المرأة المسلمة ومواجهة تحديات العولمة


ونحن نستقبل الألفية الثالثة كثرت التحديات التي تواجه أمتنا الإسلامية، ومن أخطر هذه التحديات نظام العولمة الذي يعتبر العالم قرية كونية صغيرة، إذ أراد الغرب استغلال ثورة الاتصالات الحديثة في فرض سيطرته وثقافته، وتصديرأمراضه إلى كل ثقافات العالم كجزئ من التطويع الثقافي للعالم الثالث لمقتضيات النظام العالمي الجديد.

هذا وإن كان مصطلح العولمة قد ظهر على الساحة في العشرة أعوام الاخيرة، وبالذات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي إلا أن الإعداد العملي والفعلي له كان في الستينات من هذا القرن، لإزالة الإسلام واقتلاعه….بتنصير المسلمين، واستقبال الألفية الثالثة بلا إسلام وهذا مخطط صيغت أبعاده منذ عام 1965 في المجمع المسكوني الثاني؛ إذ نص هذا المجمع على توحيد الكنائس تحت كاثوليكية روما لتوحيد الصف في مواجهة العدو الذي هو الإسلام، فقد قرر المجمع اقتلاع اليسار في عقد الثمانينيات، واقتلاع الإسلام في عقد التسعينيات.

وتلا هذا المؤتمر المسكوني الثاني مؤتمر كولورادو في شمال أمريكا، الذي عقد عام 1978م، وحضره مائة وخمسون عالما متخصصا في شؤون التنصير، وتمت خلاله دراسة أربعين بحثا تناول كل منها منفذا من المنافذ التي يمكن التسلل منها لتنصير المسلمين.

وكانت المرأة المسلمة في مقدمة هذه المنافذ، إذ استغلوا جهلها بدينها من جهة، وعدم حصولها على حقوقها كاملة كما منحها الإسلام، ومعاناتها من النظرة الدونية لها من جهة ثانية، وتشدد بعض علماء الدين وتفسير بعض النصوص القرآنية والحديثية طبقا للعادات والتقاليد، وإخضاع بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالنساء لباب سد الذرائع فحرمت من حقوق منحها إياها الإسلام، باسم الإسلام، فهذا جعلها تشعربالظلم والغبن، وهذا من جهة ثالثة، مع وجود فئات في المجتمع متأثرة بالفكر الغربي والحياة الغربية تريد من المرأة المسلمة أن تحذو حذوالمرأة الغربية وتنبذ كل ما هو ديني وإسلامي، من جهة رابعة، فاستغلوا كل هذه التغيرات ونفذوا إلينا من خلالها، بل اخترقوا بيوتنا مستخدمين دعاة ما يسمى بتحرير المرأة في تنفيذ كل ما يخططون له.

المسارات التي ساروا فيها

ولتنفيذ مخططاتهم في هدم كيان المجتمع الإسلامي من خلال المرأة  لأهمية دورها في بناء كيان الأسرة والمجتمع ساروا في ثلاثة مسارات في آن واحد، كل واحد منها يخدم الآخر ويتمم أهدافه ومساعيه، وهذه المسارات هي :

1- التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية النسائية.

2- الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان وإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة وإلزام الدول الإسلامية التوقيع عليها مقابل إعفائها من بعض الديون التي عليها.

3- مؤتمرات المرأة العالمية.

>> أولا : التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية النسائية :

يستهدف التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية النسائية تسخير هذه الجمعيات لخدمة أهداف مموليها، وفي مقدمة الممولين مؤسسات أمريكية تتبع الحكومة الأمريكية مباشرة وتحويلها جزء من ميزانية الولايات المتحدة، ويتحكم فيها الكونجرس الأمريكي، وهذا ما قالته مديرة البرامج في هيئة المنحة المحلية للديمقراطية في قسم الشرق الأوسط إذ يمكن تلخيص كلامها في النقاط التالية :

1- إن تحويل جزء من ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية لدعم هذه الجمعيات، ويتحكم فيها الكونجرس الأمريكي.

2- ليس من حق الجمعية التي تتلقى منهم تمويلا أن تكون جماعة ضغط “لوبي” على سياسات الكونجرس، وكما قالت بوضوح.. ممنوع استعمال أموال قادمة من الكونجرس للضغط على الكونجرس.

3- إن المطلوب من الجمعية المتلقية لتمويل الكونجرس أن تقدم المعلومات التي يريدها الكونجرس، وبذلك تتحول إلى أداة تابعة للكونجرس الأمريكي في بلادها دون أن تستطيع الإفلات منهيمنته عليها لأنه يعرف كيف يقبض على عنق العميل،  عن طريق تقسيط المنحة وليس إعطائها دفعة واحدة.

وتقول المسؤولة  : “نحن لا نعطي المنحة مرة واحدة، ولكن على مراحل تكون مرهونة بتلقي تقارير كتابية حول تطور العمل وتقارير مالية، كما يتم تنظيم زيادات البرامج وهي زيادات تهدف أيضا إلى تطوير أداء المؤسسات التي تتلقى  التمويل أو مساعدتهم في المسائل التقنية، أيضا في نهاية البرامج لا بد أن يتم تقييم إجمالي للبرنامج”(1).

الهيئات الأجنبية الممولة للجمعيات الأهلية

فيما عدا دول الخليج فإن المساعدات الخارجية من دول ومنظمات دولية، ومنظمات أجنبية غير حكومية قد ارتفع وزنها إلى درجة كبيرة من مكونات التمويل فمثلا المساعدات الحكومية لدار الأيتام الإسلامية في لبنان تبلغ 10% بينما التبرعات والموارد الخارجية تبلغ %20 وبالنسبة لجمعية الشبان المسيحيين فتصل المعونات والتبرعات الأجنبية إلى87% بينما المساعدات الحكومية %10

هذا وتعد هيئة المعونة الأمريكية A.I.D   أحد المصادر الأساسية للتمويل في مصر للجمعيات الأهلية غير ذات التوجه الإسلامي ـ فالجمعيات الإسلامية تعتمد على الدعم الذاتي ـ فقد وقعت هيئة المعونة الأمريكية مع الحكومة المصرية عام 1991م اتفاقا لدعم المنظمات التطوعية الخاصة تضمنت تحويلا حجمه 20 مليون دولار، ومن قبل في عام 1987م وحتى عام 1990م تبنت مشروعا لدعم المنظمات العاملة في مجال التنمية المحلية بحجم تمويل 15 مليون دولار وأموال المعونة الأمريكية التي تأتي مرة باسم UNI  ومرة باسم “سيريا” ومرة باسم A.I.D  تتبع جميعها الحكومة الأمريكية مباشرة.

وهناك مؤسسات أمريكية أخرى لا تندرج تحت اسم المعونة الأمريكية A.I.D ولكنها تتبع الحكومة الأمريكية أيضا مثل المنحة المحلية للديمقراطية في واشنطن التي تقول عنها مديرة قسم برامج الشرق الاوسط أنها تم تكوينها بناء على مبادرة من إحدى لجان الكونجرس التي قامت بدعوة عدد من المهتمين بدعم الديمقراطية للمشاركة في مجلس الادارة، وتقول عن تمويل الهيئة أنه جزء من برنامج المساعدات الأمريكية الخارجية والميزانية الخاصة بنا”(2).

ومن المؤسسات العالمية التي تدعم الجمعيات النسائية مؤسسة “فوردفوندشن” وغيرها من المنظمات الدولية ذات السمعة العالمية في زعزعة بنيان العالم الثالث، وتهيئته لما يسمى بالنظام العالمي الجديد، أو السطوة الأمريكية الجديدة مثل :

المعونة الاسترالية، وسيداكندا وهي تتبع الحكومة الكندية مباشرة، ودانيدا الدانمارك، وفنيدا فنلندا، نورادا النرويج، وسيدا السويد، ومؤسسة نوفيب التابعة للحكومة الهولندية، ومنظمة فريدريش إيبرت، وهي منظمة ألمانية على علاقة بالحزب الديمقراطي في ألمانيا وجهات أخرى(3).

ومن هذه المنظمات المركز القومي لحقوق الانسان وتنمية الديمقراطية، والصندوق الأوربي لحقوق الانسان والمعهد القومي الديمقراطي للشؤون الدولية لجنة الحقوقيين الدوليين.

والخلاصة بالنسبة إلى مصادر تمويل الجمعيات الأهلية، فإن هناك مصادر متنوعة ومتعددة، محلية (اشتراكات الأعضاء، معارض، بيع سلع، أو خدمات، دعم الحكومة المالي والفني، تبرعات) وأخرى  خارجية “أبرزها التمويل الأجنبي.

هذا ونرى أن التمويل الأجنبي لايشمل منطقة الخليج العربي،فهو قاصر على الأقطار الفقيرة مثل : “مصر، وتونس، والمغرب، والجزائر، والأردن،السودان، موريتانيا، جيبوتي.

ومما تجدر الإشارة إليه فإن المنظمات ذات السمة الدينية “الإسلامية على وجه الخصوص تتوافر لها مزايا الاكتفاء الذاتي من التمويل الذاتي، فأموال الزكاة والصدقة وتبرعات المسلمين تشكل المصدر الأساسي لتمويل هذه المنظمات.

أبعاد وخطورة التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية

إن كانت الجمعيات الأهلية النسائية تسعى إلي استقلالها عن حكوماتها، فهي بسعيها وراء التمويل الأجنبي تقذف بنفسها في أحضان الحكومات الأمريكية، والكندية والسويدية، والهولندية، والدانماركية، والألمانية، لأن هذه الحكومات لا تمول هذه الجمعيات لوجه الله تعالى، وإنما تدعمها لتسيرها وفق خطط وأهداف وضعتها هذه الحكومات مسخرة القيادات النسائية في هذه الجمعيات لتحقيقها،وبالتالي أتيح لهذه الحكومات الأمريكية والأوربية اختراق بيوتنا من خلال هذه الجمعيات.

>>  ثانيا  : الاتفاقيات  الدولية  :

ومن أخطر هذه الاتفاقيات، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو CEDAW) وقد صدرت هذه الاتفاقية عن  الجمعية العمومية للأمم المتحدة في عام 1979م، وأصبحت سارية المفعول  منذ 3 سبتمبر 1981، ووصل  عدد الدول الموقعة عليها إلى 139 دولة  أي أكثر من ثلثي أعضاء الأمم المتحدة.

وتنص الاتفاقية على ديباجة تشجب فيها الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقا لذلك فهي تتعهد بتجسيد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها، واتخاذ التدابير التشريعية المناسبة وغيرها من الاجراءات الضرورية لحظر كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والامتناع عن الاضطلاع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام، إضافة إلى ذلك تتكون الاتفاقية من عدد من البنود تتناول كافة جوانب الحياة العامة والشخصية للنساء.

هذا وتعد اتفاقية (السيداو) بمثابة قانون دولي لحماية حقوق المرأة، حيث أنه بموجب هذه الاتفاقية تصبح الدول الأطراف الموقعة عليها ملتزمة باتخاذ كافة التدابير للقضاء على التمييز بين الرجال والنساء سواء على مستوى الحياة العامة فيما يتعلق بممارسة جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي التمتع بهذه الحقوق، أو على مستوى الحياة الخاصة وعلى وجه الخصوص في الإطار الأسري.

وهذه الاتفاقية تعتبر عمل المرأة التكسبي حقاً مكتسبا وليس ضرورة استثنائية، كما أن هذه الاتفاقية لا تريد استثناء المرأة من بعض الأعمال التي توصف بأنها ذات مخاطر جسدية أو أخلاقية، فهي تريد للمرأة أن تعمل في الأعمال اليدوية، وفي المحاجز والمناجم وتعتبر منظمة العمل الدولية استثناء المرأة من هذه الأعمال تخلفاً ورجعية، وتتولى مؤسسة (فريدريش إيبرت الألمانية) متابعة تنفيذ هذه الاتفاقية في مصر بمناقشة مواد هذه الاتفاقية مع القيادات الفاعلة في مصر لتتخذ مجراها الى التنفيذ.

وقد حضرتُ ملتقى الحوار حول اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لمناقشة المادة 11 من الاتفاقية الخاصة باتخاذ جميع التدابير الضرورية للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها على أساس المساواة مع الرجل، وكان هذا الحوار يوم الأحد 1999/11/7م.

ومعظم البحوث التي طرحت للنقاش في هذا الملتقى تتحايل للإيهام بأن المرأة مقهورة ومغلوبة، وأن هناك تمييزاً في الأجور بين الرجال والنساء العاملين في ذات الجهة، بل ادعي أن هذا نتيجة دراسة ميدانية، وعندما سئلت الباحثة : هل هذه الدراسة الميدانية كانت على دفع الأجور بالنسبة لكمية الإنتاج أم أجور مقررة حسب اليومية، فأجابت الباحثة : كانت الأجور تقدر على كمية الإنتاج، فقالت السائلة : إذاً اتضحت الصورة الآن، فكمية إنتاج الرجال أكثر من إنتاج النساء وبالتالي كانت أجورهم أعلى.

كما قدم أحد الباحثين بحثا بيّن فيه أن الظلم واقع على المرأة فقط في كثير من القوانين وعندما ردت عليه إحدى الأخوات بينت أن هذا الظلم ذاته واقع على الرجل أيضا.

وفي الملتقى طالب البعض أن تتساوى المرأة مع الرجل في مزاولة جميع الأعمال بما في ذلك الأعمال الليلية، والعمل في المحاجز والمناجم، رغم أن الدراسات أثبتت باستفتاء النساء أنفسهن، أنهن يرفضن الأعمال الليليلة لأنها تعرضهن للخطر، وللابتزاز الجنسي، بل طالبت بعض السيدات أن يتفرغ الرجل لتربية الأولاد، كما تتفرغ لها المرأة لأن تربية الأولاد مسؤولية مشتركة بينهما، فلماذا تلزم المرأة بها وحدها؟.

وكما رأينا فهناك محاولات لتضليل الرأى العام، وإىهام المرأة المسلمة أن كل القهر واقع عليها من قبل مجتمعها، وأن هذه الاتفاقية سترفع عنها كل الجور والظلم، وأن الأمم المتحدة ستحررها من سطوة مجتمعها عليها، وليس دينها، مع أنها تريد هلاكها وهلاك مجتمعها.

ومما يؤسف له أن دول العالم الثالث بما فيها دول العالم الإسلامي تُلْزم بتوقيع هذه الاتفاقيات مقابل رفع بعض الديون عنها، أوتقديم معونات هي في أمس الحاجة إليها، وهذا مؤشر خطير علينا أن ندرك أبعاده وأغواره.

>> ثالثا  : المؤتمرات  العالمية  للمرأة  :

بدأت سلسلة مؤتمرات المرأة العالمية منذ عام 1975 بمؤتمر المرأة العالمي الأول الذي عقد في مدينة مكسيكو عاصمة المكسيك في الفترة ما بين 19 يونيو إلى 2 يوليوز، وحضرت المؤتمر 133 دولة، ومنظمة، وأكثر من 1000 مندوب 70% منهم نساء.

- في عام 1980 كان مؤتمر المرأة العالمي الثاني الذي انعقد في كوبنهاجن عاصمة الدانمارك في الفترة ما بين 14- 21 يوليوز، وحضر هذا المؤتمر أكثر من ألفي مندوب من 145دولة عضو بالأمم المتحدة والمنظمات المعنية والهيئات الخاصة التابعة للأمم المتحدة.واستعرض هذا المؤتمر أهم الانجازات التي حققت في النصف الأول من سنوات المرأة العشر التي خصصتها الأمم المتحدة للمرأة، ومن هذه المنجزات “إجازة الأمم المتحدة في ديسمبر عام 1979م اتفاقية إزالة جميع أشكال التمييز ضد النساء”.

- مؤتمر المرأة العالمي الثالث الذي عقد في نيروبي عاصمة كينيا في الفترة ما بين 13- 26  يوليوز، وحضره أكثر من 2000 شخص من بينهم مندوبون من 157 دولة ومنظمة، ومن 56 هيئة خاصة تابعة للأمم المتحدة، وفي نهاية هذا المؤتمر أجيز “استراتيجية نيروبي للتطلع إلى الأمام لتقدم النساء عام 2000″.

وتعد استراتيجية نيروبي وثيقة منهاجية معترفاً بها من المجتمع الدولي، ومن أجل تحقيق المزيد من المساواة بين الجنسين، ومشاركة النساء في تنمية الوطن وصيانة السلم العالمي قبل عام 2000، وضعت “استراتيجية نيروبي” متخذة المساواة والتنمية والسلم هدفاً عاماً لها ومشروعات ذات هدف واضح يركز على العمل بجد، مما عكس عالمياً مطالب النساء في مختلف بلدان العالم، وأمانيهم في مجال السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة وغيرها(4)،

- مؤتمر المرأة العالمي الرابع في بكين الذي عقد في الفترة من 4- 15سبتمر عام 1995م ومن أهم أعماله تنفيذ استراتيجية نيروبي.

وهذا المؤتمر يبلور جميع الأهداف والمخططات التي يسعى إليها الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة لسلخ المجتمعات الإسلامية من دينها تمهيداً لتنصيرها وطمس هيويتها وفقدها شخصيتها وجعلها تابعاً ممسوخاً يسير في فلك الغرب، ويقع تحت الهيمنة الأمريكية.

وعند تحليل وثيقة مؤتمر بكين نجد الآتي :

1- تعتمد هذه الوثيقة على عبارة “تمكين المرأة” وهذه العبارة قد توهم بتمكين المرأة من المشاركة في صنع القرار، ولكنها تستهدف أيضاً تمكينها من تغيير النوع والجنس ووظائفه وأدواره ومفاهيمه، وقد مهد لتحقيق هذا الهدف ما جاء في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “إن تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة”.

وهنا نرى تجاوزاً لطبيعة كل من الرجل والمرأة،  وما استكن في هذه الطبيعة المتغايرة من الكثير من الخصائص، والوظائف العضوية، والنفسية، وإن تساويا في الإنسانية، ولذا نجد في هذه الوثيقة ورود عبارة جندر (Gender) أكثر من ستين مرة وتعني “النوع” للذكر والأنثى، وهذه الكلمة لم ترد في ترجمة النص الرسمي لها بالفرنسية والاسبانية حيث استخدمت عبارة جنس (Sex) مما يؤكد على أن هناك سرية مفروضة حول تداول الوثيقة حتى في المحافل الرسمية المعدة للمؤتمر.

وعبارة “النوع (Gender) ليست بالبراءة التي يتخيلها البعض -كما تقول الدكتورة زينب عبد العزيز، أستاذة الحضارة بأداب المنوفية بمصر- أو أنها مجرد صيغة مهذبة للإشارة إلى تنوع الجنس ذكراً أو أنثى، وإنما هي عبارة تخفي وراءها حركة فكرية تخريبية قائمة على رفض حقيقة اختلاف الذكر والأنثى اللذين هما من صنع الله عز وجل، بل يدَّعون أنه مجرد اختلاف ناجم عن التنشئة الاجتماعية، وعن بيئة يحتكرها الرجل، ويتحكم فيها لصالحه الشخصي.

وتضيف الدكتورة زينب قائلة :

>لذلك يرى مبتدعو هذه الحركة أنه لابد من تغيير هذه المفاهيم البالية التقليدية، وأنه لابد من التأكيد على عبارة “النوع” وتبنيها في المؤتمر، لأن هذه العبارة غير قابلة للمناقشة، فعبارة النوع تتضمن الاعتراف رسميا باللواطيين والسحاقيات والمخنثين، وإدراج حرية وجودهم ضمن حقوق الإنسان، كما أنها تقر حرية أن يقوم المرؤ باختيار وتحديد النوعية التي يود الإنتماء اليها، والنوعية التي يود معاشرتها، والإطار الذي يمكن لتلك المعاشرة أن تدور في حدوده خارج قيود الزواج أو بداخله، وإقرار الاجهاض وحرية اختيار وسيلة الحمل -سواء بالتلقيح الصناعي للسحاقيات من بنوك المني، أو بنظام “تأجير البطون” للواطيين، وهي أمور تمارس في الغرب منذ سنوات.

وتضيف الدكتورة زينب قائلة : >فهم يرون أن الأسرة تمثل أول مجال لفرض التفرقة واستعباد المرأة، وفرض القمع الجنسي عليها بمختلف ذرائع المحرمات.. لذلك يجاهدون للتخلص من هذا الإطار الاجتماعي العقيم -حسب رأيهم- ويعملون لكي يقوم المجتمع بتقبل المنحرفين جنسياً بمختلف أنواعهم، وتقبل العلاقات الجنسية الحرة لجميع الأعمار وبعيداً عن الأطر الشرعية. ويتعرض مروجو هذا الفكر العبثي على تقسيم المجتمع إلى أدوار يقوم بها الجنس البشري، وأول ما ينتقدونه ويطالبون بإلغائه هو تقسيم هذا الجنس البشري إلى رجل وامرأة أو إلى ذكر وأنثى، إذ أن كلا منهما يمكنه أن يقوم بدور الآخر، كما يعترضون على كلمات من قبيل الأمومة، والأبوة، والأب والأم،والزوج والزوجة، وأن كل هذه الكلمات مجرد مسميات لأدوار يتدرب عليها الناس في البيئة الاجتماعية، وهو ما تطلق عليه الوثيقة “الأدوار النمطية” وتطالب بإلغائها، واستبعاد أثرها لإقامة مجتمع متحرر من القيود والروابط البالية، كما ينتقدون مفهوم المساواة السائد حالياً، ويطالبون بأن يعادالنظر في توزيع الوظائف، وعدم قصر بعضها على الرجال، أياً كان نوعها، وإنما لابد من أن يتم شغلها مناصفة بواقع 50% من الرجال، 50% من النساء -وتدخل في تلك المهام الأعباء المنزلية والأسرية ورعاية الأطفال، وهم مصرون على القيام بأي شيء في سبيل إقرار هذه المفاهيم في مختلف المجالات الاجتماعية بغية تحقيق هدفهم القائم على هدم المجتمع الحالي، وتحقيق التغيير الجذري للثورة الجنسية، وهو ما تطلق عليه وثيقة المؤتمر “تحديات الألفية القادمة والتغيير الجذري في العلاقة بين الرجال والنساء”.

ويمكن تلخيص ما حوته الوثيقة من أفكار تدميرية في الآتي :

> أولا : في مجال الدين :

1- إغفال ذكر الدين أو القيم أو الأنساق الخلقية، وإن ذُكِر الدين فهو يذكر في إطار كونه ممارسات نابعة من تراث وتقاليد المرأة الفقيرة.

2- جاءت أكثر من توصية بضرورة إلغاء التحفظات أو الممارسات التي يكون أساسها ديني أوحضاري، بل تستبعد الدين وتدعو إلى فصله عن شؤون حياة البشر.

3- تهمل هذه الوثيقة الدور الذي يمكن للدين أن يقوم به في مجال مقاومة العنف الموجه ضد النساء والاغتصاب والاتجار القسري في النساء والدعارة.

> ثانيا : في مجال الأسرة :

1- اعتبار أن الأسرة والأمومة والزواج من أسباب قهر المرأة والمطالبة بضرورة تقاسم الأعباء المنزلية ورعاية الأطفال مناصفة بين الرجال والنساء.

2- إغفال دور الزوجة والأم، داخل بيتها، ووصف ذلك الدور بأنه غير مربح (Un rmunerted Work) هناك نوع من أنواع الاحتقار لعمل المرأة في بيتها وقيامها بدورها كزوجة وأن لا يتم عرضه في سياق الوثيقة إلا بلفظ (Un rmunerted Work) ومعناه العمل غير مدفوع الأجر.

3- دور الأسرة غير واضح، والعلاقة داخل إطار الأسرة تكاد تختفي في سياق الوثيقة فكلمة الزوج لم تذكر مرة واحدة، وذكر بدلا منها كلمة أوسع وأعم Parnter أي الزميل أو الشريك Spouse فالعلاقة الجنسية علاقة بين طرفين تدين لكل منهما استقلاليته الجنسية، والحقوق الإنجابية حقوق ممنوحة للأفراد وللمتزوجين على السواء، والخدمات الممنوحة في هذا المجال تمنح للأفراد والمتزوجين، والزنا ليس مستهجناً بدليل المطالبة بضرورة مساعدة المراهقة الحامل في مسيرتها التعليمية، وأن الحديث عن الإجهاض ليس مستهجناً، ولكن تطبق عقوبات تأديبية ضد المرأة التي تقوم بإجهاض غير قانوني كما جاء في البند KI.V.

4- إغفال دور الأم تماماً، ولم تلق أي اهتمام حتى إن كلمة الأمومة نفسها Motherhood لم تذكر سوى ست مرات.

5- تتعمد الوثيقة إغفال أي ذكر للأسرة الطبيعية (الزوج والزوجة) وأهميتها باعتبارها الوحدة الأساسية في المجتمع الإنساني، بل على العكس تعترف الوثيقة بممارسات شاذةوغير مشروعة تهدد بقاء الجنس البشري نفسه، وتروج لها، فهي تعترف “بتعددية أشكال الأسرة، وتدعو إليها وهي تعني الشذوذ، كما تشجع الوثيقة العلاقات الجنسية غير المشروعة بدعم الأبحاث التي تجرى حول ما يسمى بتكنولوجيا آمنة وفي مقدور الناس للصحة الإنجابية والجنسية.

> ثالثا : في مجال العلاقات الجنسية :

للمرأة في جميع الأعمار مطلق الحرية في أن تحدد نوعها الجنسي، وممارسة العلاقات الجنسية مع من يروق أوتروق لها، خارج أو داخل إطار الزواج، مع التحكم الكامل في عملية الإنجاب.

> رابعا : في مجال العنف :

ترى الوثيقة أن كل الرجال قادرون على العنف لذلك تعيش جميع النساء في هلع دائم والثورة الاجتماعية المطالبة بالنوع الواحد هي الوسيلة الوحيدة لوقف مختلف أنواع العدوان.

> خامسا : في مجال الاستقلال الجنسي :

أية علاقة جنسية لاتخضع لرغبة المرأة تعد اغتصاباً حتى ولو كانت من قبل الزوج، والدعارة ليست خطأ إلا في حالة فرضها على المرأة.

> سادسا : في مجال التعليم :

تطالب الوثيقة بضرورة تغيير المفاهيم التعليمية، وتنشئة الطلبة على عدم التفرقة بين الجنسين، وعلى مفهوم النوع الواحد.

كما تتضمن الوثيقة الآتي :

إن كل أشكال الأصوليات الدينية تعوق استمتاع المرأة بحقوقها الإنسانية كما تعوق مساهمتها الكاملة في اتخاذها القرار.

- يجب تمكين المرأة من تحديد ما تعنيه الثقافات والأديان والخلقيات التقليدية بالنسبة لها.

- يجب على الحكومات والمؤسسات الدينية، ومختلف القطاعات الاجتماعية أن تعترف بشرعية مطالبة المرأة بأن يكون لها دور فعال في تحديد وتعريف المعايير الدينية والثقافية، واتخاذ خطوات عملية لتشجيعها على ذلك، أي أن يكون للمرأة حق إعادة صياغة الدين وفقاً لأهداف هذه الأفكار.

هذه المفاهيم والمطالب وغيرها لا يعنينا أمرها إن اقتصرت على مناقشتها في المؤتمرات فقط كمؤتمر بكين،ولكن الذي يهمنا هو ما جاء نصه في الوثيقة على مطالبة الحكومات بسن قوانين تسمح بتنفيذ تلك المطالب لجعلها قوانين دولية تطبق على الجميع، وخاصة القوانين التي تسمح بالانفلات الجنسي تحت مسمى >الصحة الجسدية” أو “الصحة الجنسية” والتي تتضمن إقرار الإجهاض كوسيلة من وسائل منع الحمل إلى جانب الحرية الجنسية الانفلاتية.

وربطوا هذه الانحرافات التي يروجون لها بالديمقراطية، وازدهارها، وأنهم سيواجهون أي واحد من “رجال الدين” تسول له نفسه الاعتراض على هذه المطالب، أو رفض تعديل التعاليم الدينية كي تتماشى مع مخططهم، بل نجد البند 194 يطلب من الحكومات والمنظمات الاتصال ببعضها لمنقاشة الأدوار الجدية للرجل والمرأة في المجتمع.

وقد جعل هذا البند الحكومات تفتح أبوابها للاستخبارات العالمية، وذلك عن طريق مراكز الأبحاث وجمع المعلومات “بمركز الأبحاث والتدريب من أجل تقدم المرأة Enstraw وصندوق التنمية المنبثق من الأمم المتحدة Unifm وتنص البنود 6. 2 b/a، 9. 2 وتتضمن 11 نقطة، وبند 211 وبه خمس نقاط، وبند 212، كلها تدور حول كيفية جمع وتحليل المعلومات وتطوير الأساليب الإحصائية.

كما تكمن خطورة هذه الوثيقة أيضاً في ما جاء في البند 343، 344 من مخاطبة المؤسسات التمويلية، صندوق النقد الدولي، ومجموعة البنك الدولي، وصندوق التنمية الزراعية، لضمان تطبيق الوثيقة.

أي بمعنى الزام الدول بتطبيق بنود الوثيقة لتمويلها وسد ديونها.

————

1- سناء المصري (تمويل وتطبيع) ص 25-26

2- سينا للنشر ط 1 1998م.

3- نفسه ص 24-25

4- لجنة الرعاية التابعة للجنة الصينية المنظمة لمؤتمر المرأة العالمي الرابع ـ مجلة بكين الأسبوعية الصفحات 26-21 دار النجم الجديد بكين 1994

< يتبع

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>