متى نقلع عنها؟؟


حياتنا من صنعنا، نحن الذين نصنع حياتنا، الإنسان هو الذي يحدد كيف هي الحالة التي يكون عليها. طبعا كل ذلك داخل في قدرة الله وقضائه، وكل ذلك سابق في علمه سبحانه.

شخصية الإنسان تتشكل من خلال “أفعاله وعاداته، من خلال البيئة التي يعيش فيها هو، ذلك أن فؤاد الإنسان يتطبع بما يمارسه ذلك الشخص، إذا أقبل على المعاصي وفعل الرذائل وكرر ذلك مرارا، وسار ذلك من عاداته، شغلت حياته، وملأت فؤاده، وسيطرت على حياته، فلا يستطيع الخروج منها، بل يسير على ذلك الحال، وكل تفكيره وأفعاله تخدم ما هو شاغل قلبه. ينام على تلك الشاكلة ويصبح عليها، ويخطط ليومه وغده في إطارها.

أفكاره وخواطره التي تخطر بباله هي من جنس ماهو عليه من المعاصي، تراه يعمل من أجل شهوته المحرمة، ماله الذي يوفره ينفقه في سبيلها، وقته الذي يفرغ فيه من العمل ينفقه كذلك، إن كان يملك سيارة فهي مسخرة في سبيل المعصية، منزله الذي يقطن فيه مسخر كذلك، إن كان يدمن على شرب الخمر فكل ما ذكرناه يخدم الخمرة؛ المال، الوقت، السيارة، المنزل، ربما الأصدقاء أيضا يسخرهم في خدمة المعصية. إن كان يدمن على الزنا فكل حياته تدور في فلك الزنا، تراه في الشارع وهو يترصد صيده، هذه طويلة، هذه شقراء، هذه جميلة، هذه كذا. ماله ينفقه على كل عاهرة اشتهاها، يسير معها أينما أمرته واقترحت عليه بشرط أن تمكنه من نفسها، وتدعه يروي نهمه الجنسي ويشبع غريزته البهيمية. المهم عنده هو هذا لاغير. يسلك كل سبيل يوصله إلى قضاء شهوته.

يُحكى أن رجلا مسلما ببغداد كان يعشق امرأة نصرانية حسناء. وقد كان يراودها عن نفسها، ويطلب منها الوصال، فتأبى عليه، وقد علمت بمدى عشقه لها وحبه لها، فجعلت ترفع سعرها، وتشترط شروطا حتى طلبت منه أن يرتد عن الإسلام ويدخل في دينها إن أراد أن ينال منها مراده، فاستجاب لها وارتد عن دينه، وبعد ذلك طلبت منه أن يشرب الخمر، ففعل، فلما رأته قد شرب حتى الثمالة وذهبت الخمر بعقله بعد أن ذهب الهوى بفؤاده، صعدت إلى سطح المنزل، وصعد هو في طلبها إلا أنه سقط من أعلى السطح فمات. ولما علم المسلمون بخبره لم يصلوا عليه ولم يدفنوه في مقبرة المسلمين.

أنظر إلى الشهوة كيف تفعل بصاحبها إذا تمكنت من قلبه، فلا هو نال مطلوبه من المرأة ولا هو مات مسلما. قد خسر الدنيا والآخرة.

المعاصي تورث صاحبها خوار العزيمة وضعف الهمة. إن عقد العزم على فعل ما أو هدف ما، يسقط في بداية الطريق، ولا يستطيع الاستمرار، ذاك أنه بمجرد أن تعرض له شهوة فإنه يميل إليها ويترك ما عقد العزم عليه. فهذا مدمن خمرا أراد أن يجمع بعض المال من أجل أن يستقل ببيته بعد أن كان يقطن في منزل ضيق مع جيران كثر، لكنه لم يستطع، إذ ما أن يدخل جيبه درهم إلا وينفقه في قنينة خمر. وامرؤ القيس جاءه خبر وفاة والده وقت معاقرته الخمر، فما كان منه إلا أن قال قولته المشهورة : اليوم خمر وغدا أمر.

تأمل في هذا الحادث : رجل يأتيه خبر وفاة والده، وما أدراك ما الخبر، خبر الوفاة. منا من يسمعه فيقع مغما عليه، ومنا من لا يملك نفسه فتصدر منه حركات لا إرادية أو صياح أو ما شابه ذلك، منا من يكون في بلد بعيد فيتوجه إلى المطار في الحين فيقتني التذكرة -مهما بلغ ثمنها- ليحضر جنازة والده. لكن امرؤ القيس هذا قال : اليوم خمر وغدا أمر.

مدمن المعاصي مسلوب الإاردة لا يثبت على حال، دائم التقلب، لايعرف معنى السعادة والهناء، ولا يعرف معنى السكينة أبدا، قد نُزعت منه، وبدا بينه وبينها أمدا بعيدا.

أتعرف ما معنى غياب السكينة؟ إنه الاضطراب، نعم الاضطراب في كل شيء. الاضطراب في الحياة كلها. أتدري ما معنى حياة مضطربة : لا استقرار فيها، ولا ثبات ولا سكينة، ومن قبل قال ابن خلدون إن البدو هادمون للحضارة لأنهم كثيري الترحال، لا استقرار لهم، ونحن نقول إن المدمنون على المعاصي هادمون للحياة كلها : النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الدينية.

تعالى معي إلى قوله تعالى فيمن هم مدمنون على معصية الربا : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}، هل يستطيع أن يقوم؟ أبدا لا يستطيع، لا هو يقوم، ولا حياته تسيتقيم، ولا تفكيره. ولا عمله، كل شيء في تخبط، كل شيء مضطرب . نسأل الله تعالى العافية. المرابي يرى سلفا فيه ربا ربح كبير، لا يقر له قرار حتى ينجز الصفقة. ظنا منه أنه فاز بتلك الصفقة فوزا عظيما, وإنما هو الخسران المبين. كذلك المدمن على الزنا يرى فريسته فتتحرك في نفسه شهوة الجماع، فتسري في جسمه كاللهيب فيغلي دمه من حرارتها، وتخطف بصره، إن كان في شغل ترك ذلك الشغل، إن كان مع أصدقائه انفصل عنهم، لا يقر له قرار حتى يلبي نداء الشهوة. إنها العبودية فعلا،عبادة الشهوة، الشهوة أصبحت إلاها، وصدق الله تعالى إذ قال : {أرايت من اتخذ إلهه هواه}.

المعاصي تورث صاحبها خراب الدين، نعم يخرب دينه الذي هو عصمة أمره، نعم الدين الذي هو صمام حياة المسلم، تخربه المعاصي إذا أدمن عليها الإنسان. فبقدر ما تتمكن من قلبه، بقدر ما يبتعد عن الدين، ويضعف إيمانه وينزع منه الحياء، والإيمان والحياء قرناء، إذا رفع أحدهما رفع الآخر. ويكثر جشعه ويسلك كل طريق حرام يوصله إلى قضاء شهوته مهما كانت والمعاصي تكثر السيئات، والسيئات تأكل الحسنات، فيصير الإنسان مفلسا، كما جاء في الحديث فيما معناه من المفلس؟ قالوا : المفلس من لا درهم له ولا دينار، قال : المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام، وسائر الأعمال وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته حتى لا يبقى له حسنات فيأخذ من سيئات الذين ظلمهم في الدنيا. حتى إذا انقضتحسناته وكثرت سيئاته كُب في النار. أجارني الله وإياكم من النار.

إذا كانت المعاصي هي سبب هذا المصير المشؤوم، فكيف السبيل للخروج منها والانتقال إلى رحاب الطاعة والهناء؟

هذه دعوة إلى الدعاة وأهل العلم ليبينوا لنا كيف الخلاص؟ ودعوة أيضا إلى الذين مَنَّ الله تعالى عليهم بالتوبة ليحكوا لنا كيف خرجوا من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة. وربَّ كلمة تكتبها لا تدري لها بالا تكون سببا في إدخالك الجنة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>