لماذا عزل الإسلام عن قيادة المجتمع؟!


مقـدمة

إن العالم الإسلامي اليوم يعيش في كبد وكمد، تحيط به الدواهي من كل مكان، وكلما أصابته داهية قلنا لاشيء أكبر منها، ثم تأتي الأخرى فتنسينا الأولى انطلاقا من الاستعمار الغربي الذي طالما انتظر هذه الفرصة الذهبية، فرصة الاستيلاء على العالم الإسلامي، ففعل به ما لا يخطر على بال :مزقه شر ممزق ووزعه إلى دويلات وكيانات مجهرية كان يحكمها شيخ القبيلة وبين عشية وضحاها أطلق عليها دولة ونصب نفسه رئيسا وأراد تكوين حكومة فلم يجد ما يتمم به حاشيته إذ نجد اتحاد الخليج العربي مكون من تسع دويلات سكانها الأصليون لم يتجاوزوا مليون نسمة،  وغيرها الكثير، والغريب أن هذه الدويلات التي حباها الله بخيرات البترول تحتكر كل ذلك لنفسها دون أن تستفتي شرع الله لتجد أن خمس ما يملكونه حق من حقوق الضعفاء والمحتاجين المسلمين أينما وجدوا فإن لم يفعلوا ولنيفعلوا فإنما حسابهم عند ربهم.

ثم سألت نفسي عن أسباب هذه الأرزاء المتتالية وهذا التمزق والتشرذم الذي حل بالأمة، وهذا التكالب الذي  لا نظير له في التاريخ من طرف قوى الشر العالمية وهذه الحروب المدمرة التي لا شفقة فيها ولا رحمة مسرحها العالم الإسلامي وضحاياها أبناء المسلمين رجالا ونساء صغارا وكبارا شيبا وشبابا وخراب البنية التحتية لأرض المسلمين ومدن المسلمين وقرى المسلمين، فإلى الله المشتكـى.

أسئلــة محيــرة

ويمكن لأي سائل أن يسأل، لماذا هذه الهجمة الشرسة ؟ ولماذا هذا الحقد الأسود الذي يكال لهذه الأمة من غير جريرة ارتكبتها أو ذنب اقترفته ؟ لماذا هذه الحروب الطاحنة ؟ حروب سياسية، حروب اقتصادية، حروب اجتماعية، حروب عسكرية، حروب…. حروب…… حروب….. لا يخلو منها مجال ولا تقتصر على ميــدان.ويمكن لسائل أيضا أن يسأل : هل أساء هذا الدين الذي ارتضاه الله لخلقه لأحد؟ هل يريد دمار البشرية كما يسعى إلى ذلك سفهاء العالم وطغاته وجبابرته ؟ هل…؟ هل…؟.

ويفرض سؤال آخر نفسه. هذه الأمة المستهدفة، هل هي قليلة العدد حتى استكانت وخنعت ؟ هل إمكانياتها ضعيفة حتى تعذر ؟.

لا هذا ولا ذاك، عددها يتجاوز ربع سكان العالم وأسلحتها لا تعد ولا تحصى وأموالها أغرقت مصانع ومعامل ومصارف وشركات وأبناك الدول الغربية الحاقدة التي كلما أرادوا ابتلاع قدر من المال جمدوه في أبناكهم ومصاريفهم….. بحجة أنهم يساعدون الإرهاب وتصرف على الإرهابيين، ولقد صدقوا لأنه لا إرهاب في العالم إلا ما يمثلونه هم وإليهم تدفع الأموال، أما الجياع  في باكستان الشرقية والصومال وأفغانستان والشيشان وفلسطين وغيرهم من الجياع الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، لا يصلهم من أموال الأغنياء إلا الحكايات العجيبة الغريبة، فهذا أمير يخسر في ليلة واحدة مليوني دولار على مائدة القمار، وهذا يقيم حفلا تحضره شخصيات مرموقة من الدول المختلفة تكريما لزواج قطه بقطته ينفق فيه ما يربو عن مليون ونصف مليون ريالا، وهذا برلمان تحتدم فيه المعركة من أجل إضافة تعويضات فوق الراتب الأصلي  بين اليسار -الذي طالما منى الأمة في أيام عزه خداعا ونفاقا بالعدالة الاجتماعية والدفاع عن الطبقة المسحوقة-  وبين الرجعيين  حسب  زعمهم.

دون أن يفكر اليسار المتمكن في الدكاترة المعطلين ولا في أبناء الأمة الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهــــــــــم.

الاستعمــار ومقومــات الأمة

إن هموم العالم الإسلامي لا تحصى أبدا فمن أقصاه إلى أدناه يعاني من المشاكل والأزمات ما يقض مضجع العقلاء من أبنائه فالكل يرزح تحت نير الاستعمار القديم والجديد، الظاهر والخفي، بيد أبنائه الذين صنعهم الاستعمار على عينه وخلفهم وراءه ليقوموا بدورهم عند الاحتياج إليهم، أو بيد أعدائه الذين طالما تربصوا به الدوائر وكانت لهم اليد الطولى في تشرذمه وتمزيقه خشية أن تعود إليه الحياة من جديد، لأنه يملك من مقومات الوحدة ومن مقومات القوة ما لا تملكه أمة فوق الأرض.

تلك المقومات التي عاش بها العالم الإسلامي ثلاثة عشر قرنا معززا مكرما يحكمه شرع الله ويحكم به البلاد والعباد بالعدل والإنصاف والرحمة والمساواة من أقصى شرق الهند إلى جبال البرانس بجنوب فرنسا  – التي تضم رفاة القائد العظيم عبد الرحمن الغافقي  رحمه الله- إلى أصقاع إفريقيا، حتى أن خليفة المسلمين هارون الرشيد  -الذي شوه الأعداء صورته- مرت به سحابة فلم تمطر، فقال لها : “أمطري حيث شئت فإن خراجك سيحمل إلينا”  سيحمل إليه لا ليعبث به ولا لينفقه حسب أهوائه وإنما يأخذه من الأغنياء ليوزع على الفقراء.

وهذا عمر بن عبد العزيز يبعث فقيها إلى المغرب الأقصى ليأخذ الزكوات من الأغنياء، فيجمعها ويطوف بها في المغرب شهرا كاملا من أقصاه إلى أدناه لعله يجد فقيرا يقبل منه الزكاة، فلم يجده وأخيرا اشترى بهاالعبيد وحررهــــــــم.

بهذه المبادئ وبهذه الروح كان المسلمون يحكمون العالم، تلك المبادئ التي تعبر عن قمة الأخلاق الإنسانية – التي حرم منها طواغيت عالم اليوم – السامية والتي حافظت عليها الأمة لقرون طويلة، ولم ترض بغيرها بديلا حتى حققت ما يشبه المعجزات وأرغمت الكثير الكثير من عقلاء الغرب بأن يشهدوا شهادة الحق بالرغم من العداء المستحكم لهذا الـدين.

يقول “غاستف لبون” في كتابه حضارة العرب “بل حضارة الإسلام” : كلما أمعنا الدراسة في حضارة العرب وكتبهم العلمية وفنونهم ظهر لنا أن العرب هم الذين منحوا أوروبا المدنية مادة وعقلا وأخلاقا، وأن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير.

نعم هذه الحضارة التي يتكلم عنها الرجل، ما هي إلا نتاج ذلك المبدأ الرباني الذي جاء به سيد الخلق، ليخرج الناس كل الناس من الظلمات إلى النور يقول تعالى : “كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور”.

من ظلمات الشرك والكفر والوثنية، إلى نور الحق والعدل والإيمان، ومن ظلمات التشرذم والتمزق والشتات إلى نور المحبة والوحدة والوئام .

نعم عاش العالم الإسلامي ردحا من الزمان لا يريد بغير هذا المبدأ بديلا، ملتزما به في كل شؤون حياته، متيقنا كل اليقين أنه سر قوته، وجلاء أحزانه، ومكمن عزته، والحل الوحيد لكل معضلاته، والدواء الناجع لكل أدوائه الظاهرة والباطنة الخفية والجلية الفردية والجماعية المحلية والدولية، ولنستمع إلى فيلسوف من عقلاء الغرب -برناردشو البريطاني- يقول : ” إنني أعتقد اعتقادا أن رجلا مثل محمد  لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه لتم له النجاح في حكمه ولقاد العالم بأسره إلى الخير وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم السلام والسعادة المنشودة “.

هل استمعتم يا مسلمين لصيحة هذا الرجل الذي لم ير محمدا  ولم يعش معه وإنما اطلع على سيرته وعرف بعض المبادئ التي جاء بها فأقر بالحقيقة وأعلن للعالم أجمع أن محمدا  جاء للبشرية بمنهج كامل واضح شامل يتضمن خير الدنيا وسعادة الآخرة ينظم كل العلائق التي تربط الإنسان بغيره في منتهى الجمال وتمام الكمال، الشيء الذي حز في نفوس الأعداء المتربصين حسدا من عند أنفسهم فأعلنوها حربا طاحنة استمرت القرون الطوال، وكل حرب خاضوها مع المسلمين، رجعوا في آخر المطاف بهزائم منكرة وخسائر فادحة مما جعلهم يجمعون جموعهم ويستفتون دهاقنهم عن سر هذا الانتصار مع قلة العدد والعدة، وبعد البحث والتمحيص خرجوا بنتيجة أن المسلمين لا يهزمون إلا من داخلهم، ولا يتحقق التغلب عليهم إلا بإبعادهم عن دينهم وإخراج هذا الدين من صميم  الحياة وإفراغ ما بقي منه من كل روح وحيوية.

وهنا جن جنون العدو، فجيش جيوشه وزحف بكل جحافله المادية والمعنوية الظاهرة والخفية، وحاول العالم الإسلامي المقاومة لكنه وجد نفسه خائر القوة مهيض الجناح غارق في مهاوي التخلف والانحطاط، ببعده عن سر قوته الذي حافظ على كيانه موحدا معززا مكرما لقرون طويلة، حتى طغت عليه الأنانية وحب الذات والركون إلى الدنيا ومتاعها الفاني، فاستبدلت مبادئ ربها بما يعارضها  ويصادمها من أعراف محلية وعصبية قبلية وتفرقة عنصرية إلى غير ذلك من المفاهيم الجاهلية، فحاق بها عقاب الله وهجم عليها المتربصون الغربيون والشرقيون، فوجدوا الظروف مهيأة وكل عوامل النجاح متوفرة أمة مريضة، تأخر في كل الميادين، تمزق في كل الصفوف انحراف في السلوك وانحلال في الأخلاق، وجبن وخوار جهل ضارب الأطناب، ظلم, استبداد واستعباد،الغلبة للأقوى والسيادة للمخلب والناب.

زيادة على ذلك أن العدو المتربص كان في أوج تفوقه وتقدمه في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية إلخ.  يضاف إلى ذلك المخططات التآمرية التي تفتقت عنها ذهنية قوى الشر العالمية من أجل القضاء على مقومات الأمة المنكوبة.  فانبهر بذلك البريق الكثير الكثير وأصبح الكل تقريبا ينظر إليه نظرة المغلوب للغالب ونظرة المسود للسيد، وهنا سنحت الفرصة للمنافقين والانتهازيين ليضعوا أيديهم في يد أسيادهم وينساقوا معهم في دربهم شبرا بشبر وذراعا بذراع، فكونوا منهم الدرع الواقي والحربة المسمومة التي أصابت المقاتل.

وهذه الفرصة الذهبية التي طالما انتظرها العدو المتربص ليضم هذه الشرذمة إلى معاوله الهدامة، فرسم خطته بدهاء ومكر وحاك مؤامراته بخداع وخبث وشرع في تنفيذها بأناة وصبر وصمم على الهدم والتدمير للعالم الإسلامي لكن بأسلوب جديد غير أسلو ب الصليبيين القدماء أسلوب ينبني على تدمير العقائد والأفكار تدمير القيم والمبادئ والأخلاق، تدمير كل القوى المعنوية التي لها صلة بالإسلام ولكن بمعاول خفية لا تراها الأعين بسرعة ولا تلمسها الأيادي بسهولة.

ومن هنا نرى أن العدو الحاقد هجم هذه الهجمة الشرسة على الإسلام وأهله لعلمه اليقيني، بأن مبادئ هذا الدين هي العقبة الكؤود التي تقف في طريق انتشار مبادئه الهدامة ومخططاته التدميرية يقول المنصر لورانس برا ون :

” إن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإنتشار والإخضاع في حيوية، إنه الجدار الوحيد الذي يقف في وجه الاستعمار الغربي “.

لهذا ولغيره الكثير الكثير، أعدوا العدة من أجل القضاء عليه وإن لم يتمكنوا – ولن يتمكنوا إن شاء الله -

فعلى الأقل يقفون في وجه توسعه والحيلولة دون انتشاره خشية أن تعود تلك الشخصية الربانية ذات القدرة على الثبات والصمود في وجه كل حركة هدامة تآمرية خداعة منافقة يجمعها حقد دفين على هذا الدين وأهله وتجمعها منطلقات أساسية يتمثل فيها جدور البلاء ومخططات الشقاء لهذه الأمة خاصة وللبشرية جمعاء هي :

- الصهيونية المجرمة.

- الصليبية الحاقدة.

- الشيوعية الملحدة.

هذا الثالوث الإجرامي، هو الإطار الأساسي والعقل المدبر لكل المؤامرات، والمخطط لكل شر يوجه إلى هذه الأمة، وله وسائل وأهداف.

الـــــــوســــــائـل

إن الوسائل التي تستعملها هذه الحركات الهدامة كثيرة ومتعددة منها

1- الاستعمار العسكري للعالم الإسلامي، يسانده التبشير والاستشراق والعمالة الداخلية.

2- الاستعمار الفكري الاستيطاني الذي يسانده ويساعده :

>  البعثـات إلى الخـارج .

> المــدارس الأجنبيـة .

> المــدارس الحديثـة .

> الغـــزو الاجتماعي.

> التبعيــة للأجنبي.

وبهذه الوسائل الجهنمية يتمكنون من تحقيق أهدافهم الكبرى، والتي يرون فيها التحطيم الكامل للعالم الإسلامي، ولمقوماته التي تعتبر مكمن عزه وسر قوته والضامنة لجمع شمله وتوحيد صفوفه وهي :

وهذا ما سنحاول التعرض إليه في مقالات لاحقة بحول الله.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>