آخر خطاب للمرشد العام للإخوان المسلمين مأمون الهضيبي(ü)  في مؤتمر (الحملة الدولية ضد الاحتلال الأمريكي والصهيوني)


لا للعولمة والرأسمالية والهيمنة الأمريكية

أيها الإخوة والأخوات والضيوف الكرام :

من القاهرة- عاصمة العروبة والإسلام- أحييكم جميعًا بتحية الإسلام؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أقف أمامكم في هذا المؤتمر العظيم وقطعة غالية من بلادنا ترسف تحت الاحتلال الأمريكي.. أقف أمامكم وعاصمةٌ من عواصمنا التاريخية، عاصمة الخلافة الإسلامية.. عاصمة الرشيد.. مدينة السلام.. هذه العاصمة سُرقت منا، وجزء مهم من تاريخ الأمة سُرق منا، وجزء من عقل الأمة انتُهب منا، وجزء من تراث الأمةِ سقط تحتَ أقدامِ الاحتلال، هذا الجزء الغالي صار الآن يرزح تحت نير الاحتلال الأمريكي والأطلسي، تحت ذرائع تتنافى مع القيم والأخلاق ومع قواعد القانون الدولي ومع الأعراف الدولية؛ فقد ادعت أمريكا وحلفاؤها أنهم جاءوا بالحرية للشعب العراقي، ونحن لا نرَى ولا نعرف عبر التاريخِ أن الحريةَ حُملَتْ إلى شعبٍ على سنابكِ الخيلِ أو على جنازيرِ الدبابات.

والمحتل ليس جمعيةً خيرية تقدم الحرية مجانًا للشعوب، وإنما المحتلُ جاء ومعه مخططه لينفذه، وله مطامعٌ وطموحات جاء ليفرضها، وله أهداف في السيطرة والهيمنة وبسْط النفوذ ونهْب الثروات جاء ليظفر بها.

لقد سقطت دعاوى واشنطن بالحرياتِ على أعتاب (جوانتنامو)، وعلى أعتاب ترسانة القوانين المقيدة للحريات التي فرضتها على الشعب الأمريكي، لقد سقطت دعاوى الحرية لأمريكا بمساندتها للقمع والاستبداد وإرهاب الشعوب، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}(البقرة : 11- 12).

أيها الإخوة الكرام :

هناك شعب عربي آخر أعزل يقف بكافة فئاته.. من شيوخٍ ونساءٍ وأطفالٍ، وبصدوره العارية في مواجهة آلة الحرب الصهيونية المجرمة بدباباتها وصواريخها وطائراتها الأمريكية الصنع، وفي غيبة من أي غطاء عربي، أو مساندة من الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، وفي ظل تعتيمٍ دولي واضح للمحتل القاتل.

ونحن بصفتنا أول المسئولين، وأول المشاركين في هذه الجريمة التي تستهدف شعبًا يتعرض للإبادة والقتل والتشريد وهدم منازله واقتلاع مزروعاته، واعتقال خيرةِ شبابه في أكبر جريمة حربٍ عرفها التاريخ يقوم بها مجرمو الحرب الصهاينة.

فإلى مَن يَلجأ هذا الشعب المستضعف بعد أن خذلته الأنظمة العربية؟! هل يلجأ إلى الأمم المتحدة التي صدر عنها أكثر من 164 قرارًا يدين الكيان الصهيوني ولم ينفذ منها قرارٌ واحد، بينما قرارات مجلس الأمن في التسعينيات كانت تصدر ضد العراق وتُطبق قبل صدورها، بل إنها استندت إلى المادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة الذي يخول لهم ضربَ مقدرات العراق وإخراجه من القرن العشرين، بل إن القرارات الأخرى التي أصدرها المجلس ضد الدول العربية والإسلامية لمحاصرتها اقتصاديًا وتكنولوجيًا وعسكريًا كانت تنفذ قبل صدورها!، وفي مذابح جنين عجزت الأمم المتحدة عن إرسال وفد لتقصي الحقائق! بل لم تجرؤ على ذلك.

إن قضايانا ومشكلاتنا لن يحلها “بوش” و”بلير”، ولن تُحلّ على موائد المفاوضات؛ فقد أعلن هؤلاء أنهم احتلوا العراق لإعادة رسم خرائط المنطقة لصالح الكيان الصهيوني.

أيها الإخوة:

إن الأمة- بكل فئاتها وبكل طوائفها- حكوماتٍ وشعوبًا ومؤسسات ومنظمات وأفراد كلها معنيةٌ بممارسة دورها وأداء واجبها؛ انطلاقًا من قاعدةٍ شرعية أجمع عليها فقهاء الأمة عبر تاريخها بأن أي اعتداء أو احتلال لأي جزء من تراب هذه الأمة يترتب عليه أن الجهاد يصير فرض عينٍ على الكافة، إذا لم يستطع المعتَدى عليهم ردّ هذا الاعتداء، كما أنه ينطلق من قاعدة أمننا القومي الذي هو مسئولية الجميع.

وقبل أن أختتم كلمتي فإنني أُطالب أحرار العالم ومحبي قيم العدل والحرية أن يقفوا مع شعوبنا المقهورة، وخاصةً الشعب الفلسطيني البطل، الذي أثبت بدمائه وتضحياته وبسالته أنه صاحبُ حقٍ، وأن قضيته عادلة يستحق أن ينصرها ويناصرها الجميع، وكذلك الشعب العراقي الذي يعاني احتلالاً ظالمًا لا مثيل له في العصر الحديث.

كما أنني أوجه إلى هذا الجمع الكريم اقتراحًا بوضع استراتيجيةٍ للمواجهة، ولفضح ممارسات الاحتلال على كافة الساحات والمحافل الدولية، كما يجب وضع آليةٍ لتحركٍ جماهيري ضد الهجمة الصهيونية الإمبريالية، التي تتمترس خلف العولمة والرأسمالية المتجبرة وكافة أدوات الهيمنة.

يجب علينا جميعًا نقل هذه القضية من الجدران المغلقة إلى ساحات منظمات حقوق الإنسان، وإلى الرأي العام الدولي والمحلي، وتفعيل المقاطعة لكل منتجات الدول المشاركة في العدوان والاحتلال، المهم أن نخرج من هنا باستراتيجية متكاملة وواضحة للتصدي لهؤلاء المعتدين على القانون الدولي، وعلى نصّ وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م، وعلى كافة الأعراف والقيم الدينية والإنسانية والدولية.

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} (إبراهيم : 42)، {وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}(الشعراء: 227) .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

———–

(ü) وافته المنية رحمه الله يوم الجمعة 16 ذو القعدة 1424هـ الموافق 9 يناير 2004م.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>