على مدى السنين التي عاشرت فيها الفقيه العالم المجاهد أحمد الحجامي، كان همه الأوحد ابتغاء مرضاة الله. و كان فضيلته في رقي مستمر، حيث كان في سعيه إلى مرضاة الله يعمل باسمرار، و بوعي تام و دون كلل، على تحسين عمله كله.
كان رحمه الله إلى أواخر حياته يختم القرآن كل ثلاثة أيام في صلاة التهجد، كما كان يصوم الدهر، أو صيام داوود، حيث كان يصوم، رحمة الله عليه،أسبوعا ثلاثة أيام و أسبوعا أربعة أيام. و ذكرت لي والدتي رحمها الله أنه كان على هذه الحال طيلة معاشرتها له التي دامت زهاء خمسة و ستين سنة. وكان يعتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان.
ذكرت لي والدتي رحمها الله أنه كانت رجله مريضة و لم يكن قادرا على المشي و لم يتخل عن الوضوء بل كان يمشي للحمام حبوا كي يتوضأ و هو في التسعين من عمره. و لم يتوقف عن الوضوء و يبدأ بالتيمم إلا حين عجز عنه، حيث كان يطلب مني أن أغسل يديه و وجهه بنفسي كلما كانت الحاجة لذلك لعدم قدرته على غسلهما. و بقي يتيمم إلى أن لم يستطع حمل حجر التيمم الصغير فمسكه بيده اليمنى هنيهة ثم تركه و كان ذلك في آخر يوم في حياته.
عملا بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي “أفضل ما يتقرب به عبدي إلي ما افترضته عليه” كان رحمه الله يعمل كل يوم جاهدا لتأدية الفرائض على أحسن وجه. فكان رحمه الله يتدبر باستمرار كل جزئية من الفرائض و يبحث عن أحسن السبل لأدائها على أكمل وجه؛ من النية إلى الاستعداد إلى الأداء ثم إلى شكر الله على توفيقه. وكان يحتاط لأدائها، تجنبا للموانع و يحصنها بالنوافل.
كانت صلاته دوما في المساجد. و حرص على بناء المساجد في الأحياء التي سكن فيها و لم يكن بها مسجد كحي بورمانة و حي الأدارسة بفاس حيث كان يصلي في المساجد المجاورة قبل بنائها. و كان يتألم أيما ألم إذا فاتته تكبيرة الإحرام مع الجماعة. كما أنه كان حريصا على وضع جبهته على الأرض دون حاجز من عمامة أو طاقية كما كان يكره الصلاة على الزرابي الغليظة. و في آخر أيام حياته، حيث كان يصلي بالإيماء، كان يطلب منا أن نكشف عن جبهته أثناء الصلاة و كأنه يسجد فعلا.
كان رحمة الله عليه حريصا على أن تكون كل أعماله و حتى البسيطة منها موافقة للشرع مما جعله دائم البحث و المذاكرة مع أهل العلم في كل جزئية أو كلية تعترض حياته. و لم يكن رحمه الله مستبدا برأيه بل كان حريصا على الاستشارة.
حمل رحمه الله السلاح لجهاد المستعمر منذ سن الخامسة عشر، حيث رافق والده الولي الصالح المجاهد محمد الحجامي في عدد من معاركه ضد الاستعمار.
كان رحمه الله ينصحنا بمجالسة من ينهضنا حاله و يدلنا على الله مقاله، و كان هو من هذا الصنف من الرجال. و كان لا يقبل في مجالسه إلا ما يرضي الله و لا يقبل بلغو أو غيبة أو نميمة. كما أن مجالسه لم تكن تخلو من الانشراح و النكت اللطيفة و المستملحات. و كان خفيف الظل يمزح مزاحا شرعيا محدودا كله حكم و عبر.
كان رحمه الله محبا للعمل منظما يعمل بيده في مزارعه و لا يكسل و لا يعجز، كما كان يحثنا على العمل و اتخاذ الأسباب في الرزق حتى لا نكون عالة على المسلمين.
كان رحمه الله عالما شديد الالتزام بالسنة و بمذهب الإمام مالك و مدافعا عنه، كما كان يحترم أهل الفضل و العلماء و العباد و يتأدب معهم غاية الأدب.
تحمل مسؤولية “الزاوية الحجامية” كمرشد حيث قضى معظم أوقاته في الإرشاد و الإصلاح بين الناس.
و أخيرا لا أنسى لطفه بي في معاملتي حيث إنه لما رأى أنني منشغل غاية الانشغال في عملي قال لي “إني مسامحك في حقي فيك لأنك تعمل للصالح العام” ففهمت أنه خشي أن يعاقبني الله على عدم البرور به على أكمل وجه فسامحني لطفا منه و حنانا. و في آخر حياته كان يدعو لي قبل أسفاري المتعددة المرتبطة بعملي و يقول “أعانك الله فكم من ذنب لا يغفره إلا السعي على العيال”. فجزاه الله عني خير الجزاء.
هذه بعض المظاهر من حياته و صفاته، و هناك جوانب لم نذكرها لضرورة إعطائها حقها في الذكر، نرجو الله أن يوفقنا لذكرها لاحقا. فرحم الله العلامة سيدي أحمد بن محمد الحجامي، والدي العطوف ومربي الحنون، و غفر له و قضى عنه تبعات خلقه.