موقع المرأة في التنمية الشاملة (2)


1-  المرأة بين الحق في التعليم وفريضة التعليم:

لما كانت التنمية الحقة لا تقوم إلا على العلم، ولا ينهض المجتمع سوى بثنائيته المعهودة؛ المرأة والرجل، كان من الطبيعي أن تتحمل المرأة -في صدر الإسلام وبعده- نفس الحمل متزودة بنفس الحصانة العلمية ضمانا لتنمية المجتمع المسلم الصاعد.

نقل صاحب “الإصابة” أن أم كثير بنت يزيد الأنصاري قالت: دخلت أنا وأختي على النبي عليه السلام فقلت له: إن أختي تريد أن تسألك عن شيء وهي تستحيي. قال النبي  : (فلتسأل، فإن طلب العلم فريضة).

- وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: (قالت النساء للنبي  : غَلبَنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسكَ. فوعدهن يوما لقيهن فيه…).

- كما روى البخاري أيضا، أن النبي  خرج من صفوف الرجال إلى صفوف النساء، وظن رسول الله ، أنه لم يسمع النساء حين أسمع الرجال.

- أخرج أبوداود عن الشفاء بنت عبد الله قالت : (دخل عليَّ النبي عليه السلام وأنا عند حفصة أم المؤمنين، فقال لي  : (ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة).

قال ابن القيم: (إن الشفاء بنت عبد الله كانت في الجاهلية ترقي من النملة، فلما هاجرت إلى النبي عليه السلام وكانت قد بايعته بمكة، قالت: يا رسول الله، إنِّي كنت أرقي في الجاهلية من النملة، وإني أريد أن أعرضها عليك، فعرضتها عليه، فقال: ارقي بها وعلِّميها حفصة).

لما كانت دولة الإسلام لا تقوم إلا على أساس عصب التنمية وهو العلم، كان العلم والتكوين فريضة -كما ذكر صاحب “الإصابة”- على المسلمة كما على المسلم. وكان من الطبيعي جدا أن تطالِب النساءُ المؤمنات النبي عليه السلام نفسه بتعليمهن. وكان من الطبيعي جدا كذلك، أن يمكنهن من ذلك كما فعل عليه الصلاة والسلام، كما كان من الطبيعي جدا أيضا، أن يخرج عليه السلام من صفوف الرجال إلى صفوف النساء حتى يُسمعهن، دون حرج ولا عقد نفسية، وهو ما لا يستطيعه كثير من مروجي الأدبيات المغلوطة.

وتناغما وانسجاما مع هذا المسلك العلمي الحضاري النبوي، اتبع الفقهاء بعد النبي عليه السلام، نفس المنهاج الحضاري مع النساء، فاعترفوا لهن بهذا الحق والفريضة.

قال ابن حزم رحمه الله تعالى : (وفرض على كل امرأة التفقه في كل ما يخصها كما ذلك فرض على الرجال، ففرض على ذات المال منهن معرفة أحكام الزكاة، وفرض عليهن كلهن معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصوم، وما يحل وما يحرم من المآكل والمشارب والملابس وغير ذلك كالرجال ولا فرق. ولو تفقهت امرأة في علوم الديانة للزمنا قبول نذارتها، وقد كان ذلك، فهؤلاء أزواج النبي عليه السلام وصواحبه قد نقل عنهن أحكام الدين، وقامت الحجة بنقلهن. ولا خلاف بين أصحابنا وجميع أهل نحلتنا في ذلك، فمنهن سوى أزواجه عليه السلام: أم سليم، وأم حرام، وأم عطية، وأم كرز، وأم شريك، وأم الدرداء، وأم خالد، وأسماء بنت أبي بكر، وفاطمة بنت قيس، وبسرة، وغيرهن. ثم في التابعين عمرة، وأم الحسن، والرَّباب، وفاطمة بنت المنذر، وهند الفراسية، وحبيبة بنت ميسرة، وحفصة بنت سيرين، وغيرهن).

لقد خرَّج هذا الخط الحضاري، نساء كن بمثابة المشعل الذي سيبقى المسلمون دائما مدينين لهن به. منطق حضاري خرَّج نساء فاضلات، تخرج على أيديهن علماء كبار.

- ففي عهد عثمان رضي الله عنه جمع القرآن، على النسخ التي كانت عند حفصة بنت عمر رضي الله عنها، زوجة الرسول . وهو دليل قاطع على المكانة التي كانت تحتلها المرأة في ظل الإسلام، وثقة الرسول  في إمكانياتها، ورغبة منه في إشراكها الأمور العظيمة التي لا تكتمل المسيرة التنموية إلا بها.

- ومن المهم جدا أن نُذَكِّر هنا برواية الفربري لصحيح البخاري التي دخلت المغرب في وقت مبكر. وقد انتقلت بواسطة روايات اشتهرت منها ست، منها، رواية الكشميهني توفي 389هـ.

وقد اشتهر عن الكشميهني رواة كثيرون، منهم، كريمة بنت أحمد المروزي المتوفاة سنة 463هـ. واشتهر برواية الصحيح عنها كل من:

- أحمد بن محمد بن عبد الرحمان الأنصاري الشارقي الأندلسي الواعظ..

- أبو علي الجياني حسين بن محمد بن أحمد الغساني القرطبي.

وقال أبو علي الغساني: (وكتبت به -أي صحيح البخاري- إلى كريمة بنت محمد المروزية تحدثني به عن أبي الهيثم). ويكون قد رواه عنها مكاتبة.

ذكر ابن خلكان في “وفيات الأعيان”، في ترجمة فخر النساء شهدة بنت أبي نصر الكاتبة : كانت من العلماء وكتبت الخط الجيد، وسمع عليها خلق كثير، وتوفيت سنة (574هـ).

- وقال المَقَّرِي في “نفح الطيب” في ترجمة عائشة بنت أحمد القرطبية، قال ابن حبان في حقها: لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعدلها علما وفهما وأدبا، وكانت حسنة الخط تكتب المصاحف، توفيت سنة (400هـ).

- وقد تعلق الإمام الحسن البصري بأمه كثيرا، وأخذ عنها العلم وضبَطَ الحديث وتَعَلَّم اللغة العربية الصحيحة. وقد كانت لديها ميول قصصية ووعظية، فأخذ عنها الحسن ذلك الميل إلى الوعظ والقصص. وكان لها الفضل الكبير في فقه ابنها الإمام رضي الله عنهما جميعا.

- كما كان من بين شيوخ شيخ الإسلام ابن تيمية صاحب “مجموع الفتاوى” و”منهاج السنة” و”الفرقان بين أهل الحق والباطل” وغيرها من نفائس ما كتب في العلم الشرعي، قدس الله روحه، امرأة اسمها زينب بنت مكي رضي الله عنها.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>