إن الحاقدين على الإسلام من قديم الزمان يريدون شَغْلَنا بالكثير من اللغط والجدال حول أشْكال ومظاهر تعبِّر عن قيمة خُلُقية من قيم الإسلام ليصرفونا عن لب الإسلام وجوهره، وتلك فتنة كبيرة وبلاَءٌ عظيم، وجُرْحٌ عميق، ولكن ذلك كله يهون بالصمود والثبات إذا جَدَّدنا في أنفسنا الإيمان وازداد تعلُّقنا أكثر فأكثر بالجوهر واللباب.
ومن هذا القبيل النعيق الذي بدأ علي الحجاب بأوروبا وأذيالها في القرن الماضي، ووصل ذروته في أوائل القرن الحالي، بوصوله المجالس التشريعية، والتصويت على منعه بأغلبية ساحقة تدل على الجموح الكفري، والطيش العلماني، والسفه النفاقي، والتفلت العاطفي، والانهزام الداخلي المرير.
فالعلمانية -كما يَدَّعي دهاقنتها- حياد نزيه، تستهدف سَوْق الناس في شؤونهم الدنيوية بقوانين بشرية، وتترك للناس حرية الاختيار في شؤونهم التعبدية والشخصية، إلاَّ أنها حادت عن فلسفتها هذه المرة، وطاش سهمها، عندما اعتبرت الحجاب رمزاً دينِيّاً يهدِّد العلمانية. فالعلمانية ليست دينا حتى يهدِّدها دينٌ آخر، إلا إذا كانتِ تعتبر نفسها صليبية أو يهودية تتستَّر وراء البراقع العلمانية خداعاً للسذَّج ولعبا بالمغفلين.
فالحجاب حرّىة شخصية لا يهدِّد مؤسسة تشريعية، ولا دستوراً علمانيا، ولا ديمقراطية علمانية، فمِمَّن الخوف إذن إذا كان العُري أخطر على المجتمع العلماني من الحجاب بآلاف المرات. فكيف يُسمَحُ للإنسان بالتعري، ولا يسمح له بالتستر؟!.
وكيف يسمح للإنسان بحلق شعر في وجهه خلقه الله زينة له، ولا يُسمح له بالتلحِّي؟!.
إن العلمانية -فيما يظهر- حادت عن مَسارها وكشفت عن وجهها البشع ونزلت إلى قاع الحقد الصليبي الظلامي الذي جرّبته شعوبها قرونا وأجيالا، فخرجت منه صفر اليدين، وخرج منه الإسلام عالي الرأس ظافراً منتصراً ينادي بالتعايش الكريم والتحضُّر الراقي القويم، الذي يبني الإنسان الكريم، ويسد الأبواب في وجه المريض السقيم.
وإذا كان المسلمون لا يستطيعون أن يملكوا أنفسهم عن التأثر والامتعاض، فعليهم أن يعلموا : أن جوهر الدين إسلامُ الوجه لله تعالى، وتحريرُ القصد والعبادة لله، ومتابعة الاهتمام بالدّعوة الحكيمة لله تعالى القوي الحكيم، كفيل بأن يمنح المسلمين قوة وثباتا، وعزة ربانية تطفئ وتخمد كل المكائد في جحورها.
{لا تَحْسِبَنَّ الذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ في الأَرْضِ ومَأْواهُم النّارُ ولَبِيسَ المَصِير}(سورة النور).