مازلنا نقرأ ونسمع في وسائل الإعلام لهواة الجعجعات البلاغية ممن لم يعجزهم المعجم اللفظي ليواصلوا تحديثنا عن إهدار الجنود الأمريكيين (لما بقي من ماء وجوهنا)؟؟!! بمعاملاتهم الهمجية ضد إخواننا العراقيين، وكأنهم لا يعرفون أو لا يريدون أن يعرفوا أن وجوهنا الـمتيبسة بفعل النيران اللافحة المتعاقبة على الجسم العربي من جهات عدة، واستئثارنا النوم في عسل البلاغات والتنديدات والاحتجاجات الصالونية ، أفقدنا ماء الحياة رقعة رقعة، ولم يعد هناك من ماء ولاحتى طمي راكد بوجوهنا، وإلا لكان وجه التاريخ تبدل منذ زمن بعيد، ولكان كل عربي ومسلم لا يجد حرجا في أن يخاطب سحب السماء كما خاطبها أحد خلفائنا الراشدين بالقولة الشهيرة (أمطري حيث كنت فسيأتيني خراجك)، كناية على عولمة رحيمة وراشدة لهذا الدين فتح أصحابها الرعاة -عندما أهل عليهم نور الإسلام العظيم ، ونفحات النبوة- فارس والشام ومصر وعبروا مضيق جبل طارق، ووصلت أقدامهم إلى الريفييرا الإيطالية وشواطئ بحر جنيف ومناطق أعالي نهر الراين كما يحكي ذلك بتفصيل محمل بالخلاصات القوية الدلالة “حيدر موسى عبد العظيم” في كتابه : (أزمة إنسان)، حتى قال أحد قادتهم العظام وهو يقف على ساحل المحيط الأطلسي ممتطيا فرسه :”اللهم فاشهد أني لو كنت أعلم أن وراء هذا البحر أرضا لخضته غازيا في سبيلك”..
هل أتى على الأمة أمر كما يقول الشاعر”لا مرد له” إلا أن يعتبر كل مسلم أن قضية الاستضعاف والاستكبار قضيته ويكف عن الركون إلى صف الفرجة ، فإن أصاب الأمة قرح انخرط في جلد الذات وصياغة الحمم اللفظية وراء الحمم من نوع : (أهدرت ، وأريقت، وسفحت ، ولوثت الخ الخ) دماء وجوهنا!!.. وإن حققت الأمة نصرا باهضا في فلسطين والعراق والشيشان صاغ زلازل بلاغية أخرى من نوع : (نحن القضاء المحتم، وسنقذف بالصهاينة في البحر، وهلك العدو وسنصلي غدا في القدس)!!.. وهي النفسيات المضطربة التي عناها خالقها سبحانه وتعالى بقوله : {إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا}..
وبالتعبير المتداول : قتلتنا “عقلية الشماعة “التي ما فتئت تدفع بنا إلى التنكب عن مسؤولياتنا في وصول السكين إلى غور العورات والأعراض الإسلامية..
إن أولئك العرب الذين نعتناهم بالجاهليين قال أحد شعرائهم وهو (طرفة بن العبد) في إشارة إلى استعداده المطلق لدفع شر يداهمه :
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني
عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
فما بالنا نحن الذين غرفنا من مشكاة النبوة، العزة والإباء الذي ترجمه قول الشاعر: (لنا الصدر دون العالمين أو القبر) نربأ بأنفسنا أن نـنـزلها من مواقع الفرجة ونلقيها في اليم للتدافع الرسالي ضد إرهاب المستكبرين كما الأمم الحية؟؟..
وبصيغة أقرب إلىالواقعة البربرية المريعة التي وقعت في سجن أبو غريب، لنتخيل سجنا عربيا يتم فيه استحياء سجين غربي واحد فيعرى ويغتصب أو تنهش الكلاب أعضاءه التناسلية، هل كان الغرب يرضى بغير حل واحد لغسل العار : غزونا وإغراقنا بالأساطيل وكوموندوهات الاحتلال من كل الأصناف ، فما الذي ينقصنا نحن لرد الفعل الملموس، ألسنا جميعا أبناء تسعة أشهر كما تردد أمي؟؟!!
ألسنا والحال على ما هو عليه، على مشارف تاريخ قاس سيعيد نفسه معنا، بطبعة ليست بأرحم.. لقد كان جنكيز خان عندما وصل دولة خوارزم الإسلامية الكبرى ، حيث كانت تغطي معظم آسيا، كما روت ذلك الكاتبة والداعية المتميزة (صافي ناز كاظم) : “يقتحم القرية ويسأل أهلها مادينكم فيقولون الإسلام فيسألهم ماذا يعني الإسلام فيجيبونه كذا وكذا وأوامره كذا وحلاله كذا و حرامه كذا فكان جنكيز خان الهمجي الوثني يتلفت ويقول : ولكني لا أجد في أحوالكم أمرا مطاعا لربكم فلا حلاله حلالكم ولا حرامه حرامكم ، إذن فأنا نقمة ربكم عليكم وسيفه المسلط للإطاحة بأعناقكم عقاب عصيانكم”..
إن مصابا فادحا كالذي وقع في سجن أبو غريب لا يمكن إلا أن يخرج الجماد عن طوعه لا محالة فكيف بالإنسان الذي كرمه الله سبحانه ، فقد عرت فضلات العسكر الأمريكي علماء الأمة وحفظة كتاب ربـها من الأئمة العراقيين، وكذا النساء، وكدستهم عراة في زنزانة واحدة، حيث ظلوا أجمعين من الغبن و”الحكرة” والعجز يبكون زهاء ثلاث ساعات!!!..
بالله عليكم ماذا عساي أضيف من ثرثرة ، بعد سرد هذه الواقعة الأليمة، اللهم إننا مغلوبون فانتصر بل أعنا بحلمك على الصحو قبل فوات الأوان، صحو لا تقتصر فيه عنترياتنا على قتل بعضنا البعض و الحفر لبعضنا البعض حتى يصدق فينا حال ملوك الطوائف بالأندلس الذين استغرقتهم معاركهم الدنكشوتية للقضاء على بعضهم البعض والاستفراد بالحكم حد الاستعانة بالأعداء الصليبيين، فكانت الهزيمة الكبرى للعرب أجمعين وخروجهم مدحورين من الأندلس وسقوط غرناطة في أيدي المتربصين جزاء وفاقا ، وتطرف غطرسة محاكم التفتيش التي تروي كتب التاريخ أنها كانت تفتش في ضمائر الذين تنصروا عن بقايا إسلام حتى ولو بالاستحمام!!..
هوذا التاريخ الأسيف يعيد خلخلة جثثنا المتعفنة من خلال حكايات راهن أفدح من أمس غابر عائد !!، {وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون}صدق الله العظيم.