… لا تزال قضية منع الحجاب والرموز الدينية في المدارس والمؤسسات الحكومية الفرنسية تتفاعل، والمواقف بشأنها تتشعب وتتباين بين معارض ومؤيد ومتحفظ.
فالمعارضون للقرار من جمعيات نسائية وازنة وجمعيات لحقوق الإنسان وحتما جمعيات المجتمع المدني الفرنسي تقول ببطلان القرار لأنه يتعارض أولا مع البنود 18و 19و 26 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان.
ويتعارض ثانيا مع المبادئ والقيم الأساسية التي قامت عليها الثورة الفرنسية.
أما المؤيدون للمنع وعلى رأسهم الرئيس شيراك والذي ضل يحضى باحترام وتقدير من الشعوب والحكومات العربية والاسلامية. فيقولون بأن الرموز الدينية وعلى رأسها الحجاب الإسلامي (إن هو المستهدف بالدرجة الأولى) تسيء وتتعارض مع مبادئ العلمانية كما تؤمن بها فرنسا والعديد من الدول الغربية وحتى العربية. إلا أن السيد الرئيس شيراك لا يمانع من أن يضع المواطنذكرا كان أم أنثى رمزا دينيا بحجم صغير لا يثير الانتباه. كالصليب الصغير حول العنق أو النجمة السداسية بالنسبة لليهود أو “يد فاطمة” La main de Fatima بالنسبة للمسلمات والمسلمين على السواء -تطبيقا لمبادئ المساواة-!!.
الرئيس الفرنسي -لافض فوه- يجد لكم بثاقب فكره أيها “المتزمتون” أيتها “المتزمتات” حلا يرضي الجميع ولا يحرج أحدا، ويعود عليكم وعليكن بالنفع العميم.
فيد فاطمة عليها الصلاة والسلام La main de Fatima تصبح بديلا عن تلك القطعة الحريرية الناعمة الملمس التي تضعنها على رؤوسكن ما دامت تشكل خطرا وإحراجا لمبادئ وفكر متأصل ومتجذر في وجدان وسلوك كل الفرنسيين، وكتبت حوله جبال من الكتب، وألقيت الملايين من المحاضرات، وعقدت آلاف الندوات والمؤتمرات من أجل ترسيخه لمدة تربو عن القرنين من الزمان!!.
فيد فاطمة أصبحت إذن هي البديل الملائم لذلك القماش الحريري الناعم، حتى ولو كان بألوان العلم الفرنسي كما شاهدناها في مظاهرات باريز الأخيرة. فقطعة القماش هاته تخدش كبرياء العلمانية الفرنسية، وتسيئ إليها أيما إساءة، أما La main de Fatima فهي إضافة لكونها “حْجاب” فهي أيضا “سْتر” في كل “شيطان وهامة من كل عين لامة”.
“حْجاب وسْتر” على حاملته أولا ثم على مبادئ وقيم العلمانية الفرنسية ثانيا. فدعوة استبدال الحِجاب ب “الحْجاب” هي في النهاية أمر واحد وزيادة.
فإذا كان الحِجاب الأول مادي “فالحْجاب” الثاني أي “يد فاطمة” فهو معنوي يقي حامليه من الجنسين من عيون الحاسدين أجارنا الله وإياكم منهم.
فيد فاطمة La main de Fatima زيادة على كونها حِجاب فهي “حْجاب” “وعين الحسود فيها عود” على رأي المثل المغربي.
يذكرني تخوف الحكومة الفرنسية والرئيس بالذات من أذى الحجاب الإسلامي على مبادئ وقيم العلمانية (وهم محقون في ذلك وقد أجازهم شيخ الأزهر)، قلت، يذكرنيتخوف هؤلاء بما حدث منذ سنوات بتركيا، حين تجرأت برلمانية مشاكسة ودخلت قاعة البرلمان وهي تضع على رأسها حجابا ناعما. فارتجت جنبات البرلمان وأزبد رئيسه وأرعد حتى كاد المسكين أن يسقط من هول الصدمة. بل وحتى تمثال “أتاترك” امتقع وجهه وتململ من مكانه، لأنه شعر بالإهانة والخوف الشديد على ذهاب المبادئ العلمانية التي استمات من أجل ترسيخها في تركيا. فما كان من البرلمانية المشاغبة “قواقجي” إلا أن خرجت مرفوعة الهامة حفاظا على أعصاب علية القوم، وسُحبت منها عضوية البرلمان فيما بعد، بعدما أثبتت التحريات الدقيقة إنها عميلة ل “CIA” بل وضبطت متلبسة بحمل الجنسية الأمريكية!!
فُصلت إذا “قواقجي” من البرلمان انتقاما لمبادئ “أتاترك” ومن يومها استقر تمثاله مكانه ولم تحترق أعصاب أحد بعد ذلك.
آه! لو عملت تلك المشاغبة المتنطعة يومها بنصيحة شيراك، واستعاضت عن حجابها الناعم بيد فاطمة، لكانت قد جنبت قومها العديد من المشاكل، ولكانت قد احتفظت بمنصبها في البرلمان معززة مكرمة. ولكانت اليد المباركة حجابا لها وسترا من “المرمطة” والمزايدات الصحفية والألسنة البذيئة.
لو كانت تحمل “حْجاب لالا فاطمة” لما تمكنت منها عيون الحاسدين والحاسدات أجارنا الله وإياكم منها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.