عندما تُفْتَقَدُ المودة والسكينة والرحمة : هل للفضائيات الخليعة تأثير على الاستقرار الأسري؟


لم نكن نسمع عن علاقات زوجية دمرتها وسائل الإعلام، ولم نكن نسمع عن حياة أسرية هددتها القنوات الفضائية بالتشتت والضياع. لكن ومع دخولنا عالم العولمة وعالم إفراغ العالم كله في قالب واحد أصبحت هذه الوسائل متحكمة في واقعنا وأصبحت تتدخل حتى في تحديد مفاهيم مقاييس الجمال لدى فتياتنا ونسائنا.

لماذا باتت هذه الوسائل تنحت لنا نماذج خاصة للجمال من خلال ما تعرضه من فتيات الكليبات والاعلانات…؟ ولماذا وجدنا أنفسنا مستسلمين لأفكار لها منطق خاص بها؟… لماذا لم تعد الحياة الزوجية هانئة كما كانت من قبل؟ ولماذا وضعت رحاها على سكة صاخبة تحمل ما تحمل من الألم وتحمل ما تحمل من الضياع والتشتت أيضا؟

أفادت بعض الدراسات التي أجريت على مائة من الرجال والنساء أن نسبة 9% من الأزواج يقارنون زوجاتهم بنماذج الجمال المعروضة من خلال وسائل الإعلام و25% منهم يطالبون زوجاتهم بالتغيير مثلهن أو الانفصال عنهن و5% من الأزواج أكدوا أنهم مستعدون للتضحية بكل شيء مقابل أن تصل زوجاتهم لذروة الأناقة والجمال، أما 22% من النسبة التي شملتها العينة يريدون أن تهتم الزوجة بجمالها وبأناقتها مع الحرص على أداء أدوارها داخل واحيانا خارج البيت، أما 39% من الباقين فهم يرون أن شريكات حياتهم أفضل بكثير مما يعرض على شاشات الفضائيات.

أما بخصوص الزوجات، فقد وضحت الدراسة بأن 55% من الزوجات يعانين ضغوطا نفسية كبيرة بسبب أن أزواجهن يطالبنهن بنماذج معينة للجمال، حتى أن الواحدة منهن أصبحت لا تتردد في إجراء عمليات تجميلية لتحقيق ذلك أما 35% من الزوجات أكدن أنهن لا يجدن أدنى صعوبة في التوفيق بين مطالب أزواجهن ومستوى جمالهن وذلك لأن الحب لازال يعشش على حياتهن.

أما 10% الباقية فهن لا يلقينبالا للتغييرات الطارئة على أذواق أزواجهن أو مطالبهم.

كان رمضان بلياليه الرائعة والدافئة، فرصة للقاء العديد من الزوجات والأزواج لطرح بعض الأسئلة التي من الممكن أن تفيدنا في الإعداد لهذا الروبورتاج وهكذا قال السيد عبد الله ج معلم “حقيقة لم أعد أطيق النظر للقنوات الفضائية، لما تقدمه وتعرضه من فتيات وصبايا يملكن كل الجمال والدلال والفتنة، وأقارن زوجتي بهن فأجد الفرق شاسعا رغم كل ما تبذله لإرضائي.

السيد محمد. م مستخدم بإحدى الشركات، قال إنه متزوج منذ ما يزيد عن عشرين سنة، كان في البداية راضيا بحياته، ومنغمسا في مشاكل الأولاد والسكن والأثاث، ولم يكن يلقي بالا لأي شيء آخر، لكن مع دخول القنوات الفضائية بيوتنا ودخول أنواع وأصناف خيالية من الجمال، أصبح دائما يسائل نفسه، لماذا أرضى بهذه الحياة البعيدة كل البعد عما نشاهده أو نتمناه… لكن كما أكد، لا يملك إلا ليرضى بواقعه وبحاله علما أنه لا مجال لزوجه أن ترقى لمستوى ما يصبو إليه.

رشيد كان لايزال شابا، أخبرني أنه تردد كثيرا قبل أن يقدم على الزواج، وقد كان يشترط في شريكة حياته أن تتوفر فيها جميع الشروط التي يحتاجها والتي يتمناها في أخرى، وظل يبحث ويبحث إلى أن أهدي إلى طريقها وتزوجها أخيرا، ولكن حينما سألته إن كانت زوجته ترقى لمستوى ما يصبو إليه، أجابني “لابأس”..

ربما أن العديد من الأزواج لم يقدموا على خطوة الزواج إلا بعد بحث وتردد وإقبال وإدبار،ولا يعزمون عقدة النكاح حتى يجدون من تتوافر فيها الشروط التي يطمحون إليها، وربما أن العديد منهم كانوا يحسون بسعادة لا تضاهيها سعادة خلال أيام وليالي زواجهم الأولى، لكن لماذا وبعد أن تتعاظم المسؤوليات بينهم يبدأ الملل يتسرب للحياة الزوجية ويصبح الزوج يتطلع لأخريات وتصبح هي حائرة بين إرضائه وبين متطلبات الحياة اليومية، عن هذه النقطة أخبرتني السيدة مليكة التي تزوجت بعد أن عاشت قصة حب طويلة وعريضة مع زوجها كان أقصى ما يحلمان به هو بيت يضمهما ويضم أحلامهما ومتمنياتهما البسيطة والمتواضعة، لكن ومع مرور الأيام وبدل أن يتأجج هذا الحب كما كانا يتصوران بدأ يخبو ويتضاءل يوما عن يوم، والسبب في ذلك تقول مليكة يرجع للقنوات الفضائية التي ما يفتأ زوجها يقارنها بالفيتات اللواتي يعرضن فيها، لدرجة أنها باتت تكره القنوات وما تحمله تلك القنوات، وتضيف مليكة : “برغم أني لا أهمل زينتي وهندامي، ولكنني مهما فعلت، فلن أصل إلى مستوى تألق وجمال فتيات الفيديو كليب وليس أمامي حيلة بعد أن استنفذت كل ما في وسعي”.

أما لطيفة التي لايزيد عمرها عن الثلاثين تقول: “لا أخفي أني أعاني الويلات بسبب القنوات الفضائية، فزوجي ما إن يدخل البيت حتى يبدأ في ملاحقة المذيعات وفتيات الاعلانات الى أن سئمت من الحالة التي أصبحنا عليها”.

وأخيرا نهمس في أذن كل زوج ونقول له عليك أن تفكر جيدا قبل أن تنساق وراء مؤثرات الكاميرات والأضواء والخدع البصرية المبهرة ولا تقارن أبدا شريكتك بذلك، لأنه على الأقل أولائك لا يتقن غير تلك الصنعة صنعة الإغراء والظهور بجمال لا يوجد إلا في عالم من الزيف والخداع.

ونهمس أيضا في أذن كل زوجة، ونقول لها كوني دائما في المستوى ولا تتركي الأعباء المنزلية تنسيك نفسك وتسحب البساط من تحت رجليك، لأنك للأسف تخوضين حربا عشواء مع القنوات الفضائية.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>