فتن مكر الكافرين بالمسلمين


لما نقرأ السيرة النبوية، نسمع بقصة خبر يوم الرجيع : المسلمون دخلوا مع المشركين في مواجهات بغزوة بدر، وكانت النصرة واضحة للمسلمين في غزوة أحد أول الأمر ولكن ومع العصيان فقتل فيها من المسلمين على قدرما قتل من المشركين ببدر.

بعد هذا يأتي أناس إلى رسول الله  يقولون له إن فينا إسلاما وأناساً يحبون الإسلام فأرسِلْ معنا بعض أصحابك ليفقهونا في الدين، ويعلمونا القرآن وشرائع الإسلا م، والرسول  كانت هذه هي مهمته أن يرسل مع الناس كل من جاء يسأل فأرسل معهم ستة أو عشرة نفر، فخرجوا وانفصلوا عن البلاد، ثم إن هؤلاء الناس المشركين غدروا بهم وأغروا بهم قبائل هذيل فأحاطوا بهؤلاء وهم حوالي مائتي رجل، وطوقوا هؤلاء المسلمين.

قريش كانت قد انهزمت في بدر، فلم تستطع أن ترد تلك الهزيمة فأصبحت الآن تنتظر الفرصة للغدر بالصحابة لأجل أن تنتقم منهم. هل هذا أسلوب يناسب أخلاق العرب فيما سمعنا عنهم في الجاهلية؟؟

وعندما أحيط بهم طُلب منهم أن يستسلموا، فكان منهم الصحابي الجليل عاصم ]، الذي رفض أن يتنازل ويقبل عهداً، قال : إنني لا أقبل للمشركين عهدا ولا ذمة، فظل يقاتل حتى أحاطو به وأحس أنه سوف يصاب فقال دعاءه الشهير : >اللهم إني قد حَمَيْتُ دينك، أول النهار، فاحْمِي جِسْمِي آخرهُ<، لأنه كان قد التزم منذ أسلم ألا يمس جسمُه جِسْمَ كَافِرٍ، التزم ألا يمس كافرا وأن لا يمسه كافر. والآن هو سيموت ولا شك أن المشركين سيأخذونه، ولذلك دعا بهذا الدعاء، فقُتِل وطلبه المشركون في مكانه ليقطعوا رأسه، لأن امرأة في قريش كانت قد نذرت أنها إن تمكنت من رأس عاصم أن تقطعه وتشرب في قَحْفِه خمرا أي تزيل دماغه من رأسه كي تشرب في عظامه خمرا، لأنه كان قد قتل بعض قومها فذهبوا يَطْلُبون رأسه حتى يبيعوها لهذه المرأة التي تسمى سلافة بنت سعد، فوجدوا أنالدَّبْرَ قد حماه وأحاط به، وهو ذكر أو سِربُ النحل، فقالوا لا نطلبه الآن حتى يَهْرُب النحل. فطلبوه في المساء فغيَّبَه الله تعالى عنهم بالوادي، فلم يصلوا إليه.

ومات بعد ذلك صحابيان آخران في نفس الجولة، لكن خبيبا ] وزيد بن الدثنة نزلا على عهد قريش وقبلا بذلك فقبضا وأُخِذَا إلى مكة، وبيعا إلى بعض قريش الذين كان لهم ثأر. فأما خبيب فقد أخذه بعض بني الحارث ووضعوه في بيت إسطبل وقيدوه وبقي عندهم مدة في انتظار أن ينفذوا فيه حكم الإعدام.

وكان جالسا في مكان وكانت إحدى النساء تدخل عليه، وذكرت هذا بعد إسلامها فقالت : وقد كنت أدخل على خبيب فأجده يأكل قطف عنب وليس في مكة كلها شيء من هذه الثمار. كان وحده يأكل هذا العنب، لم نكن ندري من أين كان يأتيه. فعلمت بهذا الأمر لكنها لم تذكره إلا بعد مدة، وطلب منها في بعض الأيام مُوسَى ليقص شعره -استعداداً للشهادة على نظافة- فأعطت له الموسى أي موسى الحلاقة، وكان أحد الأطفال قد تعود أن يلاعب هذا الأسير المسلم، لكن الأم فتحت يوما عينيها لتجد أن الأسير فوق رقبة خُبَيْب وأن الموسى كانت بيده، فانزعجت و ذُعِرْت فقالت هذا زيد لابد مقتول، وهذا خبيب لابد مقتول، والطفل موجود عند خبيب لا بد أن يستعمله رهينةً أو يقتُله، فلما رأى خبيب ذلك قال إنا لا نفعل ذلك إن شاء الله،نحن لا نقتل الأطفال الأبرياء فرده إلى أمه، وأُخرج بعد ذلك من الحرم إلى الحل ليقتل، وطلب حينئذ أن يصلي ركعتين قبل قتله، وكان أول من سَنَّ هذه السنة، أي سنة الصلاة قبل القتل، ثم أعلن أنه ليس مكترثا لهذا المصير وليس آسفا عليه.

وقال بيتين معروفين :

ولست أبالي حين أقتل مسلما

على أي جنب كان في الله مصرعي

وذاك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزع

ودعا وقال : اللهم إنا قد أبلغنا رسالة رسولك فأخبره بما يُفْعَلُ بنا الغداة. وفعلا فقدقال الرسول  لأصحابه إن خبيبًا الآن يقتل.

وهذه قصة معروفة، أما زيد بن الدثنة فهو أيضا قُتل وحضر قتله مجموعة من المشركين وكان منهم أبو سفيان الذي قال له : أتحب الآن أن تكون بأهلك وأن محمدا الآن في مكانك يُقتل عندنا قال : إني لا أحب أن تصيب محمداً  شوكة وهو في بيته، فكيف أتمنى أن يكون في مكاني؟! فقال أبو سفيان : والله ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحابِ محمد محمّداً. بمعنى أنه لم يكن آسفا على هذا ولا كان يرى أن هذه مغامرة، بل قبل بهذا الأمر وقتل واستشهد رحمه الله. وهذا وقع في يوم الرجيع.

ووقع مثله في بئر معونة حيث قُتل فيها عدد كبير من القراء أي في نفس المدة، وفي نفس الشهر قتل نحوٌ من 40 من أهل القرآن بهذه الطريقة الغادرة. ويومئذ صار رسول الله  يقنت -شهرا- في كل صلاة يدعو على رِِعْل وعُصية وذكوان وهي القبائل التي غدرت بالمسلمين يوم بئر معونة.

إذن يوم الرجيع ويوم بئر معونة معروفان في تاريخ المسلمين وفي السيرة لمن كان يطالعها ويقرؤها. فهما مثالان واضحان يدلان على أن الكفر لا عهد له ولا ذمة، وإنما تتجدَّدُ الوسائل والأساليب، أما الغدر بالمسلمين فهو من شيم الكفر قديما وحديثا، وهو من أكبر فِتن المَكْر والكيد.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>