رقائق – اقرأ واعقل إن كنت ذكيا


كل نفس ذائقة الموت، إنما هي حياة متاع الغرور، مدتها وجيزة والعسر فيها قصير واللذة بها اغترار واصطفاؤها جهل، وتركها جبن وبدعة كما هو حال الكثير من المتصوفة والمتفقرة الذين زادت همتهم في العبادة غير المشروعة، فزُين لهم سوء أعمالهم حتى زعموا رؤية أشياء لم يرها محمد   الذي أُنزل عليه القرآن من فوق سبع سماوات، لم يرها لا في الغيب ولا في الشهادة، فلا تترك الدنيا لأنها مزرعة للآخرة, وازرع ما شئت فإنك حاصده، ودع حبها فإنه مصيبة لأن الدنيا مصيدة فمن أحبها أكل الطعام والطعم.

واعمل قدر المستطاع فإن الله لا ولن يظلمك في الذي كنت فيه تغوص في الدنيا، واضحك وابك كيف شئت أين شئت وقت شئت، فبين الكيس والعاجز يوم تغرس فيه الألسن وتنطق الجوارح ليُفصل بينهما، فيبكي العاجز لأنه يرى الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب عظيم لأنه كان يضحك على نفسه ولا يبالي ويضحك الكيس لأنه كان مشفقاً في الدنيا من يوم شيب ذكره سيد المرسلين محمد فأمنه ربه شر ذلك اليوم في الآخرة.

فلماذا تغتر بإمساكك السجارة ولم لا تبتعد عن البنات وتهجر دور السينما وتبكي على الممثلين عوض أن تبك معهم، لم لاتجانب المسيئين وتصاحب المسلمين الذين يرفعون راية لاإله إلا الله بصدق ولماذا تتناسى حقيقة الدين وتعتنق الدنيا فإنك والله ميت.

اعلم أنك على علم بهذا لأن مصيبتنا أننا نعلم ولا نعمل، ولكن هلا انتهيت. الفطن العاقل هو الذي يعمل لما بعد الموت، فهل عملت لما بعد الموت؟

إن كنت تعمل لما بعده فنعم العمل ونعم الاختيار، وإن تناسيت أنك ميت فراجع أوراقك، وإن كنت تأمل النجاة فاجتنب حال الذين {قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}(الملك : 10).

أخي، إسداء النصيحة سهل، والمشكل قبولها لأنها في مذاق متبع الهوى مر إذ المناهي محبوبة في قلوبهم. وإن من الناس من يقبل النصيحة ويترك العمل بها وهذا طريق النفاق ومنهم من يرفضها لأنه يجد صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء لسماعه إياها وهذا قلبت فطرته والعياذ بالله، ومن الناس من يقبلها ويعمل بمقتضياتها ولا ينساها وهذا ممن مستهم رحمة الله.

قال الواحد القهار:{فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى}(الأعلى : 9- 11) فأخبر أن من يخشاه يتذكر والتذكر هنا مستلزم لعبادته.

وكل من يخاف الله فهو عابد له ولا يعصيه، وأما من يدعي خوف الله ويصر على معصيته فلم أجد له تفسيرا يطابق ما يقوم به سوى أن السبل قد تفرقت به واغتر بربه الكريم.  لأن الخوف والرجاء يستلزمان تأثيرهما في القلب، وما في الفؤاد يظهر على الجوارح، فانظر إلى سمعك وبصرك ويديك ورجليك تعرف في أي طريق أنت، هناك طريقان ولا داعي لاختراع ثالثهما : إما طريق الرحمان أو طريق الشيطان.

نجيب الإبراهيمي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>