نافذة المرأة المسلمة: موقع المرأة في التنمية الشاملة (4)


5-  المرأة والسياسة:

أ- الانتخاب بين النساء:

يجوز للنساء اللواتي يحملن رأيا واحدا أن ينتخبن واحدة منهن للتعبير عنهن لمن يهمه الأمر. فقد روي أن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية أتت النبي عليه السلام، فقالت: إنِّي رسول مَن ورائي من جماعة نساء المسلمين يقُلن بقولي وعلى مثل رأيي، إن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك، ونحن معاشر النساء مقصورات مخدراتٌ قواعد بيوت وموضعُ شهوات الرجال، وحاملات أولادكم، وإن الرجال فُضِّلوا بالجماعات وشهود الجنائز، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربَّينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت رسول الله  بوجهه إلى أصحابه وقال لهم: (هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه؟ فقالوا: لا، يا رسول الله، فقال رسول الله  : انصرفي يا أسماء وأعلِمي من وراءك من النساء أن حُسْنَ تَبَعُّل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاتِه واتِّباعها لموافقته تعدِلُ كل ما ذكرت). فانصرفت أسماء وهي تهلِّل وتكبِّر  استبشارا بما قال رسول الله .

لا يستفاد من هذا الحديث أن النساء قواعد بيوت لا يخرجن أبدا، ولا يتكلمن مع الرجال وفي التجمعات، وإلا لما قال  لأصحابه: أسمعتم؟ ولو لم يكن أصحابه يسمعون تلك المرأة لما قالوا للنبي عليه السلام: نعم. وإلا عُدَّ ذلك كذبا منهم وسؤالا عبثا من النبي، إن ذلك قول يعصف بعقيدة المسلم كلها. ولو كان الحديث بينها وبين الرسول وأصحابه في بيت، لما قال الراوي عن هذه المرأة: فانصرفت أسماء وهي تهلِّل وتكبِّر  استبشارا. فهل تنصرف مكبرة من هذا التجمع من بيتها!؟ وعلى كل حال فكلام المرأة أمام الرجال حاصل، اتنخاب النساء امرأة تمثلهم حاصل أيضا، وهو المراد.

ب- الاستشارة السياسية وغير السياسية:

بعد حق النساء في الانتخاب بينهن، ما يدلعلى النضج بينهن، يأتي ما هو أفضل للتنمية وهو تفعيل الدور النسائي في البناء، وهو المساهمة المباشرة للمرأة في الاستشارات السياسية وغير السياسية إلى جانب الرجل. ما يؤكد الدور الشامل لكل عناصر المجتمع المعنية بالتنمية الشاملة. إن المرأة شريك أساسي في التنمية مثل الرجل، واستشارتها واجب شرعي لما يهمها كشؤون السياسة وغيرها، بل والذهاب إليها حتى البيت من أجل الاستشارة.

إن في قصة انتخاب الخليفة بعد وفاة عمر ] من بين الستة الذين اختارهم، أن هؤلاء اجتمعوا، وبعد مشاورة منهم اختاروا عبد الرحمان بن عوف ليختار واحدا من اثنين: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب. قال ابن كثير عما فعله عبد الرحمان بن عوف: (ثم نهض عبد الرحمان بن عوف ]، يستشير الناس فيهما -أي: في عثمان وعلي- حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجالهن).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (بقي عبد الرحمان بن عوف يشاور الناس ثلاثة أيام، … وأنه شاور حتى العذارى في خدورهن).

وقبل عبد الرحمان بن عوف، كان رسول ، يستشير النساء في الأمور العظيمة ويسترشد برأيهن ويعمل به، وأم سلمة مجرد واحدة منهن :

حين تم توقيع صلح الحديبية، أمر رسول الله  المسلمين، بأن يذبحوا الهدي، ويحلوا من إحرامهم. ولكن الحمية الدينية داخلهم والصلح الذي منعهم من الطواف ببيت الله الحرام، أشعل ثورة في صدورهم، منعتهم أن يروا الحكمة في توقيع هذا الصلح، فاستعصى عليهم تنفيذ هذا الهدي. فدخل الرسول ، على زوجه أم سلمة بنت أمية، وهو شديد الغضب. فقالت: مالك يارسول الله؟ فلم يرد فكررتها عدة مرات، حتى قال   : (هلك المسلمون، أمرتهم بأن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا). فقالت أم سلمة: يا رسول الله، لا تلمهم فإن داخلهم أمرا عظيما. يانبي الله أخرج ولا تكلم أحدا منهم، وانحر هديك، واحلق رأسك. ففعل رسول الله  ذلك، فقام المسلمون فنحروا وحلقوا.

ج- البيعة السياسية:

لم تتوقف مسيرة المرأة في العملية التنموية، عند حدود الاستشارة فقط، وإنما قفزت بالمرأة إلى مستويات حضارية لم تحصل حتى في هذه العصور في دول عديدة؛ إسلامية وغير إسلامية.

إن قبول الرسول عليه السلام، تعهُّد النساء تحمُّلَ المسؤولية، تماما كما فعل الرجال -بدليل قوله عز وجل: {يا أيها النبي إذا جاءك المومنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا ياتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يعصينك في معروف، فبايعهن واستغفر لهن الله، إن الله غفور رحيم}- دليل واضح على الإسهام السياسي المباشر للمرأة في التنمية، في الإسلام.

ما من شك في أن البيعة سلوك سياسي محض. والمرأة لو كانت حبيسة الدار، مُحَجَّرٌ عليها -كما هو في العديد من دول العالم الإسلامي التي شلت المرأة وألغتها من كل القطاعات والميادين-، لما احتاجت الحضور إلى جنب الرجال لمبايعة النبي \، وقد كان في غنى عن ذلك من امرأتين أو أكثر بقليل، كما يتبين مما ذكرته أم عمارة حين قالت: كانت الرجال تصفق على يدي رسول الله  ليلة العقبة، والعباس آخذ بيد رسول الله . فلما بقيت أنا وأم منيع نادى زوجي غُزَيَّة بن عمرو: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعنك،، فقال رسول الله  : (قد بايعتهما على ما بايعتكم عليه إلا أنِّي لا أصافح النساء).

ولما فتح الله تعالى على نبيه عليه السلام، جاءت نساء مكة يبايعنه فأمره المولى سبحانه بمبايعتهن. قال تعالى : {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا …ولا يعصينك في معروف، فبايعهن واستغفر لهن الله، إن الله غفور رحيم}

وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني عن أم عطية رضي الله عنها قالت: لما قدم رسول الله  جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب ]، فقام على الباب فسلم عليهن فرددن السلام، فقال: أنا رسول  رسول الله  … تبايعن على أن … ولا تعصين في معروف، قلن: نعم.

وأخرج الإمام مالك عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة قالت: أتيت رسول الله  في نسوة بايعنه على الإسلام، فقلنا: يا رسول الله، نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا … ولا نعصيك في معروف. فقال رسول الله : (فيما استطعتن وأطعتن) قالت: فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يارسول الله. فقال رسول الله : (إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحد، أو مثل قولي لامرأة واحدة).

وروى الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله  بعد أن صلى صلاة العيد أتى النساء اللاتي حضرن المصلى ليشهدن صلاة العيد ومعه بلال، فقرأ النبي عليه السلام: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا .. ) الآية، حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ: أنتنَّ على ذلك؟ قالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله…. إلخ..

د- المرأة والحكم:

لم تتوقف المهمة التنموية للمرأة في الدولة الإسلامية عند مجرد الاهتمام برأيها في القضايا الكبرى التي تهمها، وإنما قال الفقهاء أيضا بحق المرأة في تولي الوظائف العامة، وزاد الأحناف، أن لها تولي وظيفة القضاء مطلقا دون تقييد.

يقول صاحب “بداية المجتهد ونهاية المقتصد”: (اختلفوا في اشتراط الذكورة فيمن يصح قضاؤه، … وقال الأحناف: يجوز أن تكون المرأة قاضيا في الأموال، قال الطبري يجوز أن تكون المرأة حاكما على الإطلاق في كل شيء).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>