إن من القضايا التي تشغل الإنسان المعاصر، وتثير كثيرا من الخلافات التي تشوش صفو كثير من المجتمعات كما هو الشأن بالنسبة للدول العربية، هي إشكالية المساواة بين الرجل والمرأة، هذه الإشكالية المصطنعة التي استغرقت أوقات الباحثين والكتاب، وشكلت مرتعا خصبا للأقلام والخطباء، يخوض فيها كل حسب مرجعيته وثقافته، وحسب نظرته إلى المرأة خاصة وإلى الحياة بصفة عامة، وكثيرون هم الذين يركبونها مطية للتحامل على الإسلام وتشكيك المسلمين في عدل شريعتهم، ممن يحسبون على الثقافة في ديارنا وقد اشربوا في قلوبهم حب الغرب وأفكاره، حتى أنهم لا يؤمنون بفكرة إلا ذا هب بها الريح من الغرب، مما تمخض عنه مواقف متعددة واتجاهات متباينة وأحيانا متناقضة، ولا يزال الصراع قائما ولن يزال محتدما إلى أن يحق الله الحق ويبطل الباطل.
ورغم تشعب الآراء وتعدد المواقف، فهي تكاد تندرج عموما ضمن اتجاهين رئيسيين :
اتجاه الماديين اللادينيين (العلمانيين) الذين يرفعون شعار المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ويؤكدون على أن المرأة لا تختلف عن الرجل في القليل ولا في الكثير، في الجزء ولا في الكل، فالمرأة رجل والرجل امرأة. وبالتالي فمن الخلل المفاضلة والممايزة بينهما في واقع الحياة، بل يجب أن تزول كل مظاهر التمييز بين الطرفين في كل الشؤون وعلى كل المستويات من غير قيد ولا شرط، ومن سوء حظ هؤلاء أنهم لم ينطلقوا من عقل ولا نقل ولم تساندهم فطرة ولا واقع، ولم يصدقهم منطق ولا علم، بل مستندهم الوحيد هو الشهوة المادية التي غرقوا فيها وولوعهم باستغلال المرأة لإشباع رغباتهم الجنسية والمالية، فهم يتحركون بدافع الغريزة التي تحكمهم وتسيطر على مكامن الوعي فيهم، لذلك فهم غالبا ما يمثلون الفئة الشاذة ويتبنون مواقف كذلك شاذة، إنهم فئة في أدنى مستوى الإنسانية، بل أقرب إلى البهيمية منها إلى البشرية لغلبة النزعات السفلى والغرائز الحيوانية عليهم، فلم تضبطهم الضوابط الإنسانية، ولا استطاعوا الوقوف عند حدودها والاستجابة لمقتضياتها، تراهم ينزعون إلى الحيوانية ويتمردون على الإنسانية ويودون لو ينحدر الناس جميعا إلى مستواهم فيكونون سواء، وهو ماتأباه الإنسانية وخصائصها السامية ويرفضه الحق الثابت الذي لو اتبع أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، إنهم بعيدون عن الطبيعة ومنبوذون من قبل الفطرة كما أنهم جاهلون أو متجاهلون للنظام الذي يحكم الوجود والوظيفة التي سخر كل عنصر فيه من أجلها، مما جعلهم يجرون على الإنسانية من الويلات ويذيقونها من الأزمات ما لا رأس له ولا ذنب.
وهناك الاتجاه الثاني وهو الموقف الإسلامي الذي يرتكز على الفطرة السليمة أساسا، ويستند إلى النقل الصحيح والعقل الصريح مرجعا، كما يسانده العلم الكاشف للحقائق الثابتة واقعا، فكان بذلك موقفا متوازنا ومؤكدا من غير إفراط ولا تفريط أن المرأة لا يمكن أن تكون مساوية للرجل تسوية مطلقة، إذ لم يخلق الرجل مرتين ولا المرأة مرتين، بل كل منهما له تكوينه الطبيعي المتميز ووظيفته الخاصة رغم ما بينهما من القواسم المشتركة، وما هذه النداءات بإنصاف المرأة إلا أحد الأدلة الواضحة على ذلك. هذا الاختلاف في التكوين والوظيفة هو الذي كان وراء التفريق فيما يتصل به من الأحكام، علما بأن الإسلام لم يخالف بين الرجل والمرأة شريعة إلا فيما اختلفا فيه طبيعة، أي في الأحكام التي تخضع لتلك الفوارق وتتأثر بها، ويتعذر العدل بالتسوية فيها، وهذا يدل على عدل الإسلام المطلق ودقة تشريعه المتناهية، عكس ما يتوهمه المتوهمون، ولا غرو في ذلك إذ الذي طبع الطبائع هو الذي شرع الشرائع. {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} فهو سبحانه كما خلق السوات والأرض بالحق أنزل الكتاب الحكيم بالحق. والحق لا يناقض نفسه، فكان ذلك التطابق بين الشريعة والطبيعة، بين الخلق والأمر، بين الإسلام والفطرة، لذلك فالأحكام التي مايز الإسلام فيها بين الرجل والمرأة أحكام لها أسباب منطقية وعلل واقعية وحكم جلية، فهي تشريعات تابعة للفطرة والوظيفة، فقد ثبت علميا أن كل خلية في جسم المرأة تحمل خصائصها وتعبر عن أنوثتها، بل من العجيب العاجب أن يؤكد العلم أنهما يختلفان حتى في الثرثرة، فإذا اختلفا على هذا مستوى فكيف بالأعضاء الجسدية والنفسية المعقدة التي لولا خشية التعرض للمثل السائد (تفسير الواضحات من المفضحات) لقمت بالتفصيل فيها, وبالتالي فإنني اكتفي بمطالبة شعار المساواة الخيالية بالتسوية بين الرجل والمرأة بداية في الأساسيات التي تنبني عليها مؤسسة الأسرة باعتبارها رأس المؤسسات التي تضم الرجل والمرأة في أرقى علاقة وأوثق ميثاق، فيما تلون بينهما في الحمل والولادة والرضاعة… إذ ليس من المساواة في شيء أن تتكبد المرأة متاعبها ومرارتها وحدها في حين يكتفي الرجل بمقاسمتهما الثمار والمنافع فقط، فإذا ما تحقق المطلوب وثبتت المساواة فإن المفاضلة بينهما على مستوى التشريع والقانون لن يبق له معنى، لأن العلل والأسباب الداعية إليه قد تغيرت وانعدمت، والأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما، وبذلك نكون قد دخلنا إلى المساواة من أبوابها وتفادينا كل المشاكل التي تعترض سبيلنا بطلبنا تغيير الأحكام مع قيام عللها. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فعلى الأقل سووا بينهما في ألعابكم الرياضية والفرق الكروية المختلفة ـ إذ لم نشاهد أو نسمع مباراة عقدت في كرة القدم أو غيرها من ألوان الرياضات بين فريق من الذكور وفريق من الإناث، كما أننا لم نسمع من يطالب بالمساواة في ذلك ـ وفي وسائل إعلامكم، فما معنى أن يظهر الرجل في وسائل الإعلام بلباس كثيف ساتر ما عدا الوجهوالكفين في حين تبدو المرأة كاشفة لصدرها وساقيها، فلماذا ترضى هذه أن تلبس نصف لباس الرجل وتستر نصف ما يستره؟. إن هذا ليكشف عن جوهر الصراع في قضية المرأة بأنه صراع بين الفطرة والغريزة، بل مظهر من مظاهر الصراع الدائم بين الحق والباطل .
كيف لا وهو صراع بين هدى الله وضلال البشر بين اليقينيات الربانية والظنون البشرية بين الحقائق والأوهام التي لا تلبث أن تتلاشى أو تذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض مهما تهافت المتهافتون وتخبط المتخبطون {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى}.