وقفات: على هامش ظاهرة رفض الجوائز الأدبية …. كلنا… الآن… هذا الرجل …


هل أصبح رفض الجوائز الثقافية تقليعة جديدة من تقليعات الموسم ؟

هل هو فرصة يستغلها البعض  – كما يقال- للفت الانتباه اليهم ؟  أم أنه إدانة صارخة لمؤسسات العمل الثقافي وما تفرزه من وضعيات لا تخلو من عاهات ؟

لا أعتقد أن كاتبين كبيرين في حجم الروائي المصري (صنع الله ابراهيم) والقصاص المغربي (أحمد بوزفور) محتاجانا إلى استغلال  الظروف لاجتياز عتبة التاريخ , فلهما من الوزن الأدبي ما يكفي لترك بصمات وضيئة على هذا التاريخ فما الذي حصل إذن ؟

ماذا يمكن أن نطلق على الموقف الرافض للجوائز الادبية، التي تمنحها مؤسسة يفترض أن تكون المحرك السليم للدواليب الثقافية؟ أهو تمرد وعصيان ثقافي؟ أام بروز صراع حتمي في وقت تفاقم فيه شعور المثقف العربي بالاختناق في ظل الامبرالية الجديدة الشرسة الدائسة لرقاب الشعوب معما يقابلها من صمت رهيب مريب ؟ أم أنها مجرد حالة من اليأس يطلق معها المثقف آخر رصاصاته لينبه أولا  وليثأر من وضع ثقافي مهترئ ثانيا؟.

قد يكون الأمر كل هذه الاحتمالات … ومهما كان فانه اعتراف ضمني بوجود حالة مرضية … هنا او هناك … فكلنا في الهم شرق … حالة ” تجعل المثقفين الحقيقيين – حسب الناقد المصري الكبير (فاروق عبد القادر ) ينعزلون بعيدا بينما يطفو على سطح الحياة الثقافية مثقفون لا يحملون من مفاهيم الثقافة الحقيقية سوى قشور المعارف … والمواقف تتجه مباشرة للمصالح الصغيرة ( مجلة المثقف العربي عدد 32 ) قريبا من هذا التشخيص ذهب الصحفي المغربي رشيد نيني  في عموده (شوف تشوف) بجريدة الصباح  (عدد 1183) حينما رأى “أن الحقل الثقافي أصبح مليئا بالطفيليات التي تتكاثر أمام السياج الذي يلف هذا الحقل لتنعم بالشمس والهواء والجوائز … إلى الحد الذي جعل الأغراس النادرة التي شقت الارض لتخرج إلى الوجود بجهدها الخاص تنسحب إلى الظل لتموت ببطء .”

وهاهما أديبان – إذن- يكسران إسمنت الصمت ليصيبا كبرياء المؤسسات الثقافية الكبرى في الصميم – حسب تعبير البعض – وربما عبرا بلسان حال طوابير من المثقفين المتفرجين من بعيد … ولكن انتاجهم الفكري بالتأكيد لا يموت … لأن غربال التاريخ يظل الحكم … وما ينفع الناس يبقى … من هؤلاء المثقفين الرافضون والمنطوون , والمهمشون والمكممون والصارخون في واد .. فماذا لو واتت الفرصة هؤلاء ليصدروا بيانات ؟ ماذا يمكنهم أن يضيفوا إلى بيان (سي احمد بوزفور) من الويلات التي حلت بالثقافة والمثقفين ؟ قطعا سيكونون جميعا هذا الرجل. ولا شك أن المؤسسة الثقافية المعنية – ستحتاج مع طوابير المتظلمينإلى فتح ديوان للمظالم قد يكون في حجم بنايتها سبعين مرة…

هل هناك مظلمة أكبر من أن تنال من شخص الرسول صلى الله عليه وسلم من تدعى شاعرة ثم يدافع عنها على رؤوس الاشهاد باسم حرية القلم ؟ وهل هناك مظلمة أكبر من أن يضطهد ذلك الاضطهاد الكبير شاعر مثل سيدي محمد الحلوي ؟ وهل هناك ظلم أعظم من أن تتلون الثقافة بلون العصبيات الفكرية والحزبية وتلبس لبوس سدنتها ؟ وتفقد وجهها الحقيقي بين القرابات والصداقات والمجاملات …؟

وتأملوا معي هذه التعقيبات الدالة التي  أفرزتها أوضاع ثقافية مريضة .. هنا.. وهناك :

- بعض الظرفاء علق على كل ما يروج ضاحكا : “إنك لن تنال جائزة حتى ولو كتبت  (الخبز بدوازو) فبالأحرى (الخبز الحافي ) إذا كنت خارج سربهم…

- آخر قال : إنها زوبعة في فنجان ، المفروض أن تتخلص الثقافة من سلهام السياسة …فتصبح الثقافة كالماء للجميع دون لون ولكن بطعم ….

- أخرى قالت : الاقصاء عملة يصرفها الجميع … لا فرق … المهم أن تسلم النفوس لتسلم الثقافة .

- اضاف آخر : اننا في بلد الثقافة للجميع .. اذا صدقتم فاسألوا القيمين عليها أن يرعوا جائزة أو مهرجانا لأدب المقاومة أو يوما وطنيا لاغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين ….

- تساءلت أخرى : ماذا لوخصص يوم وطني (لمثقفي الظل ) ينعمون فيه بالهواء والشمس  فيحاضرون ويناقشون ويعرضون انتاجاتهم وليكن ذلك في الأسواق العامة والشوارع الشعبية\ ستكون حتما صورة نادرة لحقيقة المشهد الثقافي. ألن نصادف بين  أولئك ولومثقفا رشيدا أو شاعرا مجيدا … أو مفكرا ثاقب الرأي ..؟

وعندهم، هناك، في مصر رأى الشاعر الكبير (أحمد فؤاد نجم) في تعليقه على رفض الروائي (صنع الله ابراهيم) لجائزة مؤتمر الرواية العربية “إنهم أمام خيارين اما وجود ثقافة  أو وجود وزارة الثقافة (مجلة المثقف العربي عدد 32).

أصغيت إلى كل هذه الآراء، متدبرة، لكن أعادني إلى حال من الوعي والاعتبار قول حكيم : ” وماذا بعد أن تنالوا – أيها المثقفون- الجوائز؟ وماذا بعد أن تتحدث عنكم المنابر وتطبل لكم الجماهير ؟وماذا لو ظللتم في الظل أو طفرتم إلى النور ؟ ماذا لو قربتكم مؤسسة ثقافية نحو سياجها أو أصتكم ؟…

- الأمر سيان … اليست سلطة الموت اقوى السلط ؟

اللهم اننا لا نريد الا ظلك يوم لا ظل الا ظلك.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>