في حواره مع الأستاذة مر يم أحمد ياسين : هكذا كانت حياة أبي


أجرت ذة.مريم ياسين ابنة شيخ المجاهدين أحمد ياسين رحمه الله حواراً مع قراء موقع إسلام أونلاين نقتطف منه ما يلي :بيت  متهالك

بيت الشيخ يتكون من 3 غرف، في البيت شبابيك متهالكة جدا.. بيت متواضع جدا.. أبي لا يحب الدنيا، يحب بيوت الآخرة.

وقد عرض على أبي الكثير أن يكون له بيت مثل بيوت الرؤساء. عرض عليه من السلطة بيت ضخم في أرقى أحياء غزة، لكنه رفض هذا العرض؛ لأنه يريد الآخرة ولا يهتم بهذه الشكليات الدنيوية.

البيت مساحته ضيقة. لا يوجد بلاط. المطبخ متهتك جدا. في الشتاء بارد جدا. والصيف حار جدا. لا يفكر مطلقا في تجديد البيت؛ لأنه كان مشغولا في تجهيز بيته في الآخرة.

أما عن الوضع النفسي فالحمد لله رب العالمين صابرون. وإن شاء الله نراه في الآخرة.. صابرون ونتمنى الشهادة مثله. والحمد لله الميتة مشرفة وترفع رأسنا.

الحمد لله صابرة. الوالدة تأثرت جدا. والآن الحمد لله صابرة وإن شاء الله تكون من الصابرين، والأخوات جميعا صابرات. ويتمنين الشهادة مثله.

والإخوة ربنا يخفف عنهم ويشفيهم، حيث هم في العناية المركزة ووضعهم صعب. والحمد لله عبد الغني خرج من العناية. الوالد كانت معاملته طيبة جدا لنا. كان أبا حنونا رحيما بأطفاله وشعبه وكان عطوفا جدا.

أعباء الدعوة لم تجعله يفرط في أهل بيته

كان يعطف على الصغير والكبير، لم يبخل على أي أحد. استشهد معه زوج أختي خديجة أحمد ياسين، واستشهد معه خميس مشتهي رحمه الله.

لا شك أن اهتمامه بقضية وطنه كانت تملأ عليه كيانه، وتأخذ معظم وقته، إلا أنه كان يقتطع من أوقات راحته القليلة ليتابع أمور زوجته وأولاده وأحفاده.

فهو رغم مشاغله لم ينقطع عني في أي مناسبة؛ فكان يشاركني أفراحي في ميلاد أبنائي، وكان في رمضان لا ينسى أن يمر في أوله وآخره.

وفي الأعياد كان يجلس بين أحفاده يداعبهم ويقبلهم؛ فكان رغم المشاغل الكثيرة مثالا للأب الحنون والإنسان العطوف.

لم يكن ليِّنا فقط مع أبنائه وبناته، ولكن أيضا مع جيرانه؛ فكان يشاركهم في جميع مناسباتهم كما لو لم يكن عنده من مشاغل وهموم وطنية.

الشيخ رحمه الله كان حريصا على أن يكون مستقبل أبنائه مستقبلا إيمانيا؛ فكانت تهمه عبادة الله وعلاقتهم مع الله سبحانه وتعالى.

أبناؤه لم يكملوا دراستهم لظروف مادية

كان يهتم بمستقبلهم الدنيوي؛ فعلمهم وأوصلهم إلى التوجيهية (الثانوية العامة)؛ حيث لم تكن ظروفه المادية تسمح له أن يدخلهم الجامعات.

ورغم أن أبي كان يستطيع أن يتصرف في كثير من الأموال فإنه لم يسمح لنفسه أن يستخدمها مطلقا في أمور شخصية.

ولذلك فالحمد لله جميع بناته منقبات. وجميع أبنائه من أبناء الحركة الإسلامية. وإخوتي عبد الحميد وعبد الغني كانا مشاركين لوالدي في مشواره الجهادي،والحمد لله كانت تنشئته لنا إيمانية، وضمن لنا مستقبلا دنيويا مستورا.

مؤمن بالقدر

لقد كان أبي يعلم أنه مستهدف وأنه مقصود، ولكنه كان مطمئنا إلى قدر الله، وأن ما يقدره الله سيكون مهما أخذ من احتياطات، وأبي أخذ احتياطات أمنية من باب الأخذ بالأسباب، ولكنه كان يريد أن يقدم نموذجا للشباب في ألا يخافوا من الموت، وأننا نطلب الشهادة بصدق.

ولذلك عندما خرج من المسجد وقبل 5 دقائق من استشهاده قال له أخي عبد الغني: يا أبي هناك زنانة (طائرة الاغتيال) في الجو. فقال والدي: “وأنا أنتظرها أيضا” بنوع من التحدي. وكان ما كان.

كان شارون المجرم، يريد رأس أبي منذ زمن، ولعله اختار هذا التوقيت بالذات ليؤكد استهزاءه بكل العرب والقمة القادمة وأنه لا يخشى أحدا.

أما أبي فقد كان لفلسطينيي الغربة والشتات مكانة عظمية في قلبه، وكان في جميع مواقفه يحرص أن يوصل لهم تشبثا منه بحقهم في العودة، وكان لا يتوانى عن الاستجابة لأي مطلب أو كلمة تطلب منه في أي حفل أو جامعة يدعى لإلقائها عبر الهاتف.

كما أن اهتمامه بهم عبر وسائل الإعلام كانت في حدود إمكانياته؛ فهو كان ذا إمكانيات محدودة، ولو كان لديه من وسائل الإعلام ما يستطيع أن يتحدث فيه بالخارج لجعل لهم من البرامج ما يطمئن له صدرك أيها السائل الكريم.

أبي يعطي نموذجا للرجل الذي عاش للإسلام؛ فكان كله للإسلام: أوقاته وجهده وماله لدينه؛ فكان يخرج من الصباح الباكر يدور على المساجد يدعو إلى الله سبحانه وتعالى وهو الرجل المشلول، ويكون صائما؛ فيدركه المغرب وهو في مكان بعيد عن البيت، فيمر على بقالة فيأخذ كوب لبن يفطر عليه ثم يواصل الدعوة إلى الله، ومشواره في باقي المساجد، فما من مسجد من قطاع غزة إلا وألقى فيه درسا أو خطب فيه خطبة، وما من مخيم إلا وحرص أن يوجد فيه فردا يعمل للإسلام.

درس في الجهاد والمقاومة

فرغم أنه المعذور عن الجهاد بسبب شلله وصحته فإنه أبى إلا أن يكون من المجاهدين الشرسين، فقام بتشكيل أول تنظيم إسلامي مسلح عام 1984، وقام باستثمار وتفجير الانتفاضة الأولى، ورغم تحذير الكثير من المفكرين له من أن منظمة التحرير الفلسطينية سوف تستثمر هذا الجهد الجهادي فإنه أراد أن يعذر إلى الله أننا ما تركنا الجهاد ونحن قادرون على أداء أي جزء منه.

درس آخر في الزهد في الدنيا

فرغم أنه كان مسئول حركة عظيمة فإنه كان يعيش في بيت متواضع لا يقبل أن يسكنه أفقر الناس. ويرتدي ملابس بسيطة ويتناول طعاما دون المتوسط.

ودرس أخير: وهو الثقة فيما عند الله سبحانه وتعالى، والاطمئنان على الأجل؛ فرغم أنه كان مهددا بالاسم بالاغتيال، ورغم محاولة اغتيال فعلية فاشلة فإنه كان على ثقة بأمر الله سبحانه وتعالى؛ فكان يجلس في البيت ويرفض أن يغادر حتى لقي الله شهيدا.

أحب أن أضيف هنا أن أبي كان يقدر الأخوات المضحيات ويفسح لهن من وقته ومن جهده الجهد الكثير، فما من شهيد إلا وذهب لتعزيته، وحرص على أن يلتقي بوالدته ويخفف عنها أيضا.

وكان دائما يقدر الأخوات ويشاركهن أنشطتهن رغم مرضه، وكان لا يرفض لهن أي طلب. ويرى فيهن نماذج للخنساء وأسماء والمسلمات العظيمات.

كيف كان يستقبل العمليات.

كان يتهلل وجهه فرحا أن مكن الله جند الإسلام من النيل من عدوهم؛ فكان يحمد الله تعالى وتروق عيناه لدموع الفرح، ويقول هذا هو طريق التحرير وبغير دماء تسيل لا يمكن لفلسطين أن تعود. وكان يفتخر بهؤلاء الشباب الذين يقدمون أرواحهم رخيصة ويظهرون قزامة العدو الغاشم.

رجل المداعبةوالملاطفة

أما موقف المداعبة فقد كان والدي كثير الملاطفة والمزاح، ولا يترك مجالا للمرح إلا يستخدمه.

أما عن موقف بكى فيه وقل أن يبكي أمثال أبي فقد كان يوم استشهاد الشيخ صلاح شحاتة. فقد كانت للشيخ صلاح في قلبه مكانةعظيمة فكان لوقع خبر استشهاده بصاروخ يزن طنا أثر بالغ الألم، كما كان لوصية الشيخ صلاح ألا يصنع له عزاء وألا ترفع له صورة أثر زاد من حزن الشيخ عليه. لذلك شيع شيخنا الشيخ صلاح بكرسيه وليس وهو راكب في سيارته مثل ما كان معتادا.

كان انطباع والدي الهدوء والاتزان، إلا أنه ذات مرة وبعد صلاة الجمعة دخلت علينا امرأة تولول لأن زوجها يريد أن يوقع بها بطشه وكان ظالما لها فما كان من أبي إلا أن صرخ في وجهه وخرج عن طوره وحدثه غاضبا أن يكف عن هذا الأمر، وفعلا اتزن الزوج وهدأ وجلس مع الشيخ ليحل قضية الزوجة المظلومة المتظلمة.

لقد كانت مشاغل أبي رحمه الله لا شك كبيرة ولكنه كان يعلم أن لأبنائه عليه حقا؛ فلذلك كان يقتطع جزءا من وقته يحادثهم ويطمئن على تحصيلهم، ولا ننسى أنه كان مدرسا وكان يهتم بأدائهم العبادات ومشاركتهم للندوات وفي مراكز التحفيظ، وكان يريدهم أن يكونوا من أبناء الحركة العاملين لهذا الدين.

ولقد حقق ما يريد؛ فها هم إخوتي وأخواتي جميعا من المحبين لدينهم الراغبين في أن يقدموا أرواحهم لهذا الدين.

موقف أثر في تربيتي

أما الموقف الذي أثر في تربيتي وما زلت أسير على نهجه في تربية أبنائي حرص أبي رحمه الله على الالتزام بالصلاة منذ الصغر؛ فكان يؤكد علينا دائما ويتابعنا دائما بل ويعاقبنا أحيانا عندما نقصر في أدائها ولا يرتاح إلا عندما يشعر أننا جميعا نؤديها برغبتنا ومتى نادى المنادي، وهذا ما أحرص على إلزام أبنائي به مهما كانت الشواغل.

عن الوصية المكتوبة فإن الشيخ لم يدع وصية مكتوبة، فقد كان في الفترة الأخيرة في وضع صحي صعب، وكان في مطاردة متواصلة، ولا علم لنا بأنه ترك شيئا مكتوبا.

ولعل أخي عبد الحميد وعبد الغني لديهما معرفة إن كانت هناك وصية أم لا. وهما ما زالا في العناية المكثفة لعلهما بعد أن يخرجا يخبراننا بتلك الوصية إن وجدت. أما نحن فلا نعلم عن ذلك.

أما عن المشروع للنهوض بالأمة من غفلتها فالشيخ كان يرى أنه لا مثل الجهاد سبيل ومشروع وطريق لإخراج الأمة من ثباتها العميق ومن غفلتها الشديدة؛ فالدم المتفجر من المخلصين هو خير ما يوقظ النيام الغافلين.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>