النفاق والمنافقون في مجتمعنا!


القرآن الكريم صنف الناس باعتبار الإيمان والكفر، إلى ثلاثة أصناف هم : المؤمنون، والكفار، والمنافقون.

فأما المؤمنون فقد قال الله تعالى في حقهم : {الذين يُومِنون بالغَيْب ويُقيمون الصّلاة وممّا رزَقْناهم يُنْفقون، والذين يومِنون بما أُُنْزل إليك وما أُنْزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون}(البقرة : 2- 3). فالذين يلتزمون بذلك هم المؤمنون المطيعون لله حقاً، المعترفون بوجوده وبجميع رسله.

أما الكفار فقدختم الله تعالى على قلوبهم كما أخبرنا بذلك القرآن الكريم {خَتَم الله عَلَى قُلُوبِهم وعلى سَمْعِهم وعلى أبْصارِهم غشاوة ولهم عذَابٌ عظيم}(البقرة : 6). فهؤلاء لا يعترفون بدين أصلاً بسبب عدم إمكان معرفتهم له، فهم يقفون منه موقفاً حاسماً صريحاً.

أما المنافقون فحالهم عجيب، فهم مديدبون بين بين. قال  : >مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أهذه تتبع أم هذه<(رواه أحمد). فقد يكون أحدهم أقرب إلى الإيمان، وقد يكون أحدهم الآخر أقرب إلى الكفر، فالذين يظهرون في كذب الإيمان، ويحاولون خديعة المؤمنين، هؤلاء أكثر أهل النفاق شراً وسوءاً، وهم الذين قال الله تعالى فيهم {ومِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا باللّهِ وباليَوْمِ الآخِروَما هُمْ بِمومِنِين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يَخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذِّبون}(البقرة : 7- 8- 9).

فهم يتأرجحون بين الإيمان والكفر، ويخدعون المؤمنين، ويسودهم المرض والشك.

المنافقون يزيفون الحقيقة، ويتظاهرون بالإيمان، ويسلكون مسلك المتعبدين، مع أنهم يبطنون خلاف ما يظهرون فهذه خيانة وخداع، أما الكافر فإنه عدو ظاهر، يأخذ المؤمن منه حذره، ويحاربه حرباً شريفة، وقد يقنعه بالحجة والموعظة الحسنة، ولكن المنافق بعد تظاهره بالإيمان، يدخله المؤمنون في زمرتهم، وإذا به يخدعهم ويخونهم، {اتّخَذُوا أيْمانَهم جنَّة فصَدّوا عن سَبِيل اللّهِ}(المنافقون : 2).

النفاق يدل على مرض النفس وخبثها وشكها في القيم النبيلة، فلا تدري إلى أي قيمة تتجه، وصفحات التاريخ مملوءة بألوان من النفاق السياسي والفكري، واضطراب الناس بين التيارات الحزبية المختلفة، مما كان سبباً -ولا يزال- في تفككها وانحلالها وذهاب ريحها.

إن اليهود كانوا أهل نفاق في زمان النبي  وهم كذلك اليوم- أرادوا أن يفسدوا دعوته بهذا اللون من الطعن من الخلف بتحريض المنافقين على النبي ، وإلباس الباطل ثوب الحق، وفي ذلك نزلت الآيات من سورة البقرة {أفَتَطْمعُون أن يومِنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالواأتُحَدّثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفَلا تعقلون}(البقرة : 74- 75).

كانت هذه حال اليهود في زمان النبي ، ووقت نزول القرآن، ولا يزال التاريخ يعيد نفسه، فيسعى اليهود في فلسطين المحتلة والعراق -اليوم- إلى الإفسادوالفساد والطعن في المقدسات وإغراء المنافقين من بيننا بالسلطة والمال.

كان الأخنس بن شريق منافقاً حلو الكلام، يقول للنبي  إنه مؤمن به ومحب له، فأظهر الاسلام، ثم مر ذات يوم بزرع وحمر لقوم من المسلمين، فأحرق الزرع وعقر الحمر ليلاً، سعياً إلى إفساد الحرث والنسل، وهو الذي نزلت فيه هذه الآيات الكريمة من سورة البقرة {ومِن النّاس من يعجبك قوله فِي الحَياة الدنيا ويَشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإِذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذَا قِيل له اتّقِ اللّهَ أخذَتْه العزّة بالإثْم فَحَسْبه جهنّم، ولَبِيسَ المِهاد}(البقرة : 202- 203- 204).

لما ذكر الله تعالى صنيع المنافقين في شخص الأخنس، ذكر بعده صنيع المؤمنين في شخص صهيب بن سنان بن مالك، الذي هاجر إلى المدينة حين اشتد إيذاء مشركي قريش له، وترك ماله، وباع نفسه بالجنة، قال تعالى : {ومِن النّاس من يشْرِي نَفْسه ابْتِغاء مرضَات اللّه والله رَؤُوفٌ بالعباد}(البقرة : 205).

إن ضعف نفس الإنسان هو الذي يحول بينه وبين التمسك بالقيم الصحيحة فيزيفها، ويتظاهر بالتعلق بها، فينكشف أمره ولو بعد حين، قال الشاعر :

ومهما تكن عند امرئ من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس تُعْلَمِ

هؤلاء المنافقين وصفهم الله تعالى في سورة النساء بالخداع والتدبدب وحكم عليهم بأنهم في الدرك الأسفل من النار يوم القيامة قال تعالى : {إنّ المُنافِقين يُخادِعون الله وهُو خَادِعُهم، وإذَا قَامُوا إلى الصّلاة قاموا كُسَالَى يُراءون الناس ولا يَذكرونالله إلا قَلِيلاً مُذَبْذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء}(النساء : 141- 142) {إن المُنافِقين في الدّرك الأسْفَل من لنار ولنْ تَجِد لهم نصيراً}(النساء : 144).

وما شاع النفاق بين قوم في شئون الدين والدنيا، إلا عمهم الشر والباطل، وزهق بينهم الخير والحق، وكانوا في الدنيا والآخرة من الخاسرين. فاللهم لا تحرمنا نعمة الصدق والوفاء والأمانة، وجنّبنا رذيلة النفاق.

والخيانة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>