لآيت قمرة، اسم خالد لا ينسى لارتباطها بالقيادة العظيمة التي تحدت العالم الاستعماري، ففيها كان يسكن الفقيه عبد الكريم الخطابي حيث ولد هناك ابنه محمد بن عبد الكريم الذي درس على والده وعلى فقهاء القرية والقبيلة وانتقل إلى فاس لإتمام دراسته، وكان ممثل والده لدى سلطان المغرب، فكان ينقل الرسائل بينهما إلى أيام حكم السلطان عبد الحفيظ، الذي حاول الطالب محمد بن عبد الكريم الاتصال به ذات مرة فوجد قد أحكموا حصاره حصارا عتيدا بحيث أصبح الاتصال به من المستحيلات فاضطر أن يسلم رسالة والده لمن زعم أنه خرج من عند السلطان لأجل ذلك، وانتظر الجواب دون جدوى، وقد حكى لوالده ما رأى في بنيقة الكتاب وما شاهد حول القصر وأنواع الداخلين إليه فعقب والده على ذلك :”إن الأحوال تدل على أن النصارى داخلون المغرب بلا شك”وكان الفقيه سي عبد الكريم في نزاع دائم مع الإسبان وإنكان قد اضطر إلى الانتقال إلى تطوان ثم عاد إلى داره .وقبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى- وقد شاهد دخول الفرنسيين إلى المغرب رسميا – نادى على ولده محمد وقال له: إن النصارى سيستولون على المغرب كما يبدو، فإن مت فعليك أن تبرئ ذمتك وتلقى الله وأنت تجاهد في سبيل الله وليس عليك إلا هذا . وقد حاول الإسبان استيعاب سي محمد عبد الكريم فعينوه قاضي القضاة في مليلية ، والتحق أخوه محمد لمتابعة دراسة الهندسة بإشبيلية ..وأخيرا قام هذا القاضي الكبير مع أخيه الطالب بإشراف عمهما الفقيه العلامة عبد السلام الخطابي بإعلان الجهاد، فكانت آيت قمرة وأجدير وأمزورن وزاوية سيدي يوسف وغيرها من مواقع الزلزال الزائر القلاع الأولى التي انطلقت منها رايات الجهاد المظفرة التي وإن لم تنتصر على العالم الاستعماري المتآمر فإنها غيرت تاريخه وأوقفته عند حده وأرغمته أن يعامل المغاربة على أنهم شعب أصيل متشبث بدينه وحضارته ووحدته، لذلك غير الاستعمار أساليبه بل واستراتيجيته فكان احترام”الإسلام”أول بند في سلوكه مع المغرب،وعندما حاول القفز على هذا البند واستصدر الظهير البربري قام المغرب عن بكرة أبيه لمقاومة هذه الفعلة الرعناء فكانت بداية تحرير المغرب والحمد لله…
هذه المنطقة وما يحيط بها ويرتبط بجبالها وقبائلها مما يطلق عليه منذ الاستقلال”الشمال” مع أنه شمال الشمال لم تحظ باهتمام مناسب، وقد فضح الزلزال جانبا من ذلك ،فما تزال مآت القرى- إن لم تكن بضعة آلاف منها – معزولة أكثر من آيت قمرة وزاوية سيدي يوسف، نعم كانت هناك مشاريع لكن بعضها ظل حبيس الأوراق والآخر انطلق في جو غير سليم مثل مشروع الديرو الذي لو طبق بنسبة 70 %من الأمانة والإتقان لنجح نجاحا باهرا، ويكفي أن يشار هنا إلى أن زيارة الملك محمد الخامس لشفشاون سنة 59 كانت مقترنة ببيان تدشين مشروعين: مستشفى محمد الخامس وكان يقال إنه يحتوي على ستمائة سرير لتغطية الحاجات الصحية للقبائل الكثيرة المحيطة بها ، وثانوية تستجيب للحاجات التعليمية الملحة لتلك المنطقة،فلم يتم شيء من ذلك. إن”الشمال”ما يزال مثل دار لقمان في عمومه، وإن كانت المساحات الزراعية للكيف ورواج وازدهار المخدرات تتوسع كثيرا، وقد زحفت إلى حدود الجبال الريفية والقبائل الجبلية القريبة من فاس مما أفسد الحرث والنسل والخلق وتسبب في مشاكل عويصة وآفات شنيعة.
بعد نحو نصف قرن من الاستقلال ما تزال قرى قريبة من عواصم عمالاتها مثل القرى المنكوبة في ناحية الحسيمة صعبة الطرق وعرة التضاريس بعيدة عن الإغاثة في حالات يرثى لها …
إن زلزال آيت قمرة وأخواتها التي دكها عن آخرها سيذكرها بالهجمات الظالمة للطيران الإسباني المستورد من أمريكا وبالغازات السامة المستوردة من ألمانيا الموزع عليها وعلى مناطق أخرى ومنها منطقة الشيخ عبد السلام بن مشيش، وسيذكرها مآسي أخرى لا مناسبة لذكرها وإن كان المؤذون للمجاهدين وأبنائهم وأحفادهم قد لقوا جزاءهم في الدنيا ومنهم من ينتظر.
ونحمد الله أن هذا الزلزال كانت أضراره قليلة بالنسبة لزلزال أكادير وزلزال إيران، فلو كان هذا الزلزال بحجم أكبر لكانت كوارث الإغاثة والإنجاد والنتائج الوخيمة أشد وأقسى، وهنا لا يسعنا إلا أن نتوجه إلى الله سبحانه وتعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد سائر المسلمين ،بل سائر الضعفاء المقهورين في العالم، فإنا عاجزون عن مواجهة مثل هذه الكوارث إن هي تجاوزت طاقتنا الضعيفة وإمكانياتنا الهزيلة واستعداداتنا الصغيرة وأن يلطف بنا اللطيف الخبير الحكيم غافر الذنب وساتر العيب…
ومن حسن حظ الحسيمة ومنطقتها، بل وحظ المغرب أن كبير المسؤولين بها في المستوى الإداري مشهود له بالحزم والجدية والحكمة، ولولا ذلك لنشبت فتنة عمياء أكبر بكثير من الزلزال وتوابعه من الهزات الارتدادية.
نحمد الله على لطفه ونشكره على تضامن الشعب المغربي قاطبة، ولعل النصف الثاني من قرن الاستقلال يكون خيرا لهذه المنطقة من النصف الأول وعفا الله عما سلف.
بشكيك/جمهورية قرقيزيا
بتاريخ : 2004/02/08