مع كتاب الله عز وجل :{الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون}


التوكل على الله برهان استقرار العقيدة

{الله لا إله إلا هو} هو العقيدة هو المنْطَلَق والأساس، ولكن البرهان على استقرار هذه العقيدة في النفس هو أن يكون الإنسان متوكلا على الله، مفوّضا أمره إلى الله، معتمدا عليه، فالتوكل ليس شعارا يُرفع، وإنما هو نتيجة طبيعية لليقين في الله عز وجل.

إن التوكل عبارة عن الاستناد إلى الله عز وجل وعبارة عن اللجوء إلى الله عز وجل والتعويل عليه سبحانه وتعالى، انطلاقا من العقيدة التي هي “لا إله إلا الله”.

فالذي يعلم أنه محكوم بإله عدْل يدبر له، ويتصرف له، ويدافع عنه، فإنه يثق بالله عز وجل لأن التوكل نابع أساسا من الثقة بالله عز وجل، فالمتوكل على الله هو الواثق به، إن الذي يثق بالله يعلم بقدرة الله، ويعلم برحمة الله، هو الذي يمكنه أن يستند إلى الله.

لكن الذي يتصور أن الله لا ينصره، وأن الله يمكن أن يُسْلِمَه أو يَخْذُلَه، وأنه ليس بمكانة وموضع الرعاية من الله، هو الذي يبحث عن آخرين ويستند إلى آخرين، ويطمئن إلى آخرين.

الثقة بالله تعالى عنصر أساسي في حُسن التوكل

إذن فالتوكل أو عدم التوكل ناشئ أساسا عن الثقة أو عدم الثقة بالله، واللهُ أراد لنا أن نكون عليه متوكلين : {وعلى  الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} (سورة المائدة).

إذن إن زعمتم أنكم مؤمنون فإن إيمانكم يقتضي منكم أن تكونوا معتمدين عليه، بمعنى أنكم تنطلقون من ثقتكم بالله. ولقد سبق أن أشرت أن الإنسان حينما يكون مثلا مطلوبا في قضية ويحتاج إلى أن يوكِّل عنه وكيلا بالخصومة فإنه لا يختار أي وكيل، وخصوصاً إذا كانت القضية بالنسبة إليه قضية مصيرية فإنه يحتاج إلى من يظهر حجته، فإن قيل له إن محاميا قد تخرج هذه السنة، فربما لن يستند إليه لأنه يظن أنه ليست له الكفاءة والمعرفة والخبرة الضرورية، فإن قيل له أن هناك محاميا من شأنه أنه يعْلَمُ خبايا القضايا، ومن شأنه أن له طلاقةً في اللسان، ومن شأنه أن له إخلاصا في القصد، ومن شأنه أنه لا يبيع القضية. فإن اطمئنانه إلى هذه الصفات هو الذي يجعله ينطلق إلى هذا المحامي ويفوض أمره إليه، بل ويقبل حتى الثمن الباهظ الذي يطلبه هذا المحامي، لأن له من الثقة في هذا المحامي ما يجعله يستهين بالمال، لكنه لا يثق ربما بمحام آخر يقال له إنه ليس له علم بالقانون أو ليس له خبرة بطرق الدفاع، أو كذا… أو كذا.. أو هو خائن.

إذن فالتوكل على الله سبحانه وتعالى أبدا دائما ناشئ عن اعتقاد الإنسان في الله، فمن حَسُنَ اعتقاده في الله توكل عليه ومن ساء اعتقاده في الله لم يتوكل عليه.

والله يريدك أن تكون عبدا له، فلذلك دعاك أن تتوكل عليه في كل أمورك وقال إنك إن أحسنتَ التوكل، أحسنتُ الدفاع عنك، وكَفَيْتُك كل شيء، وهذا التزام من الله تعالى حينما يقول : {ومَنْ يتَوَكَّل على اللَّه فهُوَ حَسْبُه}، أي كافيه لا يحتاج وكيلا آخر.

إذن فالمنطلق في هذه المسألة دائما من الإنسان الذي يجب أن يصحح نيته ويصحح توكله فإن صح منه التوكل كان من الله عز وجل الدفاع عن هذا الإنسان.

التوكل على الله عز وجل شرف

واللجوء للإنسان حِطَّةُ وذل وخسة

إن التوكل على الله تعالى شرف للإنسان من جهة أنه يربط الإنسان بالله، ولا يربطه بالمخلوقات، والفرق كبير أن يكون الإنسان متعلقا بالمخلوقات، وبين أن يكون متعلقا بالخالق، إنك حين تتعلق بالخالق وتلجأ إليه وتُلقي ثِقْلَكَ ببابه وتشكو إليه ما ضرك ونابك فإنه لا يردُّكَ.

إن الله تعالى يغضبُ من العبد الذي لا يطلبُه ولا يسأله، والعبد على النقيض من ذلك، إن العبد يغضبُ إذا سألتَهَ، إن العبد قد يُجاَمِلُكَ يوما ما فيعطيك ويعطيك ويدافع عنك، لكنك إن أكثرت السؤال مَلَّكَ ورفضك.

لو كنت تمر بإنسان كل يوم وهو جالس على كَوْمة من التراب فتقول له يا فلان أعطني حَفْنَةَ تراب هذا اليوم، فيقول الأمر هين، خُذْ حفنة تراب وقد يعطيكها بنفسه وهو مستبشر، وتمرُّ به الغد وتقول له أعطني حفنة أخرى، فيعطيك وهو أقل استبشارا من الأمس، وتمر به في المرة العاشرة، فيقول لك لقد أزعجتني وأتعبتني وقد مللت طلباتك المتكررة، رغم أنه لا يعطيك إلا التراب. كما قال الشاعر :

ولو سُئِل الناس التراب لَأًوْشَكُوا

إذا قيل هاتوا أن يَمَلُّوا ويمنعوا

أي لو سألت الناس لملوا ومنعوك التراب، لكن الله تعالى يغضب إذا لم تسأله، والفرق إذن كبير، بين أن تلجأ إلى من أبوابُه مفتوحة، وبَيْن أن تسأل من إذا طرقت بابه قال لك خادمُه إن سيدي اليوم نائم، ارجعْ في يوم آخر لعلك تجده يقظان، وقد لا يكون نائما.

إذن اللجوء إلى الله شرفٌ، واللجوء إلى الإنسان حِطَّةُُ ووضاعَة،  لذلك أرادك الله أن تلجأ إليه وأن تفوض أمرك كله إليه، ثم إنه بقدر ما ينقطع توكلك على الإنسان، يُفَتِّقُ الله فيك المواهب، وتظهر طاقاتُك المودَعَةُ فيك.

إن من أصول التربية التي يعرفها القاصي والداني أنك إذا كنت تربي طفلا، فإن هذا الطفل لا يجوز أن يكون كَلاًّ عليك، معنى هذا أنت تريد أن تعلم طفلا المشي فتعلمه بواسطة عربة صغيرة أو كرسي متحرك كما يفعل بالأطفال حيث يوضع لهم كرسي له عجلات، ويتحرك الطفل معتمدا على تلك العجلات، فلا يزال معتمدا عليه، لو طال اعتماده عليها لما استطاع أن يمشي بعد ذلك، لكنك بعد أن يستوي قليلا لا بد أن تأخذه فتجعله يمشي ويسقط في اليوم الأول ويسقط في اليوم الثاني ويبكي، ولكن في اليوم الثالث يبدأ يمشي مترنحا وبعد ذلك بمدة يستقيم، وبعد مدة يسرع ويجري، لماذا جرى الطفل واستطاع أن يسير؟ لأنه أزال اعتماده على تلك الآلة، لو ظل معتمدا عليها لما استطاع أن يسير أبدا.

وفي كل الأشياء، دائما من أصول التربية أن تدع الطفل يجرب بنفسه، أن يحاول، يسقط يكرر التجربة، وفي الأخير ينجح، ألا ترون أن العصفورة تدرب صغيرها قليلا على شجرة في فصل الربيع ثم بعد مدة تقذف به هي نفسها من فوق العش، فلا يجد حينئذ بدا من أن يحرك جناحيه فيترنح قليلا قليلا ثم بعد ذلك يتعلم الطيران، لولا أنه تُرِك ليحاول لما استطاع أن يطير أبدا، والله أراد منك ألا تكون عالة على الإنسان فَطِرْ بِجَناَحَيْكَ.

عدم التوكل  أورد المسلمين موارد الهلاك

اعتمد على الله وفَتِّقْ مواهِبَكَ، اعتمدْ على الله فلا تنظر يمينا ويسارا، ابحث عن قوتك من ذاتك معتمدا على ربك، إن كانت لك قضية فلا تجعلها قضية الناس، لك قضية تحرير أرض، أنت مغصوب فيها -أي غُصبتْ أرضك- فليست هذه القضية قضية الروس ولا الأمريكان.

إنها قضية الأمة الإسلامية، الأمة الإسلامية كانت تفكر في كل شيء إلا في الاعتماد على الله، فكان بعضهم يبشرنا بأن الروس سوف يفعلون العجائب والبعض قال إن أمريكا سوف تكون صديقا حليفا لنا وترفع الظلم عنا، وتُرِيحُنا، وتَأَرْجَحْنا ببين يمين ويسار، حتى صار أمر إسرائيل واقعًا فينا، فأصبحنا نتسابق في تقديم الولاء لها، إنها عقوبة الله على ترك التوكل.

ألم يكن العالم الإسلامي قادرا على أن يجتث إسرائيل يوم بدأت؟ ألم يكن العالم الإسلامي في الأربعينات قادرا على أن يوقف المد والزحف الإسرائيلي؟؟

نعم، ولكن الناس كان منهم المُشَرِّقُ والمُغَرِّبُ، وكانت منهم الأحزاب الشيوعية ـ الأحزاب الشيوعية العربية البئيسة التي أوصلت الناس إلى هذه الكارثة ـ والتي كانت تقول : إن إسرائيل فئةٌ مظلومة وسط الرأسمالية والامبريالية العالمية.

إسرائيل نفسها كانت تُعْتَبَرُ عند التقدميِّين عِنْدَنا دولةٌ أو فئة مضطهدةٌ عَبْر التاريخُ، يجب أن يحميها التقدميُّون عندنا، وحمَوْها، ووقفوا تَحْتَ لوائها وعَلَمِهَا، وانضوَوْا ضمن أحزابها، لأنهم كانوا مخدوعين، لأنهم لم يكونوا يفكرون تفكير الأمة الإسلامية المعتمدَ على الله، والقادرَ على جعلها ترُدّ عن نفسها هذا الذل الذي مُنِيَت به.

أي أكبر الهزائم وزمنُ الانحطاط في الحقيقة هو زمن الاحتلال الإسرائيلي فما بعد.، لأنه فضح الأمة العربية والأمة الإسلامية وبَّين أنها مجموعةُ وحداتٍ وأرقام ٍوليسَت أمةً مُتَكَتِّلةً، وليس لها منظورٌ واحد وليس لها شعار واحد ولا هدف واحد، وهي إلى الآن كذلك.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>