1- آفة الغش
التعليم بمختلف مستوياته مقياس يقاس به ازدهار الأمم وتأخرها، فبازدهاره وتقدمه تزدهر الأمم وتتقدم، وبتأخره وتقهقره تتأخر الأمم وتتقهقر، وبمقدار ما تستثمر فيه الأمم وتضحي من أجله، يكون مقدار النتيجة والحصيلة.
غير أن الذي ينظر إلى التعليم ببلادنا يجد واقعا مرا اجتمعت فيه كل الآفات، من غش ونفاق وتكاسل وضعف مواطنة وتهميش وقلة عناية، بل وازدراء وحط من القيمة والدور والأهمية إلى درجة أنه أصبح آخر ما يفكر فيه بدعوى أو بأخرى. وسأقف مع القارئ الكريم في بعض المحطات وفي عدد من الحلقات على عدد من الآفات التي لا ينكرها إلا جاحد.
أكبر آفة هي آفة الغش التي سرت في مختلف بنيات التعليم ومكوناته سريان النار في الهشيم.
لقد كنت أظن قبل فترة أن الغش مقصور على طائفة من التلاميذ في الأقسام الثانوية فقط، أو هو غالب فيها على الأقل، لكني تأكدت بعد ذلكأن الغش عام يشمل كل مرافق التعليم وبنياته.
هو موجود في الجامعة، ومُتَفَشٍّ فيها وتُستعمل فيه كل الوسائل حسب الظروف والمقامات وحسب حدة الهاجس الأمني، فالذي يهم هناك هو أن تمر الأمور بسلام، أما المستوى العلمي والحصيلة النهائية فلا يهم.
هو موجود في الاعدادي أيضا، رغم أن ظروف الاعداديات ملائمة لتطبيق القانون بصرامة. لأن التلاميذ صغار، وليست هناك منافسة ذات أهمية فيما بين الإعداديات.
لا بل أكثر من هذا هو موجود في المدارس الابتدائية في البوادي والمدن على حد سواء، خاصة في الأقسام التي تعج بالاكتظاظ أو تتعدد فيها المستويات داخل القسم الواحد.
لا بل وأكثر من هذا أيضا، هو موجود في المدارس الخصوصية. التي يفترض أن تنافس المدارس العمومية جودة وعطاء ومستوى، هو موجود فيها بما في ذلك المدارس الابتدائية.
هو آفة والله، يكون الدافع إليه الإهمال أو اللامبالاة، أو الرياء والتظاهر، أو التنافس المبني على النفاق، أو الهاجس الأمني، أو قلة الإيمان وانعدام الضمير، أو القدوة السيئة، وهي الطامة الكبرى.
إن القدوة السيئة لنموذج واحد يهدم العشرات وربما المآت من نماذج القدوة الحسنة. ولقد كشفت مباريات الترقية التي جرت خلال يومي 19 و20 دجنبر الماضي، أن شريحة لا يستهان بها من رجال ونساء التعليم، لجأوا إلى الغش لسبب من الأسباب، وأصبح ذلك السلوك، حديث الخاصة والعامة في تلك الأيام، بل غَصَّة في حلوق الأبرياء النزهاء الغيورين على شعبهم ووطنهم ومستوى التعليم فيه. وإذا كان الذي يفترض أن يكون قدوة يلجأ إلى الغش، فماذا يفعل التلميذ.
إن الغش آفة من الآفات الكبرى التي تنخر كيان المجتمع عندنا بصورة عامة، وبنيان التعليم بصورة خاصة. وهو ظاهرة ينبغي معالجتها قبل أن تستفحل وتصبح سلوكا عاما. إنها ظاهرة يمكن القضاء عليها، ما دامت هناك شرائح من التلاميذ ومربيهم وأساتذتهم يقولون : “اللهم إن هذا منكر”.
أما إذا ترك الأمر هكذا، فسيأتي يوم يكون فيه حامل الإجازة مضطرا إلى الدخول إلى مدارس محو الأمية.
ولعل الذي حصل في فاس في امتحانات ما عُرف “بامتحانات سيدي علي”(ü)، وتكرر في أماكن أخرى وفي سنوات أخرى، بما في ذلك هذه السنة في امتحانات المراقبة المستمرة وفق النظام الجديد في بعض الكليات، دليل واضح على ما نقول.
————-
(ü) إشارة إلى أنه بدافع الهاجس الأمني تُرك الحبل على الغارب وقُدم “كل ما يلزم” إلى الطلبة الممتَحَنِين بما في ذلك ماء “سيدي علي”.