التي يعتقدون أنه ليس فيها عليهم من خطر ..؟!

كما أطاحت بمقاومة مجموعة من الرؤوس منها  رأس أحمد الجلبي الذي تخلى أولياؤه عنه.

فقد أعلن وونغتز (نائب وزير الخارجية الأمريكي) يوم الأربعاء 19/5/2004 ‘ أن أحمد الجلبي كان يستلم من المخابرات الأمريكية ثلاثمائة وخمسة وثلاثين ألف دولار أمريكيشهرياً، نظير المعلومات التي يقدمها للاستخبارات الأمريكية’، ليتمم بذلك فضائحه السابقة الصارخة في كل مكان…

وبعد الفلوجة بدأ منجل الحق يصل إلى الأمريكان حيث لا يصل منجل الجهاد، وبدأت رؤوس الكفر تهتز ارتجافاً من قطافها المحتوم بإذن الله..

فهاهم قادة القوات يُستجْوبون أمام العالم على الفضائح، وهاهو رامسفليد يظهر لأول مرة متهماً، بل كاذباً ذليلاً، ومن حسن تدبير الله تعالى أن يخرج بوش ليدافع عن هذا الغريق دفاع المستميت، ليربط مصيره بمصيره وهو لا يدري.. لا لينقذه كما يظهر، ولكن ليذهب معه إلى قاع المحيط الأسود.. وكان العقل يقتضي أن يتفق بوش معه ومع طاقمه سرياً على تعويضه وتكريمه، وإرضائه وإقناعه بالاستقالة، ليسلم البقية، ويسلم الحزب الجمهوري.. لا أن يرتبط الجميع بصخرة هاوية إلى قاع المحيط… وسيتزلزل بهم البيت الأبيض كله إلى الأرض السابعة بإذن الله؟!

{فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين}( القصص : 81 )… فهل كان هذا التساقط إلا بعد وقعة الفلوجة المباركة..؟!

خامساً : تحويل إدارة العراق من وزارة الدفاع الأمركية إلى وزارة الخارجية.. وهذه أكبر علامة على أخطر تحول…

فلقد كان المخطط أن هذا التحول بعد انتصار القوات العسكرية انتصاراً تاماًَ، وشبه تام، وبعد استقرار الأمر تسلم البلاد للخارجية… لكنها الحقيقة الفاضحة لهم.

إنه يمثل الاعتراف الرسمي بقرار من الرئيس بوش نفسه بالهزيمة.. ذلك أن وزارة الدفاع تمثل قوة أمريكا العسكرية، فليس ثمة تفسير لسحب صلاحية إدارة العراق من وزارة الدفاع إلى وزارة الخارجية إلا تفسيراً واحداً، وهو إعلان الهزيمة بطريقة غبية..

وهل انسحبت وزارة الدفاع في ظروف حرب وقتال أم ظروف سلم وسلام..؟!

وهل جاء سحبها من الميدان بعد تمكن وانتصار أم بعد هزيمة وفرار..؟!

ثم هل ما عجزت وزارة الدفاع بكل قوتها وجبروتها عن تحقيقه تقدر وزارة الخارجية على تحقيقه..؟!

وهل لوزارة الخارجية من يد تضرب بها بعدما عجزت إلا يد وزارة الدفاع، وقد كسرت هذه اليد في الفلوجة..؟!

لكن السؤال الأخطر من كل هذه الأسئلة هو : ماذا بعد وزارة الخارجية..؟!

وأخيراً.. فلنتذكر أن هذا التحول الجذري، والقرار الرئاسي، ما حدث إلا بعد ‘ يوم الفلوجة ‘..

سادساً : إعلان بريمر الأخير يوم الجمعة 14/5/2004 بأننا ‘ لا نستطيع البقاء في بلد لا يريدنا، وأن بقاءنا راجع إلى قرار الحكومة القادمة… فإن طلبت منا البقاء بقينا وإلا رحلنا، ونحن متأكدون أنهم لن يطلبوا منا الخروج..؟!’

سبحان الله، عبارات مرقعة مكسرة يصدق فيها المثل العراقي (يكسر ويجبر) لكن العذر أن صاحبها مكسور..؟!

هل كان بريمر لا يعرف حتى هذه اللحظة أن العراقيين لا يريدون بقاءهم في العراق، أم أن الهزيمة في الفلوجة أرته أن البقاء هنا مستحيل..؟!

وهل كان بريمر سيبلغ به الذل والهوان أن يعلق بقاءه علانية بقرار الحكومة العراقية القادمة  وليس قرار مجلس الأمن ولا البيت الأبيض..؟!

وهل كان ذلك سيكون لولا هزيمة الفلوجة..؟!

نعم، لم يكن هذا التصريح مفاجئاً بكل حيثياته، إنما الصدمة الكبرى هي هذه السرعة في إعلانه، والانفضاح في ألفاظه، فما كان من المراقبين أحد يتوقع أن الاحتلال لن يمر عليه إلا هذا الوقت القصير وينهار هذا الانهيار.. وأن انهياره في العراق سيكون بهذا التسارع.. وأن الاضطراب بلغ بأمريكا حداً تعجز معه عن تلميع هزيمتها بكل ما أوتيت من السيناريوهات والأصباغ والخدع حتى يقول بريمر : “لا نستطيع البقاء، إنهم لا يحبوننا..؟!”.

وقد كان يصرح قبل معركتها بأن هؤلاء قلة في الفلوجة، ولا يمثلون أهلها، وسوف نخرجهم منها ونعاقبهم عقاباً شديداً… بينما اليوم يعترف بأن الشعب العراقي لا يحبهم،وأنهم لا يستطيعون البقاء..؟!

فما الفارق ما بين الأمس واليوم..؟!

إن الفارق أو الفرقان هنا كان هو يوم الفلوجة

لكن السؤال الأخطر من كل هذا هو :

ما الخطوة التي ستتبع هذا التصريح الخطير..؟!

أي منحدر أعمق ستسلكه أمريكا، بعد هذا اليوم العصيب يوم الفلوجة..؟!

سابعاً : التنازل للفلسطينيين

تضرب أمريكا في الفلوجة فتنهزم،  فتدعو الملك عبدالله -ملك الأردن- مباشرة للحضور إلى واشنطن ليجتمع مع بوش، ثم يخرجان في مؤتمر صحفي ويلقي بوش بيانه الذي لا يذكر فيه شارون بحرف مدح واحد كما اعتادوا من الصلاة والسلام عليه، بل يذكر الفلسطينيين ويعرض التعاون معهم ويؤكد الإصرار على قيام دولة فلسطينية، ويعرض التعاون مع أبو مازن، وغير ذلك كثير  ويكتب بذلك كتاباً على نفسه.. هذا وهو الذي كان أثناء ضرب الفلوجة يستقبل شارون أحسن استقبال وقال عنه ما لم يقله رئيس أمريكي في يهودي من اليهود، والسؤال :

ما الذي جرى..؟!

هل قدم الفلسطينيون شيئاً..؟!

هل هدم شارون الجدار أو أعلن توقفه عن البناء..؟!

ما الذي حدث في العالم لأمريكا..؟!

إن الذي حدث هو أن أمريكا مقتنعة تمام الاقتناع أن هزيمتها في الفلوجة لم تكن في حدود الفلوجة وإنما هي هزيمة عالمية، هزيمة لأمريكا كأمريكا، وليس لفرقة من جيشها،  فجاءت تقدم للعالم مسحة اعتذار، تمحو به العار، وتعفي به آثار مصيبة الفلوجة العامة في قضية تهم العالم بأجمعه فكانت تلك القضية هي قضية فلسطين، القضية التي تهم العرب بشكل خاص والعالم بشكل عام..؟!

ولكن. أيصدق أمريكا ـ وهي تكذب في ظروف الانتصار والتمكن ـ من لم يصدقها في ظروف الهزيمة والخذلان.. ؟!

إنه اعتذار العملاق المهزوم الذي أخذ يجثو على ركبتيه وهو يتوسل ويقول : ارحموني، فها أناذا أرحم الضعفاء، وأرد الحقوق، ولا أعين الظالم شارون..!

ولأول مرة تمتنع أمريكا عن التصويت في قرار يدين إسرائيل..؟!

لكن، هل كان هذا إلا من بعد يوم الفلوجة..؟!

ثامناً : الإعلان عن حصار سوريا

لقد جاءت خطوة حصار سوريا ـ فيما يظهر ـ في الاتجاه المعاكس لهذا التحليل، لكن الحقيقة أنها موافقة لهذا السياق..

إن قرار حصار سوريا كان جاهزاً كما هو معلوم قبل الفلوجة، فجاءت نكسة الفلوجة لأمريكا، فكان لا بد من هذا القرار لأسباب..

فأولها أن أمريكا تعتقد بأن سوريا هي التي تغذي المثلث السني بالعراقيين العابرين الحدود منها إلى بلادهم…

ثم إن سوريا لم تمش على الخطوات المرسومة كما مشت الأردن، لذلك كان لا بد أن تضرب فتكون عبرة لآخرين مجاورين وآخرين من دونهم..؟!

أما ثانيها فإن أمريكا أحوج ما تحتاج إلى إعادة شيء من مهابتها التي أهدرت في الفلوجة  فكان الهدف الجاهز والفريسة الضعيفة هي سوريا، ولذا جاء هذا القرار أشبه برسالة عاجلة تقول : أمريكا لم تنهار، أمريكا هي أمريكا المخيفة،فلا يجترئ أحد على الخروج من حظيرتها، فضلاً عن العدوان عليها..!

لكننا نقول إن ثمة شيء أخطر من ذلك لا تدركه أمريكا بنفسها… حين تسرع أمريكا بنفسها لإنقاذ الأمة ولإهلاك نفسها، وذلك بتحقيق العلامة الشرعية الظاهرة في سقوط أمريكا بإذن الله…

فلقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بحصار وقع، وأخبر بحصار ثان… وبعده يكون الفتح…

فها هو بحمد الله تعالى قد ابتدأ الحصار الثاني، وما بقي إلا الفتح المبين القريب بإذن الله

تعال للحديث الذي لم يمر على المسلمين وقت أوفق لوقوعه ـ كما جاء ـ من هذا الوقت كما يظهر ذلك للجميع، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وهو ما رواه أبو النضرة فقال : كنا عند جابر بن عبد الله فقال : يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز(1) ولا درهم. قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل العجم يمنعون ذاك. ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مُدي(2). قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من الروم. ثم سكت هنية ثم قال : قال رسول الله  : >يكون في آخر الزمان خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عدداً ‘. قال : قلت لأبي النضرة وأبي العلاء : ‘ أتريان أنه عمر بن عبدالعزيز ؟ فقالا : لا<(3).

———

1)مكيال معروف لأهل العراق. قال الأزهري : هو ثمانية مكاكيك. والمكوك : صاع ونصف وهو خمس كيلجات.

2) مكيال معروف لأهل الشام، قال العلماء : يسع خمس عشر مكوكاً.

3) رواه مسلم برقم 2913 في الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل قيتمنى…. إلخ

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>