موقع المرأة في التنمية الشاملة (3)


2- حرية الرأي:

إن القرآن والسنة النبوية والوقائع التاريخية تثبت بأن المرأة مثل الرجل في حرية التعبير بما يضمن لها حقوقها كاملة، بما فيها حق المساهمة الفعالة في التنمية. ولا أدل على ذلك مما ورد سابقا في إسهامات المرأة في المسيرة العلمية. ويمكن هنا، إضافة أن النساء كن يراجعن النبي عليه السلام في أمور دينهن ودنياهن وحتى في مناكحهن، لا يستحين في الدين من الرجال، والأمثلة كثيرة جدا.

< المرأة في وجه الطاغية :

لما كان من خبر أسماء بنت أبي بكر “ذات النطاقين”، أن الحجاج بن يوسف الثقفي قتل عبد الله بن الزبير بن أسماء  وأبقاه بعد قتله مصلوبا على خشبة، دخلت أسماء رضي الله عنها، على الحجاج لتكلمه بإنزال ابنها عبد الله بن الزبير ودفنه، وعدم إبقائه مصلوبا، فقالت له: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ قال: المنافق؟ قالت: لا والله، ما كان منافقا، قد كان صواما قواما. قال الحجاج: إذهبي فإنك عجوز قد خرفت. فقالت أسماء: لا والله ما خرفت..

إن هذا  النص واضح الدلالة على أن ليس للمرأة حق الكلام ومراجعة النبي في الدين والتعلم والتعليم فقط، بل حتى على الاعتراض على الطاغية نفسه ومواجهته. وتلك مواجهة لم يكن أمام أسماء رضي الله تعالى عنها أن تفعلها لولا أن منطق الإسلام يسوغ لها ذلك، فقد كانت النساء يقتلن، ولا ناظر في أمرهن. إن المرأة حين تصل إلى حدود الاعتراض على الحاكم نفسه يهون عليها الإسهام في الأمور الأخرى ومنها حقول التنمية بكل شعبها

3- الاشتغال خارج البيت في حياة الزوج:

أخرج البخاري رحمه الله تعالى، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: (تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضحٍ (الجمل الذي يستقى عليه الماء)، وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرزُ غربه وأعجنُ ولم أكن أُحسن أخبز، فكان يخبزه جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدقٍ، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله   على رأسي، … حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني).

إن قصة حمل أسماء النوى من أرض بعيدة عن بيتها لحاجة زوجها لهذا العمل، واطلاع النبي عليه السلام على حالها وفعلها، وسكوته عليه السلام دليل واضح في جواز عمل المرأة خارج البيت. وجاء في رواية مسلم لهذه القصة  كما ذكر ابن حجر: (وكنت أخدم الزبير خدمة البيت…).

وللمرأة إذا رفضت العمل، أن توكل من تشاء في سائر ما تملك، قال ابن قدامة الحنبلي في “المغني”: (وكل من صح تصرفه في شيء بنفسه، وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه رجلا أو امرأة).

وإذا صارت الوكالة من امرأة لامرأة دل ذلك على التصرف في المال ولو بالخروج من البيت، ما يدل صراحة على المشاركة النسائية المباشرة في التنمية الاقتصادية من موقع المستثمر الممول والعامل الوكيل.

4- تولي الحسبة:

مسيرة المرأة في التنمية في الإسلام لم تقتصر على التعلم والتعليم أو حرية التعبير والنقد، ولا حتى الاستثمار في الاقتصاد تمويلا وعملا، وإنما انسحبت على كل المجالات بما فيها الإشراف والتصرف العام في شؤون الاقتصاد كله.

ذكر صاحب “الاستيعاب” أن سمراء بنت نهيك الأسدية، كانت تمر في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها.

وذكر رحمه الله تعالى أيضا، أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولّى الحسبة في سوق من الأسواق امرأة تسمى “الشفاء” أم سليمان بن أبي خيثمة القرشية العدوية، من المهاجرات الأُول، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها، وربما ولاها شيئا من أمر السوق.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>